عبد الحميد الجماهري

يقر الدستور في فصله الـ40 بأن حالات الكوارث والأوبئة تستوجب شراكة وطنية عالية، وضمنها الشراكة الدستورية في تدبير الأوضاع الناجمة عن ذلك…،وحدد طبيعة الوضع الكارثي ومتطلباته في :
* انخراط الجميع
* بصفة تضامنية
*وبشكل متناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها
*في الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد..
ونحن اليوم في وضع الآفات ، والكوارث في مستواها الأولي..التي تستوجب تفعيل هذا المبدأ الدستوري، ليس فقط في الإنفاق العام أو التوقع العام للخسارات بل أيضا إلى ما يتعداه إلى ضبط التدبير السليم للمؤسسات والعمل على الرفع من فاعلياتها بهذه الشراكة الوطنية العامة.
كيف ذلك؟
لسنا، في حالة استثناء سياسي، ولا حتى مؤسساتي، لكن هل يمكن أن نقتصر على هذا الاستثناء في الاستثناء، كيلا نطرح سؤال الاستثناء الوطني، بحمولاته الصحية والاقتصادية والمجتمعية الخ، وما قد تستدعيه المرحلة من أجوبة في منأى عن التأويل المادي المباشر للاستثناء في المغرب؟
لا أحد يدعو صاحب القرار الاستراتيجي إلى «تحميض» الماضي، ومحاولة تجريب هذا الحق الدستوري، على الأقل في الوضع الذي نعيشه من مستوى الوباء..
فالوطن ليس في خطر ولو أنه في حالة صعبة، والديمقراطيات كلها تواجه الأمر بمؤسساتها وبتكييف المؤسسات مع يوميات المرض القادم من الشرق ليستوطن الغرب فيما يبدو!
غير أنه لا يمكن أن نكتفي بالتعامل كما لو أن الوضع غير العادي يتطلب أوضاعا عادية كحل!
1/ المتفق عليه اليوم، هو أن الوضع الاقتصادي أصبح يفرض إعادة النظر في مقومات الميزانية، بما يسمح به القانون المنظم لقانون المالية..وقد تغيرت كل المعطيات، بما فيها المعطيات الداخلية عن مرحلة وضع الميزانية العامة للدولة، والتي تمت المصادقة عليها والشروع في تنفيذها؟
هناك معطى داخلي سيتمثل في تراجع مستوى النمو، بسبب الجفاف، والذي سيضاف إليه معطى الوباء الذي يضرب العالم، والذي سيوقف مفاصل حقيقية في الاقتصاد الوطني: الضريبة، الجبايات، السياحة، التصنيع، الاستيراد الخ..
وهو ما صار يستوجب قانون مالية تعديلي، والحال أن الأمر لا يدخل في الخانة «العادية» للتعديل، كما هو منصوص عليها في القانون التنظيمي للقانون المالية، أي تعديلات عادية، تدخل على القانون، ثم تعرض،حسب مواد القانون المذكور أعلاه، بل في ظروف استثنائية في العالم كله وليس نحن فقط.
هنا لا يكون الأمر ضمن منطق التصويت في أجل لا يتعدي خمسة عشر يوما الموالية لإيداعه الخ الخ الخ مع ضرورة قبول الحكومة للتعديلات ، أو تمريرها طبقا لقانون المادة 51 من نفس القانون…
هناك الحاجة إلى جبهة/ وطن في تدبير الواقع المتراكب مع مقتضيات المرحلة، حيث على المال والأعمال لعب الدور الذي يعود إليهم، والدولة لها أدوارها، والأسرة والأئمة والمجتمع برمته وبوروليتاريته،وأجراؤه إلى غير ذلك من مقومات الأمة..
وهو ما يتجاوز قدرة الجهاز التنفيذي على صياغته لوحده..
2/ لقد تبين ، من جديد أن الرهان الكلي على اقتصاديات «رخيصة»، كما في استيراد البضائع والبحث عن الثمن الرخيص، لا يمكن التعويل عليه استراتيجيا، مع ان الكلفة التي كلفته بالنسبة للبلاد كانت عالية، بسبب أن صناعات بكاملها تقلصت او أصيبت بالاحتضار ثم الانقراض، وهو ما يطرح مجددا عودة الفاعلين الاقتصاديين الى ألف باء الاقتصاد الوطني، والتركيز عليه، بالرغم من الكلفة التي تفوق بهذا القدر او ذاك العر ض الاجنبي..لنفكر في كل القطاعات التي أنهكتها اقتصاديات مبنية علي مواد أولية استوردناها من الصين او غيرها.
نفس الشيء ينطبق على صفقات الدولة، كمنتج للثروة وحامية للنسيح الوطني، فقد آن الاوان لمراجعة المسألة من زاوية الثابت الوطني ، الذي كشفته الازمة..
3 / لا يمكن ونظامنا الصحي يتعرض لكل هذه الامتحانات ألا نثير فاعلين اثنين رئيسين فيه:
* القطاع الصحي الخاص، وما عليه من مجهودات للمساهمة في تنفيد روح الفصل 40 الدستوري، والذين لم تسلط الاضواء عليهم بعد، كما لو أن الامر لا يتعلق بالصحة الوطنية العامة..
*صناعة الادوية، -وليس الصيدلة- والتي لم نسمع لأصحابها-اي الصناعة- أدنى حس أو موقف لحد الساعة، والتي تصبح مجال لاثرياء الحرب ، كلما تراجع الوازع الوطني في هذه الحالة.
إن الحجر العام، الذي قد يتطور لا قدر الله سبحانه وتعالى، يطرح بالفعل قدرتنا على ايجاد الحلول بانخراط شامل ضمن مظلة الدستور التي تحدثنا عنها، علما أن الامر في البداية والنهاية هو مسألة شعور وطني والتزام إزاء الوطن والمواطنين والقيم المشتركة كلها..

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..