مباشرة بعد الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش الاخير و الذي أُدرِج فيه تعبير الكفاءات، أصبح هذا المصطلح متداولا بشكل غريب في كل الأوساط، لدرجة ان معظم المنابر الإعلامية و جل صفحات التواصل الاجتماعي اثارته بصيغة او بأخرى او تداولته من جانب او من اخر.
بدوري اطرح السؤال : ما هي الكفاءة ومن هو الرجل الكفء، كيف يتم إعطاء هذه الصفة للبعض و خلعها عن البعض الآخر، ما نوع الكفاءات التي يحتاجها المغرب اليوم؟
اذا اعتمدنا ما يروج في الساحة السياسة و ما يكتبه بعض المُؤَثِّرين/المُؤَثَّرين فكل شخص يمكن ان يكون كفاءة بجرة قلم كما يمكن ان تُخلع عنه هذه الصفة تحت الطلب، لذا يجب ان نتفق اولا على المنهجية العلمية لرصد الكفاءة من غيرها.
اذا اعتمدنا السيرة الذاتية و المشوار الدراسي الأكاديمي في تحديد الكفاءة قد نكون ضللنا الطريق، فالسيد كريم الزاز المدير العام السابق الذي حوكم في قضية wana خير مثال لكفء بميزة جيد جدا اذا ما اعتمدنا سيرته الذاتية و مسيرته الدراسية،محمد بوسعيد خريج معهد القناطر بباريس والذي اقاله صاحب الجلالة و زد على ذلك محمد حصاد فهولاء اكفاء كل في ميدانه، ولكنهم اخفقوا في تسيير الأمور منهم من حوكم ومنهم من رجع الى دياره سالما غانما غير مبالٍ . هل هذه هي الكفاءات التي يحتاجها مغرب اليوم، ما أظن ذلك.
كما ان بين الفينة والأخرى، و لغرض في نفس يعقوب بدون شك، نجد بعض الصحف و بعض التدوينات تنشر بورطريهات لناجحين في ميادين مختلفة من علماء ذرة او بروفيسورات النانوتكنوجيسرابوغرافيا، مشيرة في ذلك لكون هؤلاء كفاءات عالية في بلدان متقدمة تسهر على تسيير مختبرات او شركات ولكنها للأسف مهمشة في وطنها والى اخره … لنفترض جدلا ان الأمور أسندت لهولاء رغم عدم دستورية العملية، ما هي الضمانات اللتي نتوفر عليها بأنهم سيستطيعون حل مشاكل المغرب بعصاهم العلموسحرية، واذا ما فشلوا من المحاسَب، هل سيعودون الى مضاجعهم سالمين غانمين كالاخرين.
معظم التجارب عبر العالم علمتنا ان بلادنا ليست في حاجة الى تقنوقراطي يخبر جداول الضرب ويستطيع ان يقدم احسن الجداول و المنحنيات في PowerPoint.
بعد دستور 2011 و اعتلاء العدالة والتنمية صدارة الانتخابات تشكلت اربع حكومات ، الأولى كانت تضم 39 وزيرا من بينهم 7وزراء تقنوقراطيبن اذا استثنينا عزيز اخنوش الذي قُدم آنذاك كتقنوقراطي لا يمكن استبداله حتى ينهي مشروع المغرب الأخضر، فنسبة التقنوقراط في هذه الحكومة تقارب الخمس(17%). هذه النسبة ازدادت بطبيعة الحال في الحكومة الثانية وكذلك في الثالثة. الى ان تجاوزت في الحكومة الأخيرة الثلث. هذه الحكومة التي استبشرنا خيرا انها لم تضم سوى 24 وزيرا، فقد كان نصيب التقنوقراط فيها (9من 24). اَي ان مع مرور الحكومات وبعد دستور 2011 الذي اكد على ربط المسوولية بالمحاسبة انتقلت نسبة التقنوقراط من 17٪؜. الى 37٪؜، خلال هذه المرحلة أظن ان مفهوم الكفاءات ارتبط في المقام الأول بمفهوم رجال الثقة hommes de confiance ليليه في المرتبة الثانية النجاعة و المردودية.
اظن ان المغرب محتاج لكفاءات سياسية وطنية تعي مستوى اللحظة، ملمة بالتجاذبات التي يعيشها مغرب اليوم،تتسم بالشجاعة والوضوح، تستطيع ان تأخذ قرارا سياسيا مبني على تحليل ملموس له أفق استراتيجي و وقع اجتماعي محدد ومعروف مسبقا. و لنا في التاريخ والحاضر أمثلة عديدة : فسمحمد اليازغي حين كلف بمهمة وزارة الإسكان لم يكن معماريا و لا مهندسا للأشغال العمومية، بل كان سياسيا وطنيا استطاع ان يحيط نفسه بكفاءات عالية في الميدان، كلما وضعت له ملفا، اعطته كل الاحتمالات و تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و كان عليه أخذ القرار السياسي المناسب. مثال اخر حيث استمعت هذا الصباح لوزير الداخلية الفرسي Castaner وهو يتكلم عن ارقام وزارته و مشاريعها بتلقائية و مهنية عاليتين رغم انه لم يكن شرطيا في حياته. فالرجل سياسي ترعرع في الحزب الاشتراكي الفرنسي حائز على DESS في علم الإجرام و حين تنصت اليه وهو يتكلم عن وزارة الداخلية وكأنك تنصت لمهني ذي 40 سنة من التمرس.
الكفاءة ليست دبلوما يعلق على حيطان المكاتب، او أوسمة تزين بها الصدريات في المناسبات ، الكفاءة في المعجم هي “أهليّة للقيام بعمل وحسن تصرُّف فيه” اي قدرة وحسن تصريف، هي القدرة على التصرف و اخد القرار السليم في الوقت و الحين، وفي موضوعنا هي ممارسة للفعل السياسي اليومي في الدفاع عن مصالح المواطن والوطن. هي ان يكون لك ما تخشى ان يزول ( تاريخ او سمعة كافحت من اجلهما، محبة الناس او خوف من الخالق …). هي الالتزام بالديموقراطية كحل و معيار لتحمل المسؤولية لا للكفاءة العلمية او الأكاديمية، فالديموقراطية التمثيلية هي ارقى ما أبدعه الإنسان من آلية للتسيير المشترك. و عندما يصوت الشعب على حزب ما، على هذا الأخير ان يتحمل مسؤوليته في اختيار حلفائه و تطبيق برنامجه. وعلى المواطن ان يحاسبه في التصويت الموالي، و ما بين التصويتين يكون الضامن للسير العادي للمؤسسات بدون شطط و لا انفراد بالسلطة هو التشبت بدولة الحق الذي يعلو فيها القانون ولا يعلى عليه.
رشيد شجاري

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..