يمكن لأي كان، من يخلص، في مجال شائك وحيوي، مثل قضية المرأة ، إلى أن الملك محمد السادس غامر بعرشه، في معالجة قضية مدونة الأسرة، لما خلقت القوة المحافظة شروط انقسام حاد في المجتمع، حول الإصلاح الذي نضجت شروطه.
ويذكر الجميع أن هذا الانشقاق الحاد وصل إلى الشارع، في تقسيم أفقي، كما شق البلاد عموديا من خلال تعبيرات المجتمع السياسي.
وقد انحاز ملك البلاد إلى التوجه الإصلاحي، بتوازن وتدبير وتغليب التحكيم الذي يسير في اتجاه التاريخ.. وكانت النتيجة تبني قانون أسرة يعزز حقوق النساء في 2004..
في هذه القضية بالذات، نعتبر أنها عتبة الحداثة، لا سيما في مجتمع أصبح جزءا من نخبته المحافظة، وأيضا من مناصريها ومن منتجي السلطة ذاتها، يعتبرون العلاقة مع المرأة هي علاقة مع … متهمة!
ولا حاجة إلى سرد صك الاتهام الذي يعده هؤلاء بالمناسبة… تحولا جوهريا مسؤولا ومفكرا به بقوة وبكلفته.
1 – وقبل ذلك، دشن ملك البلاد ثورة حميمية في ما يتعلق بحياته الخاصة، والأسرية، عرف من خلالها المغاربة تفاصيل بناء أسرته.. أو في مآلاتها، بدون سر السرايا ولا عرض الخصوصية الأسرية للفضاء العام المفرط..
وما زال نفس السلوك الشفاف يطبع العلاقات الخاصة به أسريا وإنسانيا..
2 – الموجة لم تقف عند نصوص المدونة، والمكاسب التي جادت بها للمرأة، بل غمرت جزءا من القضايا الصعبة والشائكة، لم يكن يطالها النقاش العمومي إلا لماما، من قبيل حقوق النساء السلاليات، ومسألة التفكير في الإرث، من زاوية الإجتهاد، وأيضا الحضورالمتواصل للقضايا ذات الصلة بوضع النساء في المغرب، من خلال قضية الإجهاض التي وصلت إلى البرلمان وبدء النقاش فيها.. ما نعرفه في هذا الجانب، هو أن العهد الجديد لم يقف أبدا إلى جانب القوة المتشددة، داخل المجتمع أو قربا من ضواحي الدولة.
ولعل التجربة مع الإسلام السياسي في الحكم، لم تكن لتجعل المحاولة سهلة، بالرغم من النتيجة التي وصل إليها المغرب، في جوانب تتعلق بقضايا مشابهة..
مما يعطينا صورة عن قوة المحافظة، وهي تصل إلى «البنية العميقة» للدولة..
وخيار الانحياز إلى التحديث في قضايا مجتمعية للغة والمرأة وغيرهما، قد نلمسه أيضا من خلال القرارات المتعلقة بالتعيينات الملكية في المناصب ذات الطبيعة الخاصة والترابية، القضائية، الفقهية، الخ)..
هناك قضيتان لم يسلط عليهما الضوء كفاية، وأعتبرهما تكشفان عمق التحول في التعامل مع قضية المرأة واحدة تتعلق بالفقه وشهادة المرأة والثانية تتعلق بالدم والجنسية..
ولقد كان لافتا، في سياق تخصيب النقاش الديني، لهذه السنة أن نتابع في الدروس الرمضانية، ونستمع إلى باحث يقول بأن «أي شهادة من شهادات الروايات في الفقه لم يتم الطعن في شهادتها».
وإذا كانت الجرأة في عرض الدرس أمام أمير المؤمنين دليلا آخر لتفكير هادئ واقتباس وقياس ينفع الذين يحفظون للتدين حرمته وللعقل مسافته…
بالنسبة لمنح الجنسية، تخطى المغرب، بقرار من الملك عتبة متواضع عليها، تعتبر ضمنا أن دم المرأة لا يصلح ناقلا بيولوجيا للوطنية، كما لو أن الدم النبيل هو دم الرجل وحده..
وبتجاوز هذا الحكم الجائر، ارتفع المغرب إلى ما يجعل المساواة أبعد من توزيع مادي قابل للتناول الكمي، بل إلى عمق الأشياء..
هناك فرص مازالت أمام الإجتهاد، في الفارق الصعب بين تفعيل الإجتهاد وبين حدود المحرم في النص المحسوم، تلعب فيه الإمارة والإمامة الكبرى، دورا محرضا على العلم والتقدم..
هذا لوحده مشروع حضاري، يجدد الخطاب الديني والعيش في الزمن المغربي الجديد..

الكاتب : عبد الحميد جماهري

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..

المجد للشهداء في الأعالي، وعلى الوطن السلام!