محمد إنفي

أَسْحَتَ فلان؛ يعني وقع في السحت. والسُّحت هو الكسب غير الحلال أو غير المشروع. فكل كسب غير مستحق، هو سُحت. وبصفة عامة، السحت هو ما يتم كسبه عن طريق الغش والكذب أو عن طريق الرشوة أو غير ذلك من الطرق غير المشروعة.

وفَجَرَ الرجل؛ يعني فَسَقَ وخرج عن طريق الحق. والخروج عن طريق الحق قد يكون بالغش والكذب والخداع؛ وقد يكون بأكل السُّحْت؛ وقد يكون بإتيان أفعال أخرى تقع تحت طائلة القانون، الوضعي منه والشرعي.

  ويعتبر أكل السُّحت وتفشي الكذب عاملين من عوامل الانحلال الخلقي وعلامة من علامات انهيار القيم. فاتخاذ الكذب وسيلة لتحقيق منافع مادية (و/أو معنوية)، إنما هو دليل على الاندحار الأخلاقي والسقوط الرمزي.

   وإذا ما حصرنا اهتمامنا في شخصية عامة كرئيس الحكومة السابق مثلا، السيد عبد الإله بنكيران، سنجد أنفسنا أمام حالة مُحيِّرة. فمن جهة، يدعي الرجل الطهرانية والصلاح والإصلاح  ويتشدق بالتشبث بالثوابت و، و، و…؛ ومن جهة أخرى، يأتي سلوكات وأفعالا تناقض هذا الأمر. وهنا، ندرك مستوى الانحلال الخلقي الذي وصلت إليه بلادنا، ونتصور خطورة ذلك على مؤسساتنا، باعتبار الوضع السياسي والاعتباري السابق للرجل (الرجل الثاني، بروتوكوليا، في هرم الدولة).

ولنبدأ بالكذب. إن بنكيران  يتنفس الكذب كالهواء. وقد كتبت كثيرا حول هذا الموضوع في مناسبات مختلفة، أكتفي، هنا، بالإحالة على واحد من مقالاتي بعنوان “بنكيران أكذب من مسيلمة ومن عرقوب” (“تطوان بلوس” بتاريخ 01 فبراير 2019).

أما السحت، فيتمثل في الراتب السمين الذي يتقاضاه من المال العام بعد ادعاء الفقر والحاجة. فهو كسب غير  مشروع وغير شرعي  لكون تحصيله اعتمد على الكذب.  وكل كسب عن طريق الغش أو ادعاء الفقر أو قبول أجر دون عمل (رشوة؟؟؟) أو غير ذلك من طرق الكسب غير المشروعة، فهو سحت وفجور.  

وقد قرن القرآن الكريم بين الكذب وأكل السحت في قول الباري عز وجل: ” سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ”. وبنكيران ليس سمَّاعا للكذب فقط؛ بل هو خزَّانه ومنبعه الذي لا ينضب. أما عن السحت، فهو أكَّال له بامتياز. 

لقد سبق له – دون خجل ولا وجل ودون أدنى  وخز ضمير- أن جمع، وهو رئيس للحكومة، بين تعويض البرلمان وتعويضه السمين عن مهامه الحكومية. وبعد خروجه من الحكومة، غير مأسوف عليه، أنكر ثروته (مدارس خاصة وغيرها) وادعى الحاجة؛ ثم لجأ إلى الوساطة قصد الاستفادة من الريع؛ والوسيط (حسب ما جاء على لسانه) لم يكن سوى المستشار الملكي الذي سبق لبنكيران أن صنفه بين التماسيح والعفاريت وجعل منه عرَّاب “التحكم”. وقد أثمرت تلك الوساطة حصوله على “تقاعد” أكثر من مريح: 70.000 درهم شهريا (ما يكفي لتوظيف ما بين ستة إلى عشرة من الأطر العليا والمتوسطة التي تعاني البطالة). أليست هذه الملايين السبعة ريعا؛ وبالتالي، سحتا ؟ أليس أكل السحت فجورا وفسقا؟

فلو كان الرجل منطقيا مع نفسه، لما طلب الحصول على أجر، وهو لم يعد يقدم أية خدمة للدولة؛ خاصة وأنه هو صاحب مقولة “الأجر مقابل العمل”. فحين مارس الموظفون حقهم الدستوري (حق الإضراب)، حرمهم من أجر أيام الإضراب ظلما وعدوانا؛ أي دون سند قانوني. فكيف يبيح لنفسه ما حرمه على الموظفين؟

وإذا ما استحضرنا المرجعية الإسلامية التي يدعي الانتساب إليها، وتمثلنا القيم الأخلاقية الإسلامية التي لا تبيح الممارسات المذمومة كالتصرف فيما ليس لنا فيه حق، نكون أمام حالة سحت بيِّن وآكله في “حالة تلبس” حسب الأخلاق الإسلامية التي “تُجرِّم” ما قَبُح من المكاسب؛ وأقبح المكاسب ما تم تحصيله عن طريق الكذب أو التملق أو الارتشاء أو التزوير أو غيره من طرق الاحتيال. لذلك، سمي سُحْتا. والرجل، كما بَيَّنَّا ذلك أعلاه، قد أسْحَت؛ أي وقع في السحت؛ وبالتالي، فقد فَجَرَ؛ أي مال عن الحق.

فأين هي الأخلاق الإسلامية التي تتنافى وكل الأفعال المذمومة والمُنْكَرَة؟؟؟ وأين هي الشهامة والكرامة والأنفة والمروءة وعزة النفس والقناعة وغيرها من الكنوز الرمزية التي لا تفنى؟؟؟

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..