عبد الحميد جماهري

في الفترة الثانية من المرحلة الدستورية الجديدة، تابعنا الكثير من عناصر العجز السياسي في متابعة تلك الدينامية الدستورية، لكن أمام العجز البين في منظومة الفعل السياسي المدني، هناك في المقابل مواصلة حثيثة لمشروع الدولة الجديدة، كما يعرفها دستور يوليوز2011.
كيف؟
لقد صار على الدولة أن تفعِّل الكثير من الدساتير الفرعية لاستكمال دستورها الكبير الأصلي، وهكذا بدأ التفكير الجدي في وضع دستور اقتصادي للمملكة من خلال وضع نموذج تنموي جديد، يدخل بالبلاد في دورة اقتصادية وتنموية مستدامة جديدة، وفي داخله المنظومة الجبائية، باعتبار دورها في تحديد الدولة الاجتماعية، التي تحمي مواطنيها من قوانين التغول العام…
ووضع الدستور الإداري للبلاد، من خلال تغيير طبيعة الإدارة باعتبارها جزءا من الدولة ومن تعريفها وأدواتها وأذرعها،
والدستور الترابي الجديد من خلال الجهوية المتقدمة والحكم الذاتي، وأيضا من خلال إعداد التراب الوطني في مرحلته الجديدة المسايرة للدستور الجديد..
وكل هذه الدساتير الفرعية مجالات للإصلاح، وتفعيل الإصلاح الشامل، وقد تكون العودة بالتفصيل إليها شأنا مجديا، لكن الأساس الآن هو وضعها في منظومة الإصلاح التي صارت جزءا من خطاب وممارسة العهد الجديد…
وهنا تمارس السياسة الإصلاحية الحقيقية، والتي على ضوئها يمكن قياس عجز أو قدرة الفعل السياسي الحكومي والمدني الحزبي وغير ذلك من طبقات النشطاء في المرحلة الحالية.
لقد اعتدنا القول بأن النظام السياسي يفجر أزماته في الأحزاب ولاسيما المعارضة، لكن الواضح أنه لا توجد أزمة كما تم التعارف عليها طوال الفترات السابقة بقدر ما هناك تأزيم إيجابي في نهاية المطاف يدعو إلى المزيد من الفعالية والشمولية،،سببه وتيرة الإصلاح وسقفه!
ويمكن القول إن من مظاهر ذلك، أن الذي يحمل الإصلاح كعقيدة، وبادر به، كانت هي الملكية الجديدة في شخص الملك محمد السادس، مسنودا بالقوى التي تُعرِّف نفسها بأنها حركات إصلاحية ذات مضمون اجتماعي ووظيفة تاريخية، كالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وليس صدفة أن ملك البلاد قد وجد في مذكرة الاتحاد التي قدمها إليه في 2009، جزءا من قناعاته الإصلاحية، ويقتسم روحها الوطنية، وبراغماتيتها النظيفة وطموحها الديمقراطي والحداثي..
اليوم، يبدو وكأنه لا قاعدة فرز يمكن على أساسها تقدير موقف كل قوة سياسية في الميدان، وصار من الصعب تحديد المواقف، والإصلاح تدور عجلاته ونقاشاته الوطنية،فالكل يعلن أنه من صميم دينامية الإصلاح، حتى ولو كان قد أخطأ موعد انطلاقه لهذا الحساب أو ذاك..!
وبقي أن الشطر السياسي من المعادلة، ما زال مرهونا بدرجات القدرة والعجز لدى الفاعلين السياسيين ومنهم الفاعلون الحزبيون..
في التنزيل الدستوري ..
وفي حالتنا، يجب الإقرار بأن القراءات كلها ممكنة، وكانت ممكنة منذ الشروع في التفكير في تنزيل الدستور..القراءة العتيقة مثلما القراءة الحداثية التحديثية، علما بأنه في هذا الفضاء التأويلي تتم صناعة المؤسسات كلها، وفيها يتحدد دور المؤسسات من مجلس الوزراء ومجلس الحكومة والمجلس الأعلى للقضاء وغيرها من مؤسسات الحكامة ولا يمكن فيها رمي المسؤولية على الغيركما نبه إلى ذلك أحد المشاركين في وضع الدستور وصناعته محمد الطوزي…
وفي حالتنا أيضا لا يمكن أن نغفل أن القضية مرتبطة بعلاقة الدين بالسياسة واستقلال القضاء ودور رئيس الحكومة، كما بين ذلك النقاش الواسع في مسألة التعيينات…
في الواقع ، هناك حاجة ماسة إلى معرفة موازين القوة الحقيقية في البلاد،في الوسط الحزبي والمدني، مع استحضار تحول مركزي عميق يتلخص في وجود وعي متزايد ودور استباقي للملكية لا يمكن التفكير بدونه. على حد قول السي محمد الطوزي. ومعناه ، كما يتضح من خلال فلسفة الحكم والسياسة، وفي الخطابات المؤطرة للتوجهات الكبرى، وفي الأجندات التي تطرحها الحالة الراهنية والتفكير في المدى المتوسط والبعيد معا،أن معرفة الحقيقة حاضرة بقوة لدى الملكية المغربية التي »تعلمت عبر القرون، العمل بالاستباقية والتأقلم عبر الأخذ بعين الاعتبار بموازين القوة في حقيقتها الكاملة».
وفي الجانب المنوط به تنشيط الدورة الإصلاحية في أبعادها التنفيذية ، وأيضا في تنشيط الحراك المؤسساتي، نجد أن القوة الرئيسة فضلت اللعب على المحافظة من أجل براغماتية انتخابية مربحة بدون عمل يشبه عمل النهضة التونسية مثلا، التي غامرت بمسايرة تاريخية للتحولات السياسية والتوافق حول جوهر الدستور وعلمانيته المعلنة…
لقد فضلت الأغلبية أن تضخم خطابها حول مفاهيم مجردة من بيئة أخرى ، تتعلق بالدولة ، عوض العمل بالأدوات الموجودة بين يديها لتغييرها والعمل على الارتقاء بطبيعتها، كما هو معلن صراحة في خطاب ملك البلاد حول تقديم الدستور، وكما هو متاح بفعل بنود الدستور نفسه.
لقد أخطأت القوة الانتخابية الأساسية في تحديد مفهوم الدولة وطبيعة عملها السياسي، فكان بذلك خطؤها في معركة تغييرها..
وكمثال على ذلك، لقد تابعنا حربا ضروسا باسم التحكم والدولة العميقة وسواها، بدون عمل عميق بالدستور نفسه من أجل تغيير بنيات القرار في الدولة، وأيضا تغيير هندستها المؤسساتية، وتم تحوير النقاش حول تفعيل بنود الدستور، كما لو كان حرب مناوشات يخشى فيها رئيس الأغلبية فخاخ الوشاية والـ «قَنْيات»! ..

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..

المجد للشهداء في الأعالي، وعلى الوطن السلام!