عبد الحميد جماهري

النقاش حول تقاعد البرلمانيين والوزراء، والجمع بين التعويضات، يكون سليما عندما تكون الأفكار سليمة وواضحة.. التقسيم المانوي إلى ديموقراطية شعبوية، تريد أن تنزع من البرلماني تقاعده المريح والوزير نفس الشيء،
وإلى ديموقراطية سليمة، تحافظ له على تقاعده، ولو بمدة خمس سنوات فقط من الأداء،… وتسمح له بالجمع بين تعويضات البرلمان ورئاسة الجماعة والوزارة،..
فيه كثير من السريالية..
لنتفق على مسلمتين اثنتين: الأولى، هي : أن الانتداب لمهمة ديموقراطية يتم بتطوع كبير، ومن أجل الدفاع عن فكرة ومشروع.. والثانية، هي أن الديموقراطية لها ثمن!
في المسلمة الأولى، يقتضي المنطق أن نسلم بأن الذين يختارون دخول التنافس السياسي، يختارون فيه التطوعية والتضحية بالزمن ومنح جزء من الصحة له.. عندما تكون الأشياء سليمة وواضحة ويحذوها الصالح العام.
والحديث عن العمل المجاني، أو »البيليكي الدارج««، أو الحديث أنه لا عمل يكون «في سبيل الله»، هو نسف لأسس العمل المدني والتطوعي، ولمقومات الدفاع عن مشروع فكري ومجتمعي،يقتضي إثبات الجدارة العملية، وقبل كل ذاك، الجدارة الأخلاقية والتطوعية..
وعليه، فإن التساؤل الاستنكاري، الذي سمعناه عند مناقشة السادة البرلمانيين للقضية، عن «برلمان يعمل بلا مقابل، وحكومة بلا مقابل، وعمال ومدراء وولاة وغيرهم« ، فيه الكثير من الالتباس المقصود، وإن كان أصحابه يرون أن الخطابة والتفوه السياسي يستدعيانه!.. والحال أن الفرق شاسع بين من يقوم بمهمة بالتعيين، في سياق الولاة والعمال والقياد والباشوات، ومدراء المؤسسات الخ، والذين يتولون المسؤوليات بناء على سلم قيم مهني، وتسبقه المباراة المهنية، ويخضع لحق النظر الجماعي من باب تكافؤ الفرص والمساواة وغيرها من قيم الاختيار… وبين السادة البرلمانيين والوزراء السياسيين..لا مقارنة ?بتاتا- بين وزير وبين والي مثلا، ولا بين برلماني وبين مدير مؤسسة..على الأقل في حدود القوانين التنظيمية للتعيينات المتفرعة عن الدستور الحالي.
وهنا لن نضيف شيئا مما يعلمه البرلمانيون، ويعلمه السادة المتتبعون.. ولا شك أن الخلط في المرافعة دفاعا عن تقاعدات وتعويضات المعاشات إلخ، هوغير منتج أو تكون له نتائج عكسية مما يتوقعه السادة المرافعون..
بالنسبة للمسلمة الثانية عن ثمن الديموقراطية..
وقبل أن يستقر النقاش في الديموقراطية المغربية عن التعويضات وتعويضات المعاشات تحديدا، كان السؤال الحقيقي، هو: هل سأبقى حيا إن دافعت عن الديموقراطية أم سأستشهد؟هل سأبقى حرا أم سأسجن.؟
وكان عمق الإشكالية هو : من يعلق الجرس في عنق القط، حتى يتسنى للفئران أن تحتاط..
كان ثمن الديموقراطية غاليا ، وكان دفعه يتم من طرف المناضل السياسي،من لحمه ودمه وزمانه وقوته واستقراره، وأحيانا كثيرة من عقله وصوابه..فكم منا جُنّ، وكم منا فقَدَ علاقته بالواقع؟..
ومن حسن الحظ، أن الديموقراطية عندما تنضج، وتصبح قائمة، تصبح هي التي تدفع للسياسي عن أدواره لكي تبقى قائمة وحية..
تحول دراماتيكي ؟
أبدا..
إنه تحول في التشبه بالعالم..
فاليوم، صارت الديموقراطية هي التي تدفع الثمن للذين يتبنونها أو يريدونها.
إنها ربة العمل الذي تدفع لمن يدافع عنها أجرا ..
نؤمن ?بالفعل- إن للديموقراطية ثمنا..يؤديه المناضل الديموقراطي قبل أن تستقر الديموقراطية، وتؤديه الديموقراطية عندما ينتصر الديموقراطيون..
لكن في كلتا المسلمتين، هناك عمق حقيقي، وهو أن مهمة المنتدب، تكون لمدة الانتداب، ولايمكن لأي أحد أن ينال من مستحقاتها بعد أن يبتعد عنها:
إن تعويض التقاعد ليس تعويضا عن فقدان العمل..
ولا أعتقد بأن لذلك تأثيرا كبيرا، على الحالة الوطنية ماديا، لكن في الجو العام للجمهور، فإن السياق يخلق المعنى..وكون البرلمانيين الذين يهاجمون »شعبوية» التخلي عن تعويضات المعاش، يناقشون وضعهم بعد نهاية الخدمة، بمقارنة أوضاعهم مع أوضاع زملاء لهم، هو نوع من التحريفية الممجوجة.
فإذا كان ولا بد من مقارنة، فيجب أن يقارنوا أوضاعهم مع من أعطاهم الشرعية لكي يكونوا برلمانيين،أي عموم المواطنين، وهل هم كلهم من الناس الذين يتجاوزونهم دخلا؟
فلا معنى وحقيقة ومجازا، أن تكون الديموقراطية ضمانة للتأمين على الحياة بعدها؟
فلا معنى و حقيقة ومجازا أن تكون الديموقراطية ضمانة للتامين على الحياة بعدها؟
ما هو المعنى ببساطة؟
ان التعويض الذي يتلقاه النائب البرلماني مبرر ، عندما يؤدي مهمته وطالما هو يؤديها، ولا مبرر له بعد ان ينتهي منها..
فالديموقراطية ليست منصبا إداريا، ولا وظيفة ، بمعناها المهني بل هي مشروع واسلوب سوسيو- فلسفي في حياة مجتمعما، ورؤيا للعالم المادي والاجتماعي، وطريقة في التعايش وليس العيش وحده!..
يتبع

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..