إن التقاطب الديمقراطي بات يتشكل اليوم من كل القوى النابعة من المجتمع، والتي تحمل مشروعا ديمقراطيا، وتناضل بالوسائل الديمقراطية لبلوغه. ولأن الأشياء تعرف بضدها، فإن التقاطب المعاكس يتشكل من القوى التي تقاوم إقامة النظام الديمقراطي، أو أنها تستعمل لتحقيق أهدافها وسائل غير ديمقراطية.
إننا نضع هذا التصنيف، ونحن نفكر في طبيعة المرحلة الانتقالية، باعتبار أن الأهداف الممكنة في مرحلة تاريخية معينة، هي البوصلة التي نحدد بها مواقع اصطفاف كل القوى السياسية والمجتمعية. والغاية المحددة لطبيعة المرحلة الانتقالية، هي في رأينا، التمكن من تثبيت نظام مؤسساتي ديمقراطي، بكل الخصائص المتعارف عليها دوليا. إن هذه الغاية التي يتوقف عليها تقدمنا التاريخي في مجموعه، تتقاسمها مجموعة من القوى السياسية، تتفاوت وتختلف في منشئها، ومصالحها، وثقافتها ومواقعها الاجتماعية.
إذا كان التقاطب الديمقراطي ضرورة منطق الممارسة السياسية وتفرضها أسئلة المرحلة؛ فإننا نحذر من المخاطر التي تتهدد الديمقراطية ببلادنا في احتفالية الذكرى ال 60 لتأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
في تجمع جماهيري عظيم، بالعرائش يوم الجمعة 24 فبراير  2020، دعا الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الأستاذ ادريس لشكر «إلى حوار جدي ومسؤول، حوار لكل النزهاء، حوار تكون منطلقاته قوية… ان الاتحاد يريد أن يذهب إلى المشهد الحزبي منطلقا من أن الديمقراطية تبدأ باللوائح الانتخابية وبحق التصويت، لذا طالبنا بالتصويت بالبطاقة الوطنية على اعتبار أن كل إصلاح ينطلق من إصلاح الكتلة الناخبة وتغيير يوم الاقتراع، وفي هذا الصدد نقترح يوم الأربعاء كيوم للتصويت… ودعونا كحزب إلى إعادة النظر في نمط الاقتراع الحالي، إذ أن بلادنا لا تزال محتاجة إلى الوسيط الحقيقي، أي الفاعل السياسي الميداني.»
«اخترت من العرائش، ومن هذه الجهة، أن أعلن، بكل مسؤولية، أننا سنتوجه إلى كل الأحزاب من أجل فتح حوار حقيقي، وأملنا هو استجابة الحكومة، وإن لم تستجب فيجب علينا أن نضغط ونحمل كل طرف مسؤوليته. نحن منفتحون على كل الاقتراحات التي تطور العملية الانتخابية وتجعلها عملية نظيفة، وأن كل نموذج تنموي جديد لن يستقيم مالم نجلس الآن للحديث حول من يتحمل مسؤولية تنفيذه بواسطة صناديق الاقتراع لتجديد النخب والكفاءات….»
في هذا السياق، نفهم دينامية القيادة السياسية لحزب الاتحاد الاشتراكي التي انخرطت في لقاءات نقاش حوار مع قيادات الأحزاب السياسية الوطنية، وكانت البداية مع قيادة حزب الاستقلال، لقاء توج العمل النضالي المشترك بين الشبيبة الاتحادية والشبيبة الاستقلالية، وتوج التنسيق النضالي بين المرأة الاتحادية والمرأة الاستقلالية…
نذكر هنا، بما جاء في كلمة الكاتب الأول في الاحتفالية الكبرى، تخليدا لستينية تأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتلبية لنداء المصالحة والانفتاح (الذاكرة الاتحادية هي أيضا ذاكرة الوفاء للتاريخ والعمل المشترك. لذلك كنا أكثر حرصا على الاحتفاظ بأفضل العلاقات مع من كنا معهم قبل تأسيس الحزب، لا كما يجري اليوم مع بعض الذين غادرونا مؤسسين لإطارات جديدة. كنا نعتقد أننا سنحتفظ معهم بعلاقات جيدة خدمة للمشروع المشترك.
هكذا استمر التنسيق مع الإخوة في حزب الاستقلال، دون عقدة أو تشكك، وحققنا معهم مكتسبات كثيرة لصالح البلاد. ولا أدل على ذلك، ما تم من عمل وثيق بخصوص ملتمسي الرقابة في الستينات والتسعينات، أو الترشيح المشترك، والعمل كحزبين وطنيين ديمقراطيين في الكتلة الوطنية، ثم الكتلة الديمقراطية. ولعل في هذا وحده عبرة للقوى السياسية التقدمية واليسارية. فالاختلاف في الرأي لا ينبغي أن يوقف التعامل والتفاعل والتنسيق في القضايا المشتركة).
يسجل الكاتب الأول الأستاذ ادريس لشكر باعتزاز نضالي ووفاء تاريخي، أن الاتحاد الوطني -الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لما غادر حزب الاستقلال لاختلاف في الرأي والرؤية، لم يرفع هذه المغادرة إلى درجة الانفصال التام والقطيعة المطلقة، بل إنها كانت ميلادا لعلاقة جديدة؛ واعية وهادفة؛ مؤسسة على التفاعل والتنسيق والعمل النضالي المشترك في المحطات المفصلية والمصيرية ما ساهم في تحقيق مكتسبات كبرى لصالح الوطن والمواطنين… وكان للتنسيق النضالي الجاد والصادق بين هذين الحزبين الوطنيين الديمقراطيين دورا كبيرا وطلائعيا في البناء الديمقراطي وإرساء دعائم وأسس دولة المؤسسات ودولة الحق والقانون.
يوم الخميس 12 مارس، ترأس الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الأستاذ إدريس لشكر بالمقر المركزي للحزب بالرباط، لقاء مع قيادة التجمع الوطني الأحرار ممثلة في رئيسه عزيز أخنوش والوفد المرافق له…. هذا اللقاء، يقول الأستاذ إدريس لشكر ، يأتي في سياق مبادرة الاتحاد الاشتراكي، لفتح حوار مع جميع مكونات الأغلبية أولا حول قضايا هامة واستراتيجية خاصة بالقانون، منظومة إصلاح شامل للقانون الجنائي وإصلاح منظومة الانتخابات… وتدارس اللقاء بجدية ومسؤولية، القضايا الملحة والمستعجلة، صدر عنه بيان جاء فيه:
* إن الحزبين يشيدان بالمجهودات التي تبذلها السلطات العمومية لتوفير الأمن الصحي للمواطنين، وتفعيل التدابير الرامية إلى مواجهة الآثار المترتبة عن الإكراهات الاقتصادية والمناخية، ويدعوان إلى تعبئة كل الإمكانات المتاحة والموارد اللازمة لمواصلة تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومواجهة التحديات المقبلة؛
* وتفعيلا لمضامين الأغلبية الحكومية، بما يمكنها من تنفيذ التزاماتها في جو من الانسجام والتضامن، فإن الحزبين يعبران عن دعمهما التام لوزير العدل في سعيه نحو تسريع وتيرة إصلاح منظومة العدالة؛
* ضرورة انخراط الحكومة في إصلاح شامل وعميق للسياسة الجنائية، بما يتلاءم ومبادئ الدستور، ويساهم في تعزيز الحقوق والحريات، دعما للوزير الاتحادي محمد بنعبد القادر الذي يشرف على قطاع العدالة؛
* سجل الحزبان ارتياحهما لإطلاق مسلسل المشاورات بين مختلف الفرقاء السياسيين، ودعيا لاتخاذ كل التدابير الكفيلة باستعادة ثقة الناخبين وتوسيع نطاق المشاركة مع مراجعة منظومة الانتخابات، بما يفسح المجال واسعا لإفراز مؤسسات تمثيلية قوية وحاضنة للنموذج التنموي الجديد.
نسجل أن هذا اللقاء يدخل في سلسلة اللقاءات التي يقودها حزب الاتحاد الاشتراكي، والتي هي نابعة من روح المبادرة الاتحادية لفتح نقاش واع وهادف، ونسجل أن هذه اللقاءات منفتحة على أحزاب الأغلبية والمعارضة، وهذا ما سيتحقق في الآتي القريب…
أن الاتحاد الاشتراكي يشتغل بطريقة وظيفية لأنها مفيدة للديمقراطية، مفيدة لأنها تبعث النقاش العمومي الذي يمثل كل التيارات التي تخترق المجتمع المغربي، وتمثل بطريقة مباشرة تناقضات المصالح المرتبطة بالطبقات الاجتماعية المختلفة.
إن الديمقراطية ليست بالضرورة نفيا لصراع المصالح المتناقضة، لكنها الوسيلة الأنجع لتهدئتها وتدبيرها بمنطق يحفظ التماسك الاجتماعي.