الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

المؤتمر الوطني للمحاميات والمحامين الاتحاديين

المضيق، تطوان – 12 و13 أبريل 2019

السادة النقباء المحترمون ؛

زميلاتي، زملائي ؛

أيتها السيدات، أيها السادة ؛

اسمحوا لي في البداية أن أعرب لكم عن بالغ سعادتي بافتتاح هذا المؤتمر الوطني الهام الذي يجمع المحاميات الاتحاديات والمحامين الاتحاديين والذي تحضره وجوه مناضلة من أجل رفعة مهنة المحاماة وبصمت بحضورها القوي محطات بارزة في مسار الحركة الاتحادية العريقة. واسمحوا لي أيضا أن أتوجه لكم بتحية خاصة لحضوركم الوازن وتعبئتكم التلقائية لترتيب هذه اللحظة المهنية المتميزة التي تعد مناسبة سانحة لإعادة بناء القطاع باستحضار الإرث التاريخي من أجل استرجاع دوره الطلائعي داخل المهنة والمجتمع.     

إن مؤتمرنا اليوم يعلن عن هويته وهو يتخذ كشعار له: “المحاماة شريك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وحماية الحقوق والحريات “، وهي هوية نابعة من صلب الهوية الاتحادية المناصرة للقيم الاشتراكية الديمقراطية وللمبادئ الكبرى المتمثلة في محورية المؤسسات وسيادة القانون واستقلالية القضاء.

أيتها السيدات، أيها السادة ؛

إن المؤتمر الوطني للمحاميات الاتحاديات والمحامين الاتحاديين ينعقد في سياق خاص يطبعه التحدي الذي ترفعه بلادنا لكسب رهانات التنمية الشاملة والمستدامة، وخاصة الدعوة التي وجهها جلالة الملك، في خطابه السامي أمام البرلمان يوم الجمعة 13 أكتوبر 2017، إلى كافة المتدخلين والمعنيين من أجل بلورة نموذج تنموي جديد. وقد أعلن جلالته عن التوجهات الكبرى لوضع نموذج مندمج ومنصف يمكن من تقليص الفوارق بين الفئات المجتمعية وحصر التفاوتات المجالية عبر تحقيق تنمية متوازنة تستجيب لمبادئ العدالة والكرامة والتضامن.

لقد كان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سباقا إلى التفاعل الإيجابي مع الدعوة الملكية إذ بادر، بوعيه الوطني الجاد ومسؤوليته السياسية المعتادة، إلى وضع تصور شامل ومندمج لما ينبغي أن يكون عليه النموذج التنموي الناجع، وذلك من خلال:

  • أولا، استثمار التراكمات النضالية والسياسية كما تترجمها الأدبيات والوثائق الحزبية منذ المؤتمر الوطني الثامن سنة 2008 الذي اعتبر أن المشاريع الاقتصادية والتنموية لم تعد قادرة على مواكبة احتياجات المواطن. كما أن حزبنا خلال المؤتمر الوطني التاسع دعا إلى ضرورة خلق نموذج تنموي متكامل قائم على الجاذبية الاستثمارية والعدالة الترابية والتضامن الاجتماعي. وشدد الحزب مرة أخرى في مؤتمره الوطني العاشر على أهمية إرساء دعائم التوزيع العادل للثروة وتقليص الفوارق الطبقية عبر اعتماد سياسات عمومية ذات بعد اجتماعي منصف.
  • ثانيا، خلق تعبئة متواصلة للطاقات والكفاءات الحزبية للتفكير الجماعي في السبل والآليات الكفيلة بابتكار نموذج متوازن يجمع بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والبشرية. ويمكن التذكير، في هذا الصدد، بنتائج اليوم الدراسي الذي نظمه حزبنا بالصخيرات بتاريخ 19 أبريل 2018 حول “النموذج التنموي الجديد” تحت شعار “دولة عادلة قوية .. مجتمع حداثي متضامن”، وخلاصات اليوم الدراسي الذي نظمنه الحزب بالمحمدية بتاريخ 21 شتنبر 2018 حول “الجهوية واللاتمركز” تحت شعار “مغرب الجهات: ضرورة تاريخية، وطنية وديمقراطية”. 

لقد شكلت هذه العناصر أرضية مهمة لاشتغال اللجان الموضوعاتية للحزب حيث تدارست المداخل الممكنة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة وحددت الملامح العامة لتصورنا الاشتراكي الديمقراطي المؤسس على مبادئ الحرية والعدالة والتضامن. وقد اعتمد هذا التصور التنموي المجلس الوطني لحزب الاتحاد الاشتراكي المنعقد بالرباط بتاريخ 29 شتنبر 2018 حيث أكد، في البيان الصادر عنه، على ضرورة “نهج سياسة اقتصادية واجتماعية وثقافية تتوخى التوازن بين الطبقات وتراعي تحسين أوضاع الطبقات الفقيرة والمتوسطة.”

أيتها السيدات، أيها السادة ؛

إن تصور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للنموذج التنموي الجديد ينطلق من منظوره للمجتمع المتضامن ولمهام وأدوار الدولة التي ينبغي أن تقوم بدور تحفيزي واجتماعي لصالح الفئات الأكثر تضررا في المجتمع لضمان الحماية الاجتماعية العادلة والمنصفة. كما ينطلق من ضرورة العمل المتواصل من أجل منظومة سياسية ومؤسساتية ضامنة لحقوق وكرامة المواطن عبر توطيد مقومات دولة الحق والقانون وإعطاء مضمون ملموس لخصوصية النظام السياسي المغربي بوصفه ملكية ديمقراطية واجتماعية.

ومن هذا المنطلق، نعتبر، من موقعنا كحزب تقدمي حداثي، أن أي نموذج تنموي فعال ينبغي أن يتأسس على خمسة مرتكزات ضرورية لبناء مغرب قوي وعادل في أفق سنة 2040، وهي: المرتكز المؤسساتي، والمرتكز الاقتصادي، والمرتكز الاجتماعي، والمرتكز المجتمعي، والمرتكز الثقافي. 

أولا، المرتكز المؤسساتي: الذي سيمكن من تقوية دور المؤسسات لإسناد الإقلاع التنموي في إطار المقتضيات الدستورية ودولة الحق والقانون وحماية الحقوق والحريات. ويتعلق الجانب المؤسساتي بما يلي:

  • ضرورة القيام بمراجعة شاملة للمنظومة الانتخابية لإفراز تمثيليات ذات مصداقية وكفاءات نزيهة قادرة على الرفع من جودة ونجاعة التدبير العمومي، إذ لا يمكن إطلاقا القطع مع الفساد الانتخابي بالمال أو الإحسان المقيت دون إصلاح المنظومة الانتخابية كمدخل سياسي ضروري لإنجاح الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ؛
  • الاستثمار الإيجابي للدينامية السياسية التي أفرزها دستور 2011 من خلال تفعيل مقتضياته الرامية إلى تطوير البناء السياسي وتقوية المنظومة المؤسساتية وتعزيز الحكامة العمومية، مع العمل بمسؤولية على معالجة بعض الجوانب غير الملائمة التي تكون قد اعترت بعض الممارسات السياسية ؛
  • التفعيل الجيد لاستقلال السلطة القضائية، وترسيخ الجهوية واللاتمركز، وتحديث الإدارة العمومية بغية تعميم وتحسين الخدمات الأساسية لفائدة المواطن والمقاولة، ومباشرة الإصلاح المؤسساتي الهادف إلى التجميع والتكاملية، خاصة في المجال الاجتماعي وقضايا الشباب والهجرة والتنمية وغيرها ؛   

ثانيا، المرتكز الاقتصادي: المتعلق باسترجاع المبادرة الوطنية في مجال التدبير المالي والاقتصادي، والحد من المضاربات والاحتكارات ومصالح الريع عبر إحداث تغييرات جذرية في العديد من المجالات، وذلك عبر:

  • ضرورة اعتماد إصلاحات جريئة لجعل الاقتصاد والاستثمارات في خدمة الإنتاج والتصنيع، وتيسير ولوج الشركات الصغرى والمتوسطة لمصادر التمويل المبتكرة ؛
  • التوجه نحو الاستثمارات المنتجة لمناصب الشغل من أجل خلق حركية اقتصادية، وتعزيز القدرة التنافسية للمقاولات الوطنية، وزيادة حجم الصادرات ؛
  • أهمية تحسين مناخ الأعمال، والحد من المضاربات والاحتكارات ومصالح الريع، وإدماج القطاع غير المهيكل، وتقوية الشراكات بين القطاعين العام والخاصة ؛
  • ضرورة وضع سياسة مالية ونقدية ناجعة بهدف تقوية الاستثمار العمومي الناجع وتوزيعه بشكل منصف بين الجهات وتدبير أفضل للدين العمومي ؛
  • سن نظام ضريبي جديد أكثر إنصافا وتوازنا، وتشجيع الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة، بتحفيزات ملموسة وحقيقية، مع تعزيز القدرة الشرائية للمواطن.

ثالثا، المرتكز الاجتماعي: الذي يرتبط بضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بالشغل والتعليم والصحة التي أصبحت الهاجس الرئيسي بعد التراكمات المهمة التي حققها المغرب على صعيد الحقوق السياسية والمدنية، وذلك من خلال:  

  • القطع مع الانتظارية والتحلي بالجرأة لإصلاح المنظومة التربوية في شموليتها واعتبار مجانية التعليم حق للشعب المغربي والتزام وتعاقد من طرف الدولة مع المجتمع ؛
  • ضرورة توفير العدالة الاجتماعية واللغوية لكافة الفئات، واعتماد برامج ومناهج لتملك أدوات الفكر العقلاني والنقدي ؛
  • التأكيد على الأهمية القصوى لإصلاح أنظمة الحماية الاجتماعية وتوسيعها وتطويرها من أجل اعتماد حماية اجتماعية منصفة، موسعة ودائمة ؛
  • ضرورة وضع تصور استراتيجي للسياسات العمومية المتعلقة التشغيل بما يضمن التناسق بين التنمية الاقتصادية وتأهيل المقاولة الوطنية وتشجيع الاستثمار ؛
  • لا بد من معالجة اختلالات المنظومة الصحية بتوفير خدمات صحية جيدة وفي متناول الجميع عبر إقرار نظام شامل ومنصف للمساعدة الطبية.

رابعا، المرتكز المجتمعي: الذي يشكل عاملا حاسما في عملية التحديث والتقدم وإقامة مجتمع ديمقراطي ومتوازن يتسع لجميع الطاقات للمساهمة الفاعلة في إرساء النموذج التنموي الجديد، وذلك عبر:

  • التوجه نحو المستقبل بمساهمة كاملة من المرأة والشباب وضمان حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ؛
  • ضرورة وضع تصور استراتيجي لتحسين وضعية الأطفال ومحاربة مظاهر الهشاشة عبر سياسة متوازنة قائمة على العدالة الترابية والاجتماعية ؛
  • أهمية اعتماد سياسة إدماجية ناجعة ومنصفة للأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنين ؛
  • اعتماد سياسة بيئية مندمجة ومتعددة الأبعاد لتحسين التدبير المستدام للموارد الطبيعية وتقوية النظام البيئي المتوازن.   

خامسا، المرتكز الثقافي: الذي يعتبر عنصرا رئيسيا لدعم الديمقراطية والتنمية على اعتبار أن الثقافة ليست شأنا ثقافيا، بل آليات سياسية واقتصادية واجتماعية وإجراء تربوي عميق لجعل بلادنا قادرة على التحديث والتقدم، ويهم أساسا:

  • المحافظة على التعدد والتنوع في إطار وحدة الهوية الوطنية وخلق دينامية مجتمعية قوية رافضة لكل أشكال الاستلاب المحافظ والتفكير العدمي ؛
  • العمل على إفراز قطب ثقافي جديد يسهم في تعزيز الإبداع الحر وثقافة الاختلاف وروح التعايش والانفتاح على الآخر ؛    
  • العمل على تعزيز الوضعية الثقافية والاعتبارية للغتين: العربية والأمازيغية، وترسيخ التنشئة الاجتماعية المنفتحة، وإشاعة المبادئ الحقوقية ذات البعد الكوني ؛
  • الانخراط الجماعي التلقائي في المبادرات الملكية الإصلاحية للشأن الديني المهمة على مستوى الـتأهيل والتأطير عبر التوجيه المعقلن الواجب دعمه وتقويته ؛
  • النهوض بالإعلام العمومي وإشراك المجتمع المدني ووسائط التواصل لتعبئة الرأي العام ودفع المواطن إلى الالتفاف حول الأهداف التنموية الكبرى.

أيتها السيدات، أيها السادة ؛

لقد جعلنا المرتكز المؤسساتي في صدارة باقي المرتكزات لارتباطه الوثيق بتفعيل دور المؤسسات خدمة للتطور الاقتصادي والارتقاء الاجتماعي والتماسك المجتمعي والتنمية الثقافية في إطار المقتضيات الدستورية ودولة الحق والقانون وحماية الحقوق والحريات.

وما ينبغي أن نحرص عليه، مؤسساتيا، التفعيل الجيد لاستقلال السلطة القضائية لتكون في خدمة المواطن والقانون والتنمية بالمعنى الذي أكد عليه جلالة الملك،  في رسالته السامية الموجهة إلى المشاركين في المؤتمر الدولي الأول للعدالة بتاريخ 2 أبريل 2018، من (بداية النطق الملكي السامي) “أن مبدأ الاستقلال لم يشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضين، وأنه إذ يرتب حقا للمتقاضين، فكونه يلقي واجبا على عاتق القاضي.” (انتهاء النطق الملكي). وبهذا، فإن الواجب المنوط بالقاضي يؤكد أن الحق في التقاضي لا ينحصر فقط في وجه واحد يتجلى في حق اللجوء إلى القاضي الطبيعي، بل إنه يمتلك وجها آخر بدونه لا تتحقق العدالة، وهو الحق في الدفاع الذي تمثله مهنة المحاماة.  

فبدون مهنة المحاماة لا يكتمل التنزيل الواقعي للحق في التقاضي باعتباره حقا دستوريا أكدت على كفالته وصيانته كافة المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية، إذ أنها مكون رئيسي في تجسيد حق الدفاع الذي بدونه لا يمكن للدولة أن ترى وجهها العادل في مرآة الديمقراطية. ويكفي أن نشير إلى أن دساتير الدول الديمقراطية لا تجعل من هذا الحق فقط حقا دستوريا، وإنما ترقى به إلى مستوى جعله مؤشرا أساسيا في قياس مدى اتصافها على أرض الواقع بوصف دولة القانون والمؤسسات.

واعتبارا لمكانتها المجتمعية وتمثيلها للحق في الدفاع كجزأ لا يتجزأ من الحق في التقاضي، كانت مهنة المحاماة ولا تزال دعامة أساسية من دعائم إرساء مرفق العدالة وبدونها لا يستطيع القضاء تجسيد العدل وصيانة الحقوق والحريات كما أكدت على ذلك جميع العهود والمواثيق الدولية. ولذلك، تمتعت في بلادنا بموقعها الخاص ضمن أسرة القضاء حيث نصت المادة الأولى من قانون المحاماة لسنة 2008 أن: “المحاماة مهنة حرة، مستقلة، تساعد القضاء، وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء.”. ومعلوم أن أسرة القضاء متنوعة المكونات إذ تضم شركاء متعددين يتمثلون، بالإضافة إلى المحاماة، في النيابة العامة وكتابة الضبط، والذين ينبغي أن يخضعوا للتوازن الضروري لتحقيق التعاون المنشود بينهم، كل من موقعه وحسب وظيفته، إذ لا يمكن أن تتحقق العدالة في غياب أي شريك من الشركاء.

أيتها السيدات، أيها السادة ؛

على الرغم من المكاسب التي تم تحقيقها على المستوى الوطني، ما زالت أمامنا تحديات كبرى لمسايرة المعايير الدولية لاستقلال المحاماة وتكريس الضمانات الضرورية الكفيلة بتمكين المحاميات والمحامين من أداء مهامهم وواجباتهم على الوجه الأكمل. ففي غياب استقلالية القضاء والمحاماة، كما نص عليه إعلان أتينا للجنة الدولية للحقوقيين حول سيادة القانون سنة 1955 والإعلان العالمي لمؤتمر مونريال حول استقلال العدالة سنة 1982، لن تكون منظومة العدالة منتجة وقائمة على التوازن الضروري لصيانة الحقوق والحريات. وعلى هذا الأساس، نقولها بكل الوضوح اللازم، علينا أن نتحول من المقاربة التقليدية المجحفة التي ترى في المحاماة مجرد عنصر مساعد للقضاء في إقرار العدل إلى مقاربة قانونية عقلانية تجعل من المحاماة شريكا متميزا للسلطة القضائية في ترسيخ وتعزيز العدالة.

ومن هذا المنطلق، علينا أن نتعبأ جميعا للدفاع عن استقلاليتنا حتى نكون في مستوى المهام المنوطة بنا لدعم دولة الحق والقانون لأن تقوية المحاماة المهنية والمسؤولة ليست مسألة تخص فئة اجتماعية محددة، بل قضية المجتمع برمته بحكم ارتباطها بالمسار الديمقراطي الشامل والبناء المؤسساتي الحديث القادر على إسناد التطور الاقتصادي والإقلاع التنموي.

علينا أن نفكر جميعا في الضمانات الممنوحة للمحامي في ظل القانون الحالي ومدى كفايتها لتكون في مستوى الضمانات الممنوحة للقاضي باعتبارهما فاعلين محوريين هدفهما المشترك تحقيق العدالة وصيانة الحقوق والحريات والتطبيق السليم للمقتضيات القانونية. الأمر الذي يدعونا إلى التمعن في القانون المتعلق بالمحاماة ومدى مسايرته للتحولات التي أطرها دستور 2011 الذي ارتقى بالقضاء إلى درجة دستورية تجعل منه سلطة قضائية مستقلة.

يجب مواصلة العمل والنضال من أجل أن تتبوأ مهنتنا مكانتها الحقيقية وترقى بدورها إلى درجتها الدستورية لكي تكون فعلا مكونا أساسيا من مكونات السلطة القضائية ؛ فمن المفهوم أن تكون مؤسسات دستورية ممثلة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لكن من غير المفهوم تغييب المحاماة وعدم تمثيليتها الدستورية في هذا المجلس. ولذلك، نرى أن الحاجة الملحة للتمثيلية الدستورية للمحاماة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية تقتضيها، فضلا عن التلازم التاريخي والوظيفي القائم بين القضاء والمحاماة، مسألة السهر على تكريس العدالة ومطلب التمثيل المؤسساتي للحق في الدفاع ضمن مكونات المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

أيتها السيدات، أيها السادة ؛

إن النهوض بمهنة المحاماة مسؤولية يتحملها كل الفاعلين في قطاع العدل، بمن فيهم الوزارة المكلفة بالعدل وجمعية هيئات المحامين بالمغرب التي ستعقد مؤتمرها الثلاثين بمدينة فاس خلال الشهر الجاري تحت شعار : “من أجل تشريع يحقق الولوج المستنير إلى العدالة”. إنها مسؤولية جماعية تطرح علينا معالجة مجموعة من القضايا الأساسية التي بدونها الارتقاء بمهنتنا مهنيا واجتماعيا، وخاصة ما يلي:

  • إعادة النظر في قانون المحاماة بما يمكن من توحيد قواعد ممارسة المهنة، والاستثمار في العنصر البشري من خلال دعم عمليات التكوين والتكوين المستمر، والارتقاء بالأداء المهني.
  • توفير الشروط المادية والتقنية الملائمة لتحقيق الانتقال إلى المحاماة الإلكترونية وتطوير وسائل التقاضي الإلكتروني على غرار ما هو معمول به في العديد من الدول الرائدة.
  • اعتماد إجراءات موجهة لتيسير ولوج المحامين الشباب إلى المهنة من خلال وضع نظام للمساعدة على تأسيس مكاتبهم ومراجعة المساهمات المالية للانخراط في الهيئات المهنية.    
  • وضع آليات خاصة بتوفير الرعاية الاجتماعية الشاملة لفائدة المحامين وذويهم، سواء على مستوى الخدمات المرتبطة بالتغطية الصحية، أو على مستوى ترسيخ نظام متكامل للتقاعد.


إن القضايا المطروحة اليوم بإلحاح تدعونا كقطاع اتحادي إلى إبداع آليات جديدة للتنسيق والعمل الجماعي من أجل إغناء وتطوير تصورات الحزب في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فمهمتنا لا تكمن فقط في أداء واجبنا المهني، بل تمتد لتشمل التأطير المجتمعي والمشاركة في النقاش العمومي حول أولويات بلادنا ودعم الحزب ليكون حاضرا باستمرار وبقوة على كافة الواجهات وفي مختلف المواقع. ونحن مدعوون كذلك لرسم خارطة الطريق المستقبلية لدعم استقلالية القضاء والمحاماة وبلورة اقتراحات قانونية وإجراءات عملية للارتقاء بعدالتنا وجعلها في خدمة المواطن والتنمية المجتمعية.

ولذلك، لا بد في جلسات هذا المؤتمر أن نستحضر الأسئلة التنظيمية والمهنية والفكرية الأساسية: ما هي المهمة الموكولة إلى القطاع؟ ما هي مهامنا كأعضاء داخل هذا القطاع الاتحادي؟ كيف يمكننا المساهمة في تطوير مهنتنا؟ ما هي الوسائل الكفيلة بتوفير الرعاية الاجتماعية والتضامن بين المحاميات والمحامين؟ أية أساليب ستمكننا من تعزيز قنوات التواصل بيننا وتوفر لنا فضاءات دائمة لتبادل الآراء والأفكار حول ممارستنا المهنية؟ ما هي الأشكال المناسبة للإسهام الفاعل في مختلف الأوراش الوطنية: الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها؟

إننا نأمل، من خلال مقاربة مختلف الأسئلة المطروحة، أن يكون هذا المؤتمر فضاء للنقاش المثمر والحوار البناء بين المحاميات الاتحاديات والمحامين الاتحاديين للتداول في الصيغ والوسائل التي تمكن من الرقي بمهنة المحاماة لتحمل أعباء الدفاع عن قضايا الحقوق والحريات التي أقرها الدستور والمواثيق الدولية، وللإسهام الفعال في إقرار الديمقراطية ودولة الحق والقانون والمؤسسات.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

انعقاد المؤتمر الثامن لإقليم الرباط

خلال التجمع الجماهيري لدعم الاخ محمد ياسر الجوهر بفاس: إجماع المتدخلين على فشل الأداء الحكومي

خلال اجتماع مؤسسة كُتاب الجهات والأقاليم

 فرع الحزب بأكدال الرياض ينظم ندوة حول «الدولة الاجتماعية الآفاق والتحديات»