بقلم: مصطفى المتوكل

*عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال :

( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ . قِيلَ : وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَال : الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ . قَالُوا : أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ . قَالُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ؟ قالَ : لَا ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكَ الزَّمَانِ ، حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى   شَيْءٍ)
«المَرَجُ : الفتنةُ المشكلة .. ويقال بَيْنَهُمْ هَرَجٌ وَمَرَجٌ : بَيْنَهُمْ فِتْنَةٌ وَاضْطِرَابٌ ..»

«مَرَجَ لِسَانُهُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ : أَرْسَلَ لِسَانَهُ.»

لقد سجل الجميع خلال النصف الاول من هذه العشرية ان «الهرج « قد اصبح ثقافة وسياسة  تعتمد من طرف البعض ممن تولوا امور الناس بعد تدافع جماهيري يبتغي الاصلاح واعادة البناء وعدالة اقتصادية واجتماعية ومعرفية …الا ان الامور لم تسر كما احب الناس والصالحون في المجتمع والنخب …ولم ينج اي مجال في حياة الناس الا وطاله ما قد يتسبب في «الهرج والمرج» بل انضاف اليه كصيغة للاحتجاج والاستنكار للحد من اخطاره  – بسبب عدم اهتمام البعض   بمطالب الفئات المهضومة حقوقها او الذين استنفذوا كل الطرق والمسالك المتعارف عليه حقوقيا وقانونيا للوصول الى رزق حلال واستقرار مفيد لهم ولغيرهم -..الاضراب عن الطعام حتى الموت واحراق البعض نفسه حتى الموت ..ومنهم من تظاهر لاشهر لعل من باذانهم صمم  يسمعون بعض ما يرفع من مطالب واحتجاجات استنكارية   ..ومنهم من اعتصم وحبس نفسه طوعا في موضع لاثارة انتباه من يعنيهم الامر …الخ ..

ان كل هذه الاساليب الاحتجاجية المؤلمة التي يتخذها البعض من ابناء الشعب لايبتغون من ورائها اثارة شغب او فوضى او يتسببون في انفلات امني كما يتوهم  البعض ..بقدر ما يجب ان يفهم البعض بان « الحقرة والتحقير والتهميش المطلق « يؤدي ببعض المظلومين بالتضحية  بايذاء نفسه بطريقة – الجميع ضدها – لايقاظ ضمائر نائمة وتسعى لتنويم الناس للتحرك لحل مشاكل الفئات المتضررة بدل الانجراف مع موجات  التطرف وكراهية الدولة والمجتمع ليصبح كارثة على الجميع والذي تتفنن جهات معينة في استقطابه لاستعماله كاداة للقتل والهرج الفعلي الذي تسيل به الدماء وتخرب الحضارات وييتم الاطفال و…انهم بالرؤية الموضوعية من الذين يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستنهضون من بقي عنده ضمير او روح اجتماعية لاصلاح الاوضاع وجبر الاضرار واسعاد المجتمع …

..ان الكيس في عالم المسؤولية العامة ..هو من يتجنب بوعي كل القرارات والاجراءات التي قد تعجل بحصول مقدمات «الهرج والمرج «التي تتسبب  عاجلا او آجلا  في  انزلاقات ومخاطر واضرار بمصالح الناس لايعلم مفاسدها الا الله   …

فاحتكار الدين والتحكم في قنواته من طرف البعض وتوظيفه لمحاربة الاخرين واقصائهم من المشهد العام ومن العمل الوطني  ..والتشكيك في ايمان الناس ..وتلبيس الفكر الديني بالفكر  الاقصائي المشبع بالكراهية والحقد بتوظيف تاويل كلام الله واحاديث الرسول (ص )  بما يرضي نزوات ورغبات  تخدم توجها  معينا بغض النظر عن «الاجندات» وامتداداتها ..  وبما يستعمل لتبرير الهفوات والاختلالات لتصبح قضاء وقدرا  يتقبل بالرضى والصمت …

..ان الملاحظ هو عدم التعامل مع مشاكل المجتمع فقراء وعاطلين واجراء بالجدية المطلوبة ..وفوق ذلك  انتهاج سياسة اضعاف  النقابات التاريخية الاصيلة اي من اسسوا للفعل والعمل النقابي والنضالي منذ الفترة الاستعمارية والذين يؤطرون ويضبطون الاحتجاج الايجابي الذي مهمته الشرعية والدستورية هي  التدافع والضغط المنظمين والسلميين والحضاريين  من اجل التعريف بالمشاكل وفتح التفاوض والحوار لايجاد حلول متوافق عليها تحت قاعدة لاضرر ولاضرار ..

..كما ان الاخطر هو الالتجاء الى قلب الحقائق  والتشكيك في العمل الرسمي للدولة ..حيث يحتج الاجراء ونقاباتهم  والشعب على السياسات العمومية ويرفعون شعارات ولافتات توثق مطالبهم  ..كما تتظاهر الحكومة وتحتج  مع النقابة التي تربطها بها علاقة مذهبية وسياسية ودعوية على السياسات الحكومية ويرفعون نفس الملتمسات الا ان الفرق بينهما يكون بالخطاب النقابي الذي لايخفي الدعم المطلق  للسياسة الحكومية مع وصفها بالحكيمة وصاحبة المنجزات الكبيرة  والتي تحقق للشعب الرخاء والتقدم كما يعلنون …
فقياسا على الحديث الذي انطلقنا منه  والذي  يتحدث عن  «الهرج والمرج « اي ان القاتل لايعلم لم قتل وان المقتول لايعلم لم قتل ..

نذكر هنا بما  يقوله عامة الناس عندما يكثر الكلام وتقل المردودية او تنعدم « قتلنا  بالكلام « ..فكذلك هي السياسات والخطابات المعتمدة التي تجعل المواطن لايعلم هل القرارات التي تتخذ  في صالحه كما يدعي اصحابها .. او انها ليست في صالحه كما يرى هو وهو اعلم منهم باحواله  واوضاعه …فيقتل بكلامهم  صبره وفهمه ومستقبله ..انه قتل ممنهج ومتدرج دون اسالة دماء ..

..لقد اعتبر العلماء «الهرج والمرج « من علامات الساعة الصغرى ..فهل ما نراه من  علامات انتهاء ساعة سياسة حكومة اساءت التقدير والتصرف  واساءت استعمال الاصلاحات السياسية والدستورية التي ضحى من اجلها الشعب لعقود وقدم تضحيات جسام واهدرت جزءا مهما من  الزمن النضالي العام الذي هو  في ملك كل الدولة والقوى الوطنية والتقدمية والناس والتاريخ الوطني والعالمي …؟

 

قال نبي الرحمة: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه).

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..