عبد الحميد جماهري

أحسن الزملاء، عندما أطلقوا اسم «الأيادي البيضاء» على العملية التي يقودها المدير العام للأمن الوطني عبد اللطيف الحموشي، ضد جيوب كثيرة من الفساد الذي يلقي بظلاله على السياسة والقضاء والأمن والتجارة..
من زاوية بيع الخمور ومحلاتها وترويجها الخارج عن القانون وعن الفساد في التغذية.. وعن التشبيك المشبوه الذي مس الكثيرين، وتراخت أمامه الدولة في مستويات عديدة وأرخَت «قبضتها» عليه.
وتسمية «الأيادي البيضاء» تقدح الكثير من الخيال، بالنسبة للإعلامي وهو يعود إلى الزلزال الذي ضرب إيطاليا في 1992، وشمل الطبقات السياسية والمالية والقضائية، بقيادة القاضي «دي بيترو» ومن معه، خصوصا منهم «فالكوني»، الذي تم اغتياله من طرف الفاسدين ومافياتهم، كما تستعيد بها ذهنية السيوسيولوجي دور الدولة في الوضع الذي نعيش فيه، ويذهب به الخيال إلى يد الدولة اليسرى ويدها اليمنى، كما نحتهما ذات علم الفيلسوف والسوسيولوجي الكبير «بيير بورديو»…
ونفهم منه أن للدولة الحية يدين: يد يسرى، هي يد العناية والرعاية… تلك التي تقوم الآن بكل شيء تقريبا في ضمان السير الحسن للحياة العامة، ودمقرطة المؤسسات وتنمية الحقوق الاجتماعية للكل، لاسيما المهمشين والمقصيين والصغار، واليد التي تحمل ضماد الفقر والتفاوت الاجتماعي..
واليد اليمنى، هي اليد السيادية، التي تضبط وتسيطر وتقوي نفسها، اليد التي تصنع الحرب والسلم، اليد التي تسك العملة، يد الدولة اليمنى، التي تفرض القانون…
وفي زمن كورونا، تشتغل اليدان بما يفيد التعاون في الحرب التي تغزونا بجائحتها..
وعندما تضم الدولة يدها إِلَىٰ جَنَاحِها وتَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فتلك إذن آيَةً أُخْرَىٰ على سلامتها، وعلى النهج الذي يجب.. أن يكون نهجها.
ومن حسن الحظ أن التلقي العام للخطوات التي تمت كان تلقيا جديا وإيجابيا للغاية، وهو ينبئ بأن الدولة « لم تنس الفساد»، كما سبق وأن تخوفنا من أننا كمغاربة كدنا ننسى الفساد.
قُلْ كنا مشغولين بالحرب!
وحقيقة الأمر، أن أجهزة الدولة، عليها أن تشتغل بيديها معا.
وعليها، كما كتبنا في فاتح شتنبر الجاري، أن تُنازل الجائحة، وأن تجد السرير للمرضى، وأن تجد حبات الكلوروكين، وتجد إيرادات للفقراء والمهمشين، وتسعف المقاولات للبقاء على قيد الحياة، وأن تحافظ للدولة على وارداتها قصد ضمان المقاومة…
اتضح أن عليها أيضا أن تخوض معركة ضد عاهات مستعصية على الشفاء بدورها، ضد وباء نعرف تفاصيله ونعرف جينومه، ونعرف من ينقله ومن يصاب به ومن يتأثر بانتشاره…
وباء الفساد الذي لا يبدو أن الوباء المستجد قتله.. واتضح أن له تكيفا عضويا ووظيفيا معه… «غير أن من حسن حظنا في الحالات التي نتابعها، اليوم، أن المتابعين بشبهات الفساد يصلون إلى المحاسبة، بعد أن تحركت أجهزتهم وقطاعاتهم ضدهم، كما في الأمن، وهو بذاته حكم أولي على أنه ليس لهم من يحميهم، وأنهم منبوذون أولا في أوساطهم التي يعيشون فيها»….
ومن الحظ الجيد أن هناك اسما يرتبط بمعركة ضد جحافل الفساد، ومن أجل أيادي الدولة البيضاء، ولا بد من اسم لمن له أياد بيضاء على الدولة، وفي الدولة، وكان الحموشي…
وهو لم يعتقد بأن الوباء يمكن أن يبرر التغاضي عن الجائحة!
وأن الطاعون سبب كاف لكي نغفر الكوليرا
في تقابل بين الفساد والكورونا..
ولا يمكننا ألا نذكر الأسماء التي نحتت أسماءها في التاريخ، وفي الحوليات العالمية لمحاربة الفساد، في تقاطعاته العديدة..
ومنها ما وقع في إيطاليا كما سبق لنا القول، والذي كان وراء شيوع مسمى «الأيادي البيضاء /النظيفة».
وستستحق أن نستحضرها، لا لكي نغمط التجربة الغربية قوتها الأخلاقية أو إحالتها على ما سبقها، بقدر ما يبعث ذلك فينا الشعور باستحضار قوة ما يقع عندنا وصدقيته وما يجب أن نقرأ فيها…
وقد بدأت القضية بحادثة «بسيطة» عندما تلقى السياسي ماركو شييزا سبعة ملايين ليرة (3700 دولار) كرشوة من شركة تنظيف صغيرة لصالح مشفى ميلانو، الشيء الذي أعطى انطلاقة حملة “الأيادي البيضاء” الواسعة النطاق التي أماطت اللثام عن الجوانب المظلمة في عالم السياسة والأعمال في إيطاليا.
واسم الأيادي البيضاء، أو النظيفة، manu pulati تحمل تاريخا مشرفا في محاربة الفساد..
لا يمكن أن نعفي أنفسنا من إغراءات المقارنة، بالرغم من وجود الفارق الكبير، بين البلادين، والقائمين على تنقيتهما..
بين من يقود الإصلاح ومن يدفع ثمنه من فساد، هنا وهناك، في الآن وفي عشرين سنة مضت…
يتبع…

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..

المجد للشهداء في الأعالي، وعلى الوطن السلام!