كانت الصحافة بالمغرب، ولاتزال، آلية رئيسية من أدوات العمل السياسي، خصوصا منذ فترة التنافس بين القوى الكولونيالية، وصولا إلى مرحلة المقاومة والعمل الوطني، ثم مرحلة ما بعد الاستقلال والصراع بين المعارضة والقصر.
وهو الدور الذي تعزز، نظريا على الأقل، بصدور أول ظهير للحريات العامة بالمغرب في 15 نونبر 1958، وفي فصله الأول ضمان حرية الصحافة والنشر بالمغرب».
وقد كانت قيادات الرأي العام والقيادات السياسية لفترة ما بعد الاستقلال وبناء الدولة الوطنية المغربية، شديدة الوعي بالدور الأساسي للصحافة في التواصل السياسي وتصريف الخطاب.
فـ»قادة الرأي كالمهدي بنبركة، ومحمد حسن الوزاني، وعلال الفاسي، وعبد الله إبراهيم، وعبد الرحيم بوعبيد وآخرون، كانوا الوجوه البارزة للصحافة الحزبية في نهاية سنوات الخميسنات وبداية الستينات، وتعددت الصحف التي استضافت أعمدتها خطابات الشخصيات المذكورة، خصوصا بعد انقسام حزب الاستقلال في 1959. وقد سارع الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، القوة السياسية الجديدة، إلى التوفر على أداته الإعلامية الرسمية باللغة العربية، ممثلة في جريدة «التحرير»، تحت إدارة محمد الفقيه البصري، وعبد الرحمان اليوسفي رئيسا للتحرير».
ويمكن الجزم بأن ميلاد صحيفة «التحرير»، كان إيذانا بنشأة ما سيسمى تاريخيا «الصحافة الاتحادية»، بوصفها «مشروعا نشأ في خضم الصراع من أجل الديمقراطية، والدفاع عن مصالح ومطالب الجماهير الشعبية، وإسماع صوت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في مختلف القضايا المطروحة في الساحة الوطنية والدولية». (افتتاحية الاتحاد الاشتراكي، عدد يوم 13 ماي 2015).
ولقد كان ذلك «ضروريا» في وقت كان فيه «الميدان الصحافي والإعلامي، محكوما بتقاطب واضح، تقف فيه المعارضة في صف، والدولة، التي تتحكم في وسائل الإعلام الرسمي، وبعض الصحف، شبه الرسمية، في صف آخر. ولم يكن ممكنا لحزب مثل الاتحاد، ولا لأحزاب وطنية أخرى، أن تجد لها لسانا، في هذا المشهد، غير لسان حالها».
ورغم المياه الكثيرة التي مرت تحت الجسور السياسية المغربية، خصوصا منذ 1998، وصولا إلى التغييرات الكبيرة التي أحدثتها الطفرة الرقمية وتطورات تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وتراجع مقروئية الصحيفة الحزبية، لفائدة الصحيفة «المستقلة» والبوابات الإخبارية الرقمية (أنظر خلاصات الدراسة الميدانية حول المقروئية التي أصدرتها فدرالية ناشري الصحف بالمغرب في 2016)، مازالت الجريدة الحزبية «الاتحاد الاشتراكي»، أداة التواصل السياسي الاستراتيجية والرئيسية لدى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خصوصا في فترات التنافس السياسي الرئيسية بالمغرب.
وارتباطا بذلك، تأتي هذه المساهمة حول «التواصل السياسي لدى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال الانتخابات التشريعية 2016 ومفاوضات تشكيل الحكومة المنبثقة عنها.. الصحافة الاتحادية آلية لتصريف الموقف وتفسيره»، لتسلط الضوء على الأدوار الحالية للصحيفة المذكورة ورهانات الحزب عليها.
ويهم هذا التحليل أساسا، عينة عشوائية من المقالات والافتتاحيات التي صدرت في أعداد شهري شتنبر وأكتوبر 2016، وشهري يناير وفبراير 2017 بصحيفة «الاتحاد الاشتراكي»، وتم الحصول عليها خلال زيارة للباحث يوم 14 دجنبر 2018 إلى قسم الأرشيف والتوثيق بمقر الجريدة في زنقة الأمير عبد القادر بالدار البيضاء.

أولا: الخطة التواصلية للحزب الخاصة بالصحافة الحزبية

تعني عملية التواصل السياسي «كل تواصل موضوعه السياسة»، و»كل التقنيات التي يستعملها الفاعلون السياسيون والحكام بالإضافة إلى مساعدة أهل الاختصاص في ميدان الاتصال السياسي كالمهنيين في مجال النصيحة السياسية للتواصل مع الناخبين والمحكومين، وكل التقنيات المستعارة من ميدان التسويق كتقنية سبر الآراء والعلاقات العامة والإشهار فضلا عن استعمال التكنولوجيا الحديثة، كالإعلام الآلي والوسائل السمعية البصرية المتطورة».
ولقد راهن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال الانتخابات التشريعية لـ2016 بالمغرب، كثيرا على لسان حاله، صحيفة «الاتحاد الاشتراكي»، للقيام بعملية التواصل السياسي خلال الانتخابات التشريعية لـ2016 وامتداداتها، فبادرت قيادته إلى وضع خطة تواصلية لذلك الغرض، بتاريخ 21 ماي 2016، حسب ما كشفه تقرير إخباري بعنوان «في اجتماع مؤسسة كتاب الأقاليم والجهات، واللقاء الوطني للمراسلين والاتحاديين المشتغلين في الصحافة الاتحادية .. الاتحاد الاشتراكي يرسم خطة إعلامية لمواجهة تحديات ورهانات الاستحقاقات القادمة»، صدر في عدد جريدة الحزب بتاريخ 23 ماي 2016.
فخلال ذلك اللقاء الوطني، الذي دعا إليه المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتنسيق مع إدارة الإعلام الحزبي، مراسلي الإعلام الحزبي لجريدتي “الاتحاد الاشتراكي” و»لبيراسيون» وبعض المواقع الالكترونية التي يديرها اتحاديون، بالمقر المركزي بالرباط، هدف الحزب إلى «استنهاض الآلة الإعلامية لحزب الوردة حتى تكون في مستوى دقة المرحلة والاستحقاقات القادمة (تشريعيات 2016).
وخلال تلك المناسبة، «شدد إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن الحزب له إمكانات بشرية كبيرة وتقاليد صحافية راسخة، وتاريخ إعلامي معروف لدى المغاربة، عبر خوضه لمعارك قوية من أجل حرية التعبير والصحافة، واحترام أخلاقيات المهنة، ولا بد من استثمار كل هذه المقومات لصالح الدفاع عن القيم والمبادئ التي يؤمن بها، المتمثلة في ترسيخ البناء الديمقراطي والحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية».
وقد خلص اللقاء المذكور، إلى وضع خطة تواصلية، ارتكزت على ثلاثة ملامح رئيسية:
«الاتحاد لا يريد تأسيس كتائب رقمية -في إشارة إلى ما قامت به بعض الأحزاب في الساحة الإعلامية- بل يريد مناضلين مقتنعين بقيم الحداثة والديمقراطية والمساواة»، وبأن «الإعلام الحزبي للاتحاد في حاجة إلى مراسلين ملتزمين بأخلاقيات المهنة وقواعد العمل الصحفي المهني»، و»يساهمون في التقدم الديمقراطي بالبلاد ويحاربون الإشاعات ويتصدون لحملات التضليل السياسوية في المجال الرقمي».
الأخذ بعين الاعتبار «دقة وطبيعة المرحلة ومميزاتها، المتمثلة أساسا في الانتخابات التشريعية، والدور الأساسي الذي يلعبه الإعلام بكل أنواعه المسموع والمرئي والمكتوب والالكتروني في هذه الاستحقاقات الوطنية، بإبراز المجهودات التي قام بها الاتحاديات والاتحاديون من خلال التجربة البرلمانية ضمن الفريقين الاشتراكيين بالبرلمان، ثم على صعيد التدبير والتسيير في مجال الديمقراطية المحلية بالمدن والأقاليم.
الإعلام الحزبي له مهام محورية في تعرية واقع الحال، وكل الفضائح والزلات التي اقترفها الخصوم السياسيون خلال ولايتهم التدبيرية للحكومة، وإبراز نقط الضعف والسياسة «التفقيرية واللاشعبية» التي نهجوها والتي اكتوت بها الطبقات الاجتماعية المغربية والجماهير الشعبية، فضلا عن تقدم البدائل والتصورات الاتحادية في عدد من المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وعلى مستوى الأجرأة التقنية والتنفيذية للخطة، تفيد الوثيقة ذاتها (المقال الصادر في الجريدة بتاريخ 23 ماي 2016)، أن اللقاء، الذي أطره، علاوة على ادريس لشكر، الكاتب الأول للحزب، والحبيب المالكي، رئيس اللجنة الإدارية، وعبد الحميد اجماهري، مدير تحرير صحيفة «الاتحاد الاشتراكي»، وحسن بنعربية، مدير تحرير «ليبيراسيون»، وفتيحة سداس، عضو المكتب السياسي ومالكة وكالة للتواصل، وبديعة الراضي، عضو المكتب السياسي وصحافية في «الاتحاد الاشتراكي»، وعمر عبادي، مسؤول التواصل المؤسساتي في إدارة الحزب، ويونس مجاهد، الناطق الرسمي باسم الحزب، (أن اللقاء) خلص إلى:
إنشاء آلية للتنسيق يتكلف بها يونس مجاهد، ومن مهامها توزيع المواد والمواقف والقضايا التي نريد ترويجها مركزيا، في تبادل متواصل بين المراسلين والعاملين في الصحافة الرقمية، وتنظيم عملية التفاعل عبر الشبكات الاجتماعية.
واستنادا على تلك المعطيات، نستنتج أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، اعتمد خطة تواصلية للانتخابات التشريعية، تراهن على صحيفتي «الاتحاد الاشتراكي» و»ليبيراسيون»، وتشرف على عملها آلية للتنسيق.

ثانيا: مضامين وأدوار جريدة «الاتحاد الاشتراكي» خلال تشريعيات 2016 وامتداداتها.. أداة للتسويق السياسي وتصريف الموقف وتفسيره

يتشبث حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بمقولة مفادها أن «الإعلام الحزبي، مازال يستمد شرعية وجوده، من عدم قدرة أغلب الوسائط على تأدية مهمتها، بكل ما يلزم من الموضوعية والمهنية، لذلك تجد الأحزاب السياسية، نفسها في حاجة إلى أدوات تواصل حتى تبلغ للرأي العام مواقفها ومبادراتها، خاصة وأن وسائل الإعلام العمومية، التي من المفترض أنها تقدم خدمة المرفق العام، وتنشط الحياة السياسية والفكرية، مازالت لم تتمكن من تجاوز أدائها التقليدي». (افتتاحية الذكرى 23 لتأسيس جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد يوم 13/05/2015).
وخلال الانتخابات التشريعية لـ2016، لعبت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» أدوارا رئيسية في تصريف الرسائل والخطابات السياسية للحزب، سواء في مرحلة الإعداد القانوني للانتخابات، أو إبان الحملة الانتخابية، خصوصا عن طريق جنس الكتابة الصحافية «الافتتاحية»، هذه الأخيرة، يعرفها «جون لوك مارتان لاكارديت»، في كتابه «دليل أجناس الكتابة الصحافية»، الصادر في سبع طبعات، عن دار النشر «لاديكوفرت»، ويعد في تقديرنا، المرجع الرئيسي في المدرسة الصحافية الفرنكفونية، كما يلي:
مادة صحفية تبرز موقفا حول حدث معين من منطلق المسؤولية المعنوية للجريدة أو الصحيفة، وهي بذلك تعبر عن الموقف الجماعي لفريق العمل، وبالتالي فهي مقال رأي بامتياز. ويجب أن تلعب هدفا نبيلا، الدفاع عن فكرة، عن فرد أو مجموعة أفراد، أي التوعية حول وضعية معينة، من خلال توجيه الرأي العام إلى تبني أو إدانة واقعة أو وضعية معينة. وتتميز بحرية صياغة الأفكار أكثر من أي جنس صحافي آخر. كما أنها نص هدفه التوجيه، وكاتبها ينطلق من وجهة نظره الخالصة، بحس أدبي وبشكل موسع وبجرأة. ويشترط في عنوانها أن يكون معبرا وقويا ويختزل الفكرة الرئيسية للافتتاحية.

أ: نظرة حول مضامين وأدوار جريدة «الاتحاد الاشتراكي» خلال الحملة الانتخابية لـ2016

واكبت جريدة «الاتحاد الاشتراكي» الحملة الانتخابية للحزب من خلال افتتاحية «رسالة الاتحاد»، ومن خلال عمودي الرأي لقياديين للحزب، وهما عمود «بالفصيح» ليونس مجاهد، الناطق الرسمي باسم الحزب، و»كسر الخاطر» لعبد الحميد اجماهري، مدير التحرير لجريدة «الاتحاد الاشتراكي»، علاوة على تقارير إخبارية للصحافيين والمراسلين الجهويين، مقالات رأي تنشر تحت ركن «مواقف» لعدد من قياديي ومناضلي الحزب وأطره.
وكانت أول افتتاحية مثيرة للاهتمام في هذا الصدد، بعنوان «في البرنامج الاتحادي»، صدرت بتاريخ الجمعة 16 شتنبر 2016، وفي مضمونها أن الحزب، وفي تزامن مع انطلاق عملية وضع الترشيحات، يقدم برنامجه الانتخابي، وفسرت الافتتاحية هذا الاختيار، إلى رغبة الحزب في «الربط بين المشروع وبين الموارد البشرية والأطر الحزبية والممثلين المنتظرين».
وبعدما استعرضت الافتتاحية المجالات والقطاعات الرئيسية التي ركز عليها البرنامج العام الانتخابي للحزب، أفصحت عن الخطاب السياسي الذي ينتظر أن يؤطر الحملة الانتخابية للحزب، ممثلا في «برنامج من أجل تناوب ثالث بتعاقد اجتماعي جديد لترسيخ البناء الديمقراطي والتنمية الشاملة».
وبجانب الافتتاحية، نشرت الجريدة عمود «بالفصيح» للناطق الرسمي باسم الحزب، بعنوان «من يريد تغيير الدستور؟»، ويستشف من مضمونها أن الخصم الرئيسي للحزب خلال الانتخابات التشريعية هو حزب العدالة والتنمية، إذ ورد فيها: «من الواضح أن حزب العدالة والتنمية قد اختار الشعار الرئيسي لحملته الانتخابية، وهو ما يسميه الوقوف في وجه التحكم»، ما يعني أنه «يخوض حملة سياسية لا علاقة لها بحصيلته في قيادة التجربة الحكومية منذ 2011».
وكشف العمود ذاته، تصور الحزب القائم على أن «الانتخابات التشريعية»، من المفترض ألا تكون مناسبة للمطالبة بتغيير النظام السياسي، بل لتقديم الحساب حول ما لم يتم إنجازه، «وهو كثير، وحول التراجعات التي أدت إليها سياسة حكومة عبد الإله بنكيران».
وعملت الجريدة كذلك إبان الحملة الانتخابية على تسويق البرنامج الانتخابي للحزب، وتغطية وقائع خطابه السياسي في التجمعات والمهرجانات الانتخابية، وكذلك بالتبليغ عن الخروقات القانونية التي يرصدها مراسلو الحزب بالجهات، والتعريف بمرشحيه وبرامجهم الانتخابية المحلية.
ب: مضامين وأدوار جريدة «الاتحاد الاشتراكي» خلال وبعد عملية الاقتراع
تنضبط الحملات الانتخابية بالمغرب، وجوبا، لمقتضيات القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات، ومراسيمه التطبيقية، التي تنص على حظر الحملة الانتخابية خلال يوم الاقتراع، وهو المقتضى الذي ينسحب على مختلف الصحف ووسائل الإعلام، أخلاقيا، ماعدا نداءات تحث على المشاركة في الاقتراع.
وبالعودة إلى مضامين جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، في عدد 07 أكتوبر 2016، المصادف ليوم الاقتراع في الانتخابات التشريعية، فقد توقفت الجريدة عن إيراد التقارير الإخبارية، والمنشورات التسويقية لبرنامج الحزب، مقابل تخصيص افتتاحية «رسالة الاتحاد»، للحديث عامة عن ضرورة المشاركة، وتوجيه الرأي العام نحو الاعتبارات التي يدب استحضارها قبل الاختيار، مع حرص الافتتاحية على تفادي الحث المباشر على التصويت للحزب الذي تتحدث بلسانه.
وتتضمن العدد ذاته من الجريدة، عمود «بالفصيح» الموقع من قبل الناطق الرسمي باسم الحزب، بعنوان «رئيس حكومة زعيم للمعارضة»، وعمود «كسر الخاطر» لمدير التحرير، بعنوان «ما سيتبقى بعد انتخابات الجمعة؟».
وتفادى عمود الناطق الرسمي باسم الحزب، الدعوة الصريحة والمباشرة للتصويت على حزبه، مقابل مواصلة انتقاد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المنتهية ولايته حينها، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بوصفه، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، الخصم الرئيسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الانتخابات، فنبه القارئ إلى وجهة نظر الاتحاد الاشتراكي المتعلقة بأن حزب العدالة والتنمية كرس الغموض في حملته الانتخابية حول تموقعه، وتحول إلى معارضة نفسه وأغلبيته بدل الدفاع عن حصيلته الحكومية.
وفي اليوم الموالي ليوم الاقتراع، أي في عدد السبت والأحد 08 و09 أكتوبر 2016، اكتفت الجريدة بمادة رئيسية حول إدلاء الكاتب الأول للحزب بصوته خلال الانتخابات، وتصريح له حول أهمية هذه المحطة، ليس فقط وطنيا، إنما إقليميا ودوليا، دون أن تتطرق إلى النتائج الأولية للانتخابات، وهو ما نفسره، بحكم الخبرة في مجال الصحافة المكتوبة، إلى أن عدد الجريدة أرسل إلى المطبعة منتصف نهار يوم الجمعة 07 أكتوبر 2016، علما بأن ذلك لا يعفي الحزب، في تأخير العدد إلى ما بعد منتصف الليل، كما تقوم بذلك بعض الصحف «المستقلة» في بعض المناسبات، التي تتميز بانتظار مآلات حدث مهم، وإن كان ذلك يفرضه السعي نحو السبق، وبالتالي تحقيق نتائج تجارية جيدة.
ولم تعد الجريدة إلى نتائج الاقتراع، والملاحظات بشأنها، والتعليق عليها من قبل الحزب، إلا في عدد الاثنين 10 أكتوبر 2016، فتضمنت الصفحة الأولى تقديما لـ»الملاحظات العامة والخلاصات الأساسية» للاقتراع المنشورة في الصفحة الثالثة، في تقرير إخباري حاول إبراز الحزب مقتنعا بحصته من المقاعد حيث «حافظ الحزب على فريقه» في مجلس النواب.
وفي الصفحة الرئيسية ذاتها، افتتاحية «رسالة الاتحاد»، بعنوان «خلاصات لابد منها»، وركزت بدورها على تسويق انتصار ذاتي للحزب بحفاظه على فريقه النيابي في الوقت الذي فقده حزبي التقدم والاشتراكية والاتحاد الدستوري، بينما اختار عمود «بالفصيح» للناطق الرسمي للحزب، بعنوان «قليل من السياسة، كثير من الزبونية»، زاوية معالجة تفيد بأن انتصار حزب العدالة والتنمية، ليس مرده إلى تعبير الناخبين عن رضاهم على ولايته الحكومية السابقة، وإلا كان حلفاؤه ليحققوا بدورهم نتائج إيجابية، لينتهي أن سر الانتصار هو الزبونية، ومنطق المصالح الإحسانية والنفعية.

ج: مواكبة الصحافة الاتحادية لمفاوضات رئيس الحكومة المكلف عبد الإله بنكيران.. مقاربة تفسير تحولات الموقف الحزبي

وسم التحول المستمر بناء على المعطيات الطارئة والمتلاحقة في الساحة السياسية مواقف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال فترة ما بعد الاقتراع وانطلاق مشاورات تشكيل الأغلبية الحكومية الجديدة، وهو ما عكسته افتتاحيات ومواقف الجريدة الحزبية، وعكست العينات العشوائية التي تم تحليلها، وبعض الإفادات المستقاة من قبل الباحث لدى بعض الفاعلين فيها، أن دور الجريدة ركز أساسا على تفسير الموقف الحزبي، والرد وتصحيح المواقف المنسوبة للحزب ولقيادته، خصوصا من قبل رئيس الحكومة المكلف، والأمين العام لحزب العدالة والتنمية (عبد الإله بنكيران)، في وسائطه الإعلامية.
والتأمل في نماذج من الافتتاحيات، يفيد أولا مطابقتها للموقف الحزبي المعبر عنه في الندوات الصحافية وبلاغات المكتب السياسي واللجنة الإدارية، وثانيا مفسرة له، وركزت الافتتاحيات خلال تلك الفترة على رد تهمة عرقلة الحزب لتشكيل الحكومة، والإلقاء باللائمة على رئيس الحكومة المكلف، بوصفه المعني الأول والأخير بتشكيل أغلبيته، وبأن أسلوبه في التفاوض، ومقاربته الرامية إلى حشد الكتلة الديمقراطية من ورائه للتفاوض بها مع بقية الأطراف، واعتبارها بمثابة ملحقة له، هو سبب أزمته، بينما يرى الاتحاد الاشتراكي نفسه، مكونا كبيرا، يسعى إلى التحالف على أساس البرنامج والتصورات، ورقما كبيرا بغض النظر عن الحجم من حيث المقاعد، خصوصا بعد أن حاز رئاسة مجلس النواب بتصويت أغلبية الأحزاب عليه.
ومن نماذج الافتتاحيات المعززة لهذه القراءة والاستنتاج، عمود «بالفصيح» للناطق الرسمي باسم الحزب، الصادر في عدد «الاتحاد الاشتراكي» ليوم الثلاثاء 31 يناير 2017، بعنوان «النملة بجناح»، وكذلك في عدد الجمعة 27 يناير 2017، حيث صدر العمود نفسه بعنوان «مضمون» الأرقام، وفي عدد الثلاثاء 24 يناير 2017، بعنوان «الأرقام الحقيقية للإرادة الشعبية».
ومن بين الأمور المثيرة للانتباه كذلك في مواكبة الجريدة الحزبية لتطورات أزمة تشكيل الأغلبية الحكومية، أنه في بعض التطورات التي أثارت قضايا قانونية، خصوصا ذلك النقاش المتعلق بقضية انتخاب رئيس مجلس النواب قبل تشكيل الأغلبية، بينما العرف القائم يقضي بأن يكون هذا المنصب من نصيب الأغلبية، وكذلك النقاش العمومي حول تفسيرات الفصل 47 من الدستور، فتحت الجريدة أبوابها لأعمدة ودراسات قانونية لقياديي الحزب المتخصصين في المجال، مثل المحامي عبد الكبير طبيح، لاستعراض موقف الاتحاد الاشتراكي.
ومن نماذج ذلك، الموقف المنشور بالجريدة بتاريخ الجمعة 13 يناير 2017، بعنوان «هل الحكومة هي التي تنصب الأغلبية أن الأغلبية هي التي تنصب الحكومة؟».

خلاصة واستنتاجات:

ميلاد صحيفة «التحرير»، كان إيذانا بنشأة ما سيسمى تاريخيا «الصحافة الاتحادية»، بوصفها «مشروعا نشأ في خضم الصراع من أجل الديمقراطية، والدفاع عن مصالح ومطالب الجماهير الشعبية، وإسماع صوت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في مختلف القضايا المطروحة في الساحة الوطنية والدولية». (افتتاحية الاتحاد الاشتراكي، عدد يوم 13 ماي 2015).
بالنسبة إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية: «الإعلام الحزبي، مازال يستمد شرعية وجوده، من عدم قدرة أغلب هذه الوسائط على تأدية مهمتها، بكل ما يلزم من الموضوعية والمهنية (….) والتحديات المطروحة، اليوم، على صحافتنا هي أن تتلاءم مع المتطلبات الجديدة للمواطن، الذي أصبح أمام عرض لا ينتهي من المعطيات والتعليقات (…) يتم الاطلاع الحقيقي على المواقف والأنشطة التي يقوم بها الحزب، الناشر للجريدة، لأنه مازال في حاجة إلى هذه الوسيلة، التي حتما تحتاج إلى تطوير ومراجعة مستمرة، وهذا ما نقوم به، باستمرار، حتى نؤدي رسالتنا الصحافية. (افتتاحية للجريدة بتاريخ 13/05/2015)
شكلت جريدة الاتحاد الاشتراكي خلال الاستحقاقات التشريعية لـ2016، أداة تواصل وتسويق سياسي رئيسة للحزب، وتم إعداد خطة تواصلية وخط تحريري أعاد تأطير ورسم أدوار الجريدة، وفق فلسفة عبر عنها الكاتب الأول للحزب في اجتماع لهذا الغرض بتاريخ 21 ماي 2016.
التأمل في نماذج من افتتاحيات الجريدة خلال الفترة المعنية بالملاحظة وبموضوع هذه الورقة، يفيد أولا بمطابقتها للموقف الحزبي المعبر عنه في الندوات الصحافية وبلاغات المكتب السياسي واللجنة الإدارية، وثانيا مفسرة له.
رغم أهمية المضمون الذي توفره الجريدة في فترات التنافس السياسي، وفي المحطات المفصلية، إلا أنها تواجه محدودية القراءة، إذ حسب أرقام المكتب المغربي للتحقق من مقروئية الصحف، المعدل السنوي لتوزيع ومبيعات «الاتحاد الاشتراكي» يظل في حدود 4223 نسخة حسب إحصائيات 2017/2018، بينما يصل العدد بالنسبة للجريدة الأولى من حيث المقروئية ممثلة في «الأخبار» إلى 37320 نسخة (سنة 2017).
تقتضي محدودية انتشار هذه المضامين من الحزب اعتماد وإبداع حلول وآليات بديلة تسمح بتوسيع انتشار المضمون الذي تحبل به الجريدة، لأن حجم انتشاره لا يوازي حجم انتشار المضامين المضادة، رغم أنه مقنع ويجيب عن كافة الأسئلة المتعلقة بـ»تناقضات» تحولات موقف الحزب.

امحمد خيي

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..