عبد الحميد جماهيري

عندما نريد أن نفهم انتصار اليسار، نتأمل التجربة الإيبيرية الاشتراكية الديمقراطية، نتأمل التوفيق وهو يحالف البرتغاليين الاشتراكيين،ونتأمل الاشتراكية الاسبانية وهي تحقق النصر، في قارة بلغت فيها القوة اليسارية الحيوية مرحلة الشيخوخة!
ولكن عندما نريد أن نفهم فشل وتراجع اليسار،
نجد أنفسنا مشدودين إلى التفكير اليساري في فرنسا..
لتأمل الانتصار
نفكر في طريقة العمل الإيبيري
ولتأمل الانحسار
نفكر في طريقة التفكير الاشتراكي الفرنسي..
وفي هذا الباب، ليس شرطا أن يكون المرء سياسيا محترفا كي يحمل هم ضعف اليسار الإصلاحي، القادر على التدبير،بل يكفي أن يكون مواطنا قلقا، منزعجا مما يحدث من تطورات سياسية حالية، لكي يتساءل عن واقعه، طامحا في أن يتولى أحلامه تيار واقعي، قادر على الحلم مثله ويملك القوة الغيرية الكافية، بالرغم من أن هكذا تيار يعيش وضعا صعبا..
لقد طرحت مجموعة من المناضلين والمسؤولين والفلاسفة اليساريين هذا السؤال في فرنسا، في خضم التفاعلات الموجودة في الواقع الفرنسي، ويمكن أن نقتسم معهم بالفعل العديد من آليات التفكير وأيضا الكثير من نتائجه..
وهو التفكير الذي تمحور حول سؤال بنيوي: كيف يمكن منح التيار اليساري الإصلاحي قاعدة في المجتمع وفي المشهد السياسي مع قاعدة إيديولوجية صلبة قادرة على الإقناع مجددا؟
وكل أولائك الذين لم ينصاعوا بعدُ لفكرة موت يسار الحكومة أو اليسار التدبيري، كما ينعت قدحا أو حيادا، وجدوا في فكرتيْ الصبر والوفاء وصفةَ لعودة التفكير في إحياء التيار التقدمي في فرنسا..
يرفضون أيضا فكرة أن التبخر الانتخابي يعني التسليم بموت اليسار لفائدة محور وسط ليبرالي والأحزاب الشعبوية بنكهاتها المتباينة والموزعة بين اليمين واليسار نفسه..
إنهم يعتقدون بقوة بأن إعادة إحياء التجربة الفرنسية في الاشتراكية الديمقراطية عبر تجديد عميق، يجد ترجمته في « الانحياز للواقع، والنزعة الإصلاحية والتوافق»…
ولا يطمح أصحاب كتاب« يسار الواقع ، تقدمية من أجل الحاضر»، لا يدعوون تقديم برنامج للحكم والحكومة، بقدر ما تقترح وصفتهم مسالك ومسارات لوضع أساسات وجدران بيت يوشك على الانهيار..
إضافة إلى القيمتين: الوفاء والصبر، نجد أن اقتصاد السوق يحتل مكانة مهمة في التفكير الجديد، باعتبار أن اليسار، يجب أن يعترف بأنه يوجد في قلب المجتمع الذي تحلم به، ومشروع المجتمع الذي تبحث عنه، بحثا عن تفاعل الفضلاء بين قوى السوق والسياسات العمومية..
وفي السياق ذاته، تكون محاربة الفوارق هي قلب السياسة التقدمية، والمثال السامي في العدالة، كما ينظر إليها أصحاب المبادرة، علما بأن المساواة تمثل نجمة القطب التي تتجه إليها أنظار اليسار..
وفي التوصيف الجزئي، والقطاعي، يدافعون بشدة عن الدعوة إلى سياسة جديدة للتضامن تمر عبر الضريبة،وتسوية التعويضات والأجورعبر التفاوض الاجتماعي..
غير أن فكرة يسار الواقع تفترض
وجود يسار ضد الواقع..
ويسار فوق الواقع ..
أو يسار لا واقعي/ سوريالي…
وهو يسار ينأى بنفسه عن التحليل الملموس للواقع الملموس، كما عرفها الشهيد عمر، بناء على مدخل فلسفي لألتوسير.
وتغيب الواقع في تفاعل اليسار اليوم مع الراهن، هو خيار إيديولوجي، في الكثير من الأحيان يريد أن يقنع بالطهارة النظرية بعيدا عن اشتباكات الواقع..
حتى لا يكون يسارا ضد الواقع، لا مناص من أن يخرج من نصوصه القديمة والنظرة التي طالت المشهد حوله:
الدولة وطبيعتها
الطبقات وتعبيراتها
النقابات وكراسيها المتحركة
الدين وتعابيره الديمقراطية
الإصلاح وانتقالات نقط ارتكازه
الشعبويات المتسابقة نحو الجدار العام..
ترهل الوساطات وانحسار »المد الجماهيري«…
حدود المجتمع في إفراز ثقافة الإصلاح
وميله إلى احتضان الرجعيات المتنوعة..
عجز الطبقات عن امتلاك القرار أو إشاعته…
قد يكون، التأمل ذاته في واقعين منفصلين ومتصلين في الوقت نفسه، على الضفة الشمالية منا، نوعا من الهروب من واقع هنا، حي وقوي
لكن التجربة في تعميم التفكير، هي من صميم الواقعية العالمية التي ميزت أممية الفكرة الاشتراكية..
نحن لا نتأمل باستلاب واقعي، يخفي الواقع القلق والحار والشرس هنا، بنتائج الفعل تارة ونتائج الفكر تارة أخرى في أوروبا المتوسطية.
نتأمل من خلال هذا المشترك، لكي نتفرد بتجربتنا، كما كان الحال في مراحل قوية من تارخنا المغربي..
لنتذكر:لقد قاد الاتحاد تفكيرا مغايرا لنمطية اليسار العربي والعالم ثالثي عندما تعلق الأمر بطبيعة الدولة عندنا.
كانت مغامرة فكرية أساسها الواقع التاريخي،عبرت عن فكرة مخالفة للغاية عن دور البنية الفوقية في بناء طبقات المجتمع، وكيفية خروج الدولة من المقدس، وتحالفه بالقَبَلي،.. وهو ما لم يستسغه العقل النمطي الماركسي في لحظات ما من واقع التطور في العالم العربي وقتها..
التفكير اليوم يجب أن يعود إلى واقعيته، لكي يستطيع أن يبقى مع الواقع..
على ضوء ما تعرفه التشكلات الحديثة، في بنية القرار، وفي مصادر الإصلاح وقياداته يمكن إعادة بناء فكرة يسارية مغربية، لا هي فوق الواقع
ولا هي تحت الفكر..
تجربة، تعرف أن الصبر والوفاء قيمتان صالحتان حتى في تربة من قبيل التربة اليسارية المغربية…وأن اليسار الممكن هو يسار الانحياز للواقع، والنزعة الإصلاحية والتوافق.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..

المجد للشهداء في الأعالي، وعلى الوطن السلام!