بمناسبة 8 مارس اليوم العالمي للمرأة، اختارت جريدة “الاتحاد الاشتراكي” أن تقف على الحصيلة في ما يتعلق بوضعية المرأة المغربية بعد التطورات السياسية والمجتمعية التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة، ومدى مواكبتها على عدة مستويات، فكان هذا الحوار مع الأستاذة نزهة العلوي، المحامية، والحقوقية، وإحدى النساء البارزات في الحركة النسائية المغربية، والمؤسسة إلى جانب لطيفة جبابدي وعائشة لخماس وأخريات اتحاد العمل النسائي، حيث تطرقت لهذه الحصيلة على أكثر من صعيد، ولامست عدة قضايا تهم المرأة المغربية كالمشاركة السياسية، المناصفة والمساواة كما جاءت في الدستور، الحريات الفردية في القانون الجنائي ومدونة الأسرة، ثم بعض القضايا التي أثارت نقاشا عموميا كالإرث والإجهاض، فضلا عن تمثيلية المرأة في المؤسسات المنتخبة خاصة مع المشاورات التي تجري حاليا من أجل تعديل القوانين الانتخابية، والتعديلات التي يمكن إن تعرفها مدونة الأسرة التي مرت على تطبيقها 16 سنة.

 

كيف ترين المشاركة السياسية للمرأة  اليوم بالمغرب؟

بداية أهنئ النساء المغربيات بحلول اليوم العالمي للمرأة وأحييهن على استماتتهن في النضال من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وأتمنى أن يكون هذا اليوم مناسبة لتقييم ما تحقق من مكتسبات واستشراف آفاق المستقبل بوضع استراتيجيات وسياسات عمومية تتوخى تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين بما يضمن مساهمة الجميع في تنمية ونهضة هذا الوطن.
لا يمكن أن ننكر التقدم الذي حصل على مستوى تمثيلية النساء داخل المؤسسات المنتخبة سواء منها الجماعات المحلية أو البرلمان، لكن يجب أن لا ننسى أننا في سياق دستوري جديد ينص على المساواة بين الجنسين في كل الحقوق والواجبات وينص على السعي نحو المناصفة، ولذلك لم يعد مقبولا أن نراوح مكاننا بالإبقاء على قوانين تتوخى فقط التمييز الإيجابي لفائدة النساء عوض إقرار المناصفة.
ولذلك ورغم أن صورة مؤسساتنا المنتخبة تغيرت بشكل كبير لأنها لم تعد مقصورة على الرجال وأصبح للنساء حضور كبير داخلها، إلا أن السعي نحو المناصفة الذي نص عليه الدستور لا يزال سعيا بطيئا ولم يتحول إلى سعي حثيث نحو تفعيل هذا المقتضى لأنه يتطلب الإرادة السياسية .
وعندما نتحدث عن المشاركة السياسية للنساء أعتقد أن القصد ليس فقط المشاركة في المؤسسات المنتخبة أو في دوائر صنع القرار، إن الأمر يتعدى ذلك إلى المشاركة في الحياة السياسية بكل أشكالها ومن أبسطها إلى أعقدها.
ولذلك أعتبر أن الأحزاب السياسية تتحمل مسؤولية كبرى في استقطاب النساء وتشجيعهن على الانخراط في الحياة السياسية، كما أدعو النساء للانخراط في الأحزاب السياسية بقوة وكثافة والمشاركة في الحياة الحزبية باعتبارهما أمرا ضروريا وحيويا، وبدون مشاركة النساء لا يمكن الحديث عن الديمقراطية التي لا تبنى إلا من طرف النساء والرجال معا.
شهد المغرب في السنوات الأخيرة تطورا إيجابيا في وضعية المرأة على عدة مستويات، كيف ترين الحصيلة اليوم بصفة عامة؟

لعل أهم تطور شهدته وضعية المرأة كان على مستوى القوانين التي عرفت في العقدين الأخيرين تعديلات في اتجاه الاعتراف للنساء ببعض الحقوق، فقد صدرت مدونة الأسرة، ومدونة الشغل، وتم تعديل قانون الجنسية، وكذا إقرار اللائحة الوطنية بالنسبة لمجلس النواب واللائحة الإضافية بالنسبة للمجالس الجماعية ثم تعديل مجموعة من الفصول في القانون الجنائي، بل وصدور قانون محاربة الاتجار بالبشر، وقانون مناهضة العنف رغم المآخذ التي لدينا على هذين القانونين باعتبارهما لا يرقيان إلى مستوى تطلعات النساء المغربيات سواء من حيث الشكل الذي جعلهما مجرد فصول ومواد مقحمة ضمن القانون الجنائي ولم يتم تخصيص قانون مستقل لكل واحد منهما، أو من حيث المضمون الذي تم التركيز فيهما على السواء على جوانب الزجر والعقاب وأغفل جوانب الوقاية والتوعية والحماية والمرافقة والتكفل بالضحايا.
ولذلك يمكن القول إننا تقدمنا خطوات هامة على مستوى التشريعات، إلا أننا لم نتقدم كثيرا على مستوى التطبيق الفعال لتلك القوانين على مستوى الواقع .
كما تجب الإشارة إلى أنه من أجل النهوض بأوضاع النساء لا يكفي إقرار قوانين جيدة، بل يجب مواكبتها بسياسات عمومية تضمن للنساء سواء كن في المدينة أو البادية حقهن في التعليم وفي الصحة وفي التكوين والتأهيل الاقتصادي.

هل يسير المغرب في طريق تفعيل كل المقتضيات الدستورية في ما يتعلق بحقوق المرأة (المساواة، المناصفة …) ؟

مرت الآن على صدور الدستور أزيد من تسع سنوات وكان من المفترض أن يتم فتح ورش الملاءمة مباشرة بعد إقراره ، إلا أننا ما زلنا إلى حد الآن لم نحرز أي تقدم على مستوى التفعيل والملاءمة.
فمثلا رغم تنصيص المادة 19 من الدستور على إنشاء هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز ضد النساء، لا تزال هذه الهيئة لم تر النور بعد، وكانت الآمال معقودة عليها لتصحيح مجموعة من الاختلالات التي تعرفها سواء القوانين أو السياسات العمومية التي رسمتها الحكومات المتعاقبة منذ سنة 2011 إلى الآن ، إلا أن شيئا من ذلك لم يتم.
لقد تأخرنا كثيرا كبلد وكمجتمع في تفعيل مقتضيات الدستور الذي نص على مناهضة التمييز والعنف وعلى المساواة بين الجنسين في كل الحقوق، وإذا كنا نريد ربح رهان التحديث والدمقرطة فعلينا أن نسرع الخطى لتقليص المسافة بين النصوص القانونية والواقع حتى لا تبقى مواد الدستور مجرد شعارات للاستهلاك ولا أثر لها على الحياة اليومية للمواطنين والمواطنات.

تطرح قضية الحريات الفردية نقاشا عموميا كيف ترين الموضوع ؟

النقاش العمومي مسألة صحية ودليل على حيوية المجتمع ، وهو ضروري لتوضيح الرؤى، ولكن شريطة أن يتم احترام أدبيات الحوار والنقاش وأن يتجنب المتحاورون التراشق بالنعوت والأحكام المسبقة.
لقد اقتصر النقاش العمومي الذي عرفه المغرب أخيرا على العلاقات الرضائية بين الجنسين، في حين أن الحريات الفردية مفهوم واسع يشمل قضايا أخرى مثل حرية الفكر، حرية المعتقد…
وهنا سأكتفي بطرح بعض التساؤلات حول الموضوع : لماذا يعاقب القانون الجنائي على إقامة العلاقات الرضائية بين الجنسين ويسمح في إطار المدونة بتلك العلاقات بل ويضفي عليها غطاء الشرعية ويرتب عليها آثارا قانونية وهو الأمر الذي نجده في دعوى سماع الزوجية، وكذا في مسألة نسب الحمل الواقع خلال فترة الخطبة والذي اعتبرت المادة 156 من المدونة أنه ينسب للخاطب.
أليست العلاقة التي نتج عنها الحمل علاقة جنسية رضائية ؟ لماذا تأخذ في إطار المدونة صبغة الشرعية وفي إطار القانون الجنائي صبغة الجريمة التي تستوجب العقاب؟
لماذا التعامل بمنطقين مختلفين ومتناقضين في قوانين نفس البلد؟
إن هذا الأمر يحيلنا على السياسة الجنائية التي تنهجها بلادنا، هل من الضروري تجريم بعض الأفعال والممارسات التي تدخل في صميم الحرية الشخصية للفرد والتي لا تشكل ضررا على المجتمع؟ أم أن الهاجس الذي يحكمنا هو تتبع المواطنين إلى عقر دارهم والتدخل في أخص شؤونهم؟
أليس الأولى والأجدر أن نهتم بتخليق الحياة السياسية وأن نعمل على محاربة الفساد الذي يضيع علينا فرص التقدم والتطور ويجعل ترتيبنا في مؤخرة الدول عالميا؟
تطرح العديد من القضايا المتعلقة بحقوق المرأة وتعرف دائما صراعا ما بين تيارين متباينين مثلا الإجهاض، الإرث، الحريات الفردية … كيف تقاربين هذه القضايا ؟

علينا أن نتفق أولا على أن زمن الطابوهات قد انتهى، وأن كل القضايا قابلة للنقاش الحر الهادئ، وأن لا أحد يمتلك الحقيقة، وبدون ذلك لن نتمكن كشعب وكمجتمع من التقدم في الإجابة عن الأسئلة الشائكة وحل الإشكالات التي تعوق مسيرتنا التنموية والديمقراطية والتحديثية.
يجب أن يكون هاجسنا هو المصالح الكبرى للوطن، وأن لا نتخندق وراء مصالح ضيقة لا تقدمنا قيد أنملة نحو ما نصبو إليه جميعا من إرساء مجتمع ديمقراطي تسوده العدالة الاجتماعية .
فمسألة الإجهاض التي أشعلت نقاشا لم ينطفئ لهيبه إلى الآن يجب أن نقاربها من عدة زوايا أهمها الصحة الإنجابية للنساء والمصالح الفضلى للأطفال، ومراعاة الواقع الذي يعرف تفشي ممارسة الإجهاض بشكل سري وعشوائي تكون ضحيته المرأة أولا وأخيرا، ويتحمل المجتمع برمته كلفته الاقتصادية.
ولذلك وقبل الحديث عن الإجهاض وهل نحرمه أم نبيحه يتعين علينا أن نفكر في وضع استراتيجية متكاملة عمادها التوعية والتحسيس والتربية الجنسية للشباب .
وعندما يقع الحمل الناجم عن الاغتصاب أو زنا المحارم أو يكون حملا غير مرغوب فيه فإن الإيقاف الآمن للحمل في الأسابيع الأولى منه يصبح ضرورة نتائجها أخف وأهون من مخاطر الإبقاء عليه.
كذلك الأمر بالنسبة لقضايا الإرث، يعرف المجتمع حالات كثيرة من التحايل على القانون وعلى الشريعة إما لمنع النساء من الإرث أو بالعكس لتوريثهن قيد حياة المورث، وذلك بشتى الأساليب والمبررات، ومع ذلك لا أحد يستنكر تلك الممارسات لأنها كما يقال تدخل ضمن حرية صاحب الإرث .
لكن عندما يتدخل العاصب للمطالبة بالإرث في مواجهة بنات العائلة اللواتي توفي والدهن، رغم علمه أنهن هن اللواتي راكمن ذلك الإرث، فهل من العدل أن يزاحم العاصب بنات المتوفى في إرث يكون أحيانا مجرد بيت يأويهن؟
أم علينا أن نقول إن ذلك شرع الله وأنه يحل له الإرث والرمي باليتيمات إلى الشارع وبيع البيت فوق رؤوسهن كما يقال ؟ هل هذا هو العدل ؟ هل هذه هي غاية الشريعة السمحاء؟
أعتقد أن علينا أن نبحث عن العدل والإنصاف لأنه غاية كل القوانين الديمقراطية وغاية الشرائع السماوية جميعا.

تجرى حاليا مشاورات حول تعديل القوانين الانتخابية، كيف ترين تمثيلية المرأة  في المؤسسات المنتخبة حاليا وماهي اقتراحاتك في الموضوع؟

تعودنا في المغرب أن تؤدي المشاورات القبلية إلى مجموعة من التوافقات التي يصعب زعزعتها في ما بعد.
ولذلك على النساء، وخاصة المسؤولات في قيادات الأحزاب السياسية وكذلك في الحكومة، أن يلعبن دورهن في هذه المشاورات والتوافقات القبلية، سواء عبر فرض تواجدهن فيها أو عبر اقتراح وفرض التعديلات التي تخدم قضايا النساء المغربيات.
لقد ارتفعت نسبة تمثيلية النساء في المؤسسات المنتخبة بشكل كبير، لكن هذا التقدم تم عبر آلية اللائحة الوطنية في مجلس النواب منذ سنة 2002 وعبر اللوائح الإضافية في الجماعات المحلية منذ سنة 2009 .
وفي اعتقادي فإن القوانين الانتخابية المقبلة يجب أن تنطلق من مقتضيات الدستور وأن تفعل مبدأ المناصفة وتجسده .
والأمر نفسه يجب أن ينعكس على قانون الأحزاب وعلى أنظمتها الداخلية لأنها أيضا مسؤولة عن تحقيق المناصفة في المؤسسات المقبلة حتى نخرج من هذا التردد الذي طال لسنوات.
مرت 16 سنة على تعديل مدونة الأسرة، وأظهر التطبيق  لها عدة اختلالات. ماهي القضايا الأساسية والجوهرية التي يمكن أن تشكل محط تعديلات مستقبلية على هذه المدونة ؟

عندما صدرت مدونة الأسرة سنة 2004 اعتبرناها ثورة مجتمعية هادئة ونقلة نوعية في التشريع يؤسس لقيم المساواة بين الجنسين.
وعندما تم إقرار دستور 2011 كنا ننتظر فتح ورش ملاءمة التشريعات الوطنية مع الدستور الذي اعتبر أن الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب تسمو على القوانين والتشريعات الداخلية.
وفي هذا الإطار فإن العديد من القوانين ومن بينها مدونة الأسرة أصبح من الضروري تعديلها وملاءمتها مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية.
وقد أظهرت الممارسة العملية بعد 16 سنة من التطبيق أن العديد من مواد مدونة الأسرة أصبحت متجاوزة ولم تعد قادرة على الإجابة عن مجموعة من الإشكالات التي يحبل بها الواقع المتجدد بسرعة.
فمثلا، لم يعد مقبولا الإبقاء على الاستثناء المنصوص عليه في المادة 20 والذي يعطي للقاضي سلطة تزويج القاصر دون سن الأهلية المحدد في 18 سنة، فنحن بلد بحاجة إلى تعليم الفتيات وتأهيلهن للمساهمة في التنمية لأنه هو الضامن لمستقبلهن وليس الزواج المبكر.
وهناك العديد من القضايا التي تتطلب التعديل مثل قضايا الولاية والحضانة على الأبناء، وبصفة عامة يتعين تعديل المدونة بما يضمن المساواة بين الجنسين داخل مؤسسة الأسرة.