عبد الحميد جماهري

القطار الذي أعلن عنه ملك البلاد في خطاب المسيرة الخضراء، فريد من نوعه، لأنه لن يكون وسيلة نقل فقط، بل وسيلة لتغيير الجغرافيا.
السفر فيه ليس سفرا في الزمان وحده
ولا في المكان وحده، بل على متنه تغيير كبير في تضاريس البلاد السياسية والإدارية..
العاصمة الرباط لن تبقى هي مركز البلاد
وصرة الكينونة الجغرافية..
الرباط ستعوضها مراكش..في وسط البلاد
من المحقق أن السكة الحديدية ستجعل منه قطارا ليس كغيره..
والذهاب إلى أكادير، بالقطار سيلزمنا بأن نقطع مسافات ، بعضها يخترق السلاسل الجبلية، كما فعلنا مع الطريق السيار،
وسيلزمنا بمحطات عديدة على طول السكة،عبر المدن المتوسطة التي تفصل المدينتين..
لنفتح قوس التأمل من خلال نافذة القطار:….
بالنسبة للشعراء، سيكون من البدهي أن نربط بين القطار والحياة
وبين الحداثة والمحطات التي تعبرها اللغة.
القطار هو أيضا إغراء بالتجول في العقل البشري:
بالنسبة لانشتاين مثلا، كان القطار ضرورة بلاغية لشرح التمثل المختلف للسرعة،
من يركب القطار ليس هو الذي ينظر إليه من خارج
النسبية في الزمن وفي السرعة..
سكان أكادير قد يكونون في هذا التشبيه قريبين من الجالس خارج قطار يمر بسرعة
وهو ينظر إليه مسرعا يقدر كم من الوقت يضيع على من ليس في داخله..
والجالس فيه يعتقد بأن الأمر بسيط لأنه لا يشعر بالسرعة بنفس الطريق..
الاستعارة السككية موجودة أيضا في علم النفس التحليلي عند سيغموند فرويد
فهو الذي يقودنا، بمعية الفن إلى اللاشعور..
نقرأ في تقديم كتاب جانجاك بارو، «الاستعارة السككية»، عند فرويد أن هذا الأخير استغل سفرا إلى إيطاليا في 1897 لكي يعيد النظر في أسس نظرية التحليلية النفسية،
وقد شغل القطار لتقديم الطريقة والترسانة التحليلية، حيث «قارن التطبيب، بالسفر في القطار، والفضاء التحليلي بالمقصورات والتراكب الحر للصور، بالمشهد الذي يتوالى في الخارج ويتغير عند النافذة».
ويعتبر صاحب الكتاب أن القطار والفن كانا المطية والطريق للانتقال إلى اللاشعور..
لقد مارس فرويد فن السفر نحو العقل الباطني، كفن للتحليل النفسي إلى آخر رقم من حياته، وهو جالس رفقة مرضاه كما في مقصورة قطار، منصتا إلى وصف المشهد الذي يعبر النافذة..
لنغلق قوس التأمل)
لكن غير ذلك، هناك واقع قوي يفرض القطار
أولا من باب التأهيل الضروري للنقل ومن يسافرون عبر القطار، يعرفون أنه من أحسن الوسائل لمعرفة البلاد..
وعندما تكون البلاد بقطار فائق السرعة، في شمالها وجنوبها لم يصله قطار الحديد، يمكن أن نتحدث عن تفاوت تكون ضحيته العدالة المجالية..
القطار دليل على أن البلاد لا تسير بنفس السرعة في كل الجهات،
ولا تسير على نفس التوازي بين التنمية وبين الحق المشترك بين كل مواطني البلاد..
سيكون القطار عنوانا ترابيا، وقد حان الوقت ليصير قطار التوازن الترابي..
وهو جزء أيضا من الجهوية واللامركزية في التراب، كما هو حال الاختصاصات التي تهم النقل والتي نقلت من الدولة إلى الجهات..
مع القطار اتخذت الوحدة الترابية فجأة كل معناها
إذ أصبح الجنوب، مركزا!
**
من المؤكد أن السي ربيع لخليع يتوفر على سياسة سككية، أو مخطط مديري للسنوات القادمة، بل يتوفر بالأحرى على دراسات تقنية حول موضوع القطار القادم من مراكش والذاهب إلى أكادير.
غير أن المعنى الواسع لما طلبه جلالة الملك من «تفكير جدي» في الموضوع، لا يقتصر فقط على أصدقائنا السككيين.. بل يتعداه إلى جميع القطاعات، والمؤسسات حول سؤال مركزي هو: ماذا نريد من قطار مراكش أكادير، وما الذي سيغيره في اقتصادنا وسياحتنا وجهويتنا؟
القطار بهذا المعنى هو«الخط الناظم» لكل السياسات القطاعية.
وأشعر أن السي ربيع لخليع، الذي عليه أن يقيم احتفالات في المحطات الجميلة التي تبهرنا كل يوم، والفضاءات الفنية التي صارت عليها في السنين الأخيرة، سيقدم في الوقت المناسب، تصوره لهذه العملية الحضارية، وليست فقط السياسية – الاقتصادية، التي ستدور حولها كل الأسفار المنتجة..
فقطاع السياحة اليوم، عليه أن يحدد ما يريده من قطبين سياحيين كبيرين، بعد الربط بينهما، هل ستبقى مراكش وأكادير محطتين متباعدتين من حيث الجدوى السياحي، أم هل سيربط القطار بينهما في قطب سياحي واحد، كي يتحدد بالفعل نوع القطار الذي نريد؟ هل هو قطار لتنقلات الناس، والسياح أولهم؟ أم قطار للبضائع والناس معا، يقتصر دوره في المردودية المالية والزمنية، ربح المال وربح الوقت؟…
لم يسبق لقطارأن كان محط نقاش بهذه الجدية، اللهم إلا ما صاحب التي جي في، من زوايا مختلفة وفي نقط محصورة. وهذه الفرادة في الانتباه، ستسعفنا في وضع القطار على سكة المجهود الوطني الشامل.
إن المستقبل، هو الذي سيكشف ما سنربحه من تحولات عميقة في تدبير ترابنا الوطني، بميلاد هذا القطار..
نحن نحلم بالفعل بسوس ماسة كحلقة وصل بين شمال البلاد وجنوبها، في أفق أن تصير الأقاليم الجنوبية (ثلثا التراب الوطني) القاعدة الجغرافيا نحو الجنوب القاري..
نحن نحلم بعمق التغير الذي يجعل سوس، بؤرة الحنين الشافية قاطرة تسير بنا نحو افريقيا..

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..