– 2 – مساهمات ما فوق التقنية وما تحت السياسية

قلنا:كان رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، محظوظا للغاية، وهو يتوصل ب23 مساهمة من هيئات ومنظمات سياسية ونقابية، حول تدبير المرحلة وما بعدها، غير أنه في ما يبدو لم يكن محظوظا في الاهتداء إلى ما سيفعله بها!
فهو حوار وطني.. تنقصه النية في ما يبدو.
كيف ذلك؟
لقد سبق أن أثرنا ضرورة وجود ‭ ‬carte mentale أو الخارطة الذهنية‮ ‬لدى السيد رئيس الحكومة، من أولوياتها، بالتأكيد، وجود تحليل دقيق ومقنع لأوضاع الكارثة، مع ما يتطلبه ذلك من
تحديث للوقائع وتحيين للمعطيات وتوفير للأرقام والوضعيات‮، ثم الانتقال إلى تأكيد ‬الإرادة السياسية‮، في تحديد ‬أطراف العملية برمتها، وهو أمر حصل بدون كبير عناء، ثم مواقع ومواقف كل طرف والبحث عن دعم لهذا البرنامج‮ المنبثق عن الحوار الوطني، ماليا وسياسيا، داخليا وخارجيا.‬
ويتوقف هذا الأمر، أي ملامح خلاصات البرنامج المنبثق عن الحوار الوطني، عند أسئلة بدهية أولى لا بد لها من أجوبة… ومنها على سبيل المثال:
‬هل كانت لنا نقط ضعف؟
حسب العثماني: لا‮ ‬يبدو ذلك.
هل كانت لنا هشاشات واضحة‮؟‬
أبدا، لم نسمع كلمة هشاشة في‮ ‬كل خطب رئيس الحكومة، اللهم إلا عند الحديث عن تقارير الهشاشة المجتمعية المعروف منذ عقود.
هل‮ ‬اكتشفنا ارتهاناتنا وارتباطنا، قل تبعيتنا‮ ‬في‮ ‬الكثير من القطاعات لدول أخرى وسياسات أخرى؟
سؤال معلق إلى ما شاء الله، سواء بخصوص التصنيع الوطني واللجوء إلى المواد الأجنبية -الصينية منها، أكان ذلك فرديا خاصا أو عموميا من قطاعات الدولة نفسها…
ولا أحد تكلم‮ عن السياحة كقطاع تبعي‮، ولا عن التصنيع كقطاع مرتبط بالآخرين، ولا عن الهجرة وتحويلاتها كمؤشر مزاجه العام خارجي‮..‬.‬‬
هل سيطمح في الحفاظ على مناصب الشغل الموجودة من قبل أم يغامر بإعلان الرفع منها في ورقته، بدون الزيادة في الضرائب؟
كل هذه الأسئلة وغيرها لم يطرحها الرئيس، وربما قد تتضمنها كل المساهمات، وبالتالي أمام رئيس الحكومة،‮ ‬اليوم، أزيد من عشرين محاولة لرسم طريق جديد أمام المغرب، وعليه أن يكشف لنا، من باب إعطاء مصداقية لعملية جمع هذه المساهمات عن:
ما هي‮ الأولويات ؟ ‬
كيف سيحقق متطلبات المرحلة، كما تتقاطع فيها أغلب المواقف ومنها : التضامن،الثقة السيادة، والاندماج واستعادة القوة مجددا في النسيج السوسيو-اقتصادي؟
عليه أن يكشف للرأي العام، كيف سيتصرف أمام ما‮ ‬يملكه من مسودات مشاريع،‮ ‬هو الذي‮ ‬لم‮ ‬يعين بعد شعارات المرحلة الكبرى،‮ ‬وكيفية وضعها على‮ ‬الطريق.
ماذا لو أن مقترحات المعارضة كانت نفاذة،‮ ‬والحال أن بعضها أعلن نهاية «التكتل الوطني»‮ ‬حول الحكومة في وجه السيد الرئيس؟
والسؤال هنا: هل سيقبل بأن تدرج المعارضة -عمليا – في‮ ‬صيغة تدبير المقترحات أم سيدخلها من منطق القانون والقبول ببعض مقترحاتها، كما يحدث مع القوانين؟
هل سيكون تدبيرا سياسيا أم تشريعيا برلمانيا؟
مجرد سؤال أو محاولة ترسيم حدود التشريعي‮ ‬من السياسي‮ ‬في‮ ‬ما بعد الحوار الوطني‮…‬
كيف سيتجاوز بهذا الحوار عتبة التجميع التقني إلى إعطائه مدلولا سياسيا له معنى ويرسمل التكتل الوطني الموجود حاليا؟
هنا مربط الفرس، باعتباره رئيس حكومة سياسيا ومن حزب سياسي ويرسخ «المنهجية الديموقراطية» التي تكرر احتفاءه بها أكثر من مرة في الآونة الأخيرة.
لن‮ ‬يجد تجسيدا مؤسساتيا لها يفوق ما أمامه وبين‮ ‬يديه كرئيس للحكومة تقدم له الوسائط النقابية والسياسية والمهنية والمدنية كلها مقترحاتها في خضم الملحمة الوطنية التي أعلنها في البرلمان كجواب حاسم ومفحم …‮ ‬
في‮ ‬فرنسا مثلا، كان رئيس الدولة هو الذي‮ ‬طلب الوفاق الوطني‮ ‬حول أرضيات‮ ‬طلبها من رؤساء الجمعية الوطنية‮، مجلس الشيوخ والمجلس الاقتصادي‮ الاجتماعي والبيئي، ومن المنتظر أن يعلن عن مضامين هذا الوفاق الوطني في يوليوز القادم.‬‬
من الأسئلة التي تطرح نفسها هو ما إذا كان السقف الذي اختاره العثماني لهذا التمرين الكبير لا يتعدى قانون المالية التعديلي، والقوة التي يريد أن يعطيها له، في أفق السنين المتبقية من عمر الحكومة.
فلا‮ ‬يمكن اختزال وظيفته الحكومية في‮ ‬استعمال الزمن،‮ ‬الذي‮ ‬يتكلف به عادة المعيدون‬ ‮ عند كل دخول أو خروج، إلى حين أن نسمع صفارة الحكم النهائية. عليه أن يجد الأجوبة الحاسمة، التي تتجاوز بهذا الحوار الوطني طابعه التقني والقطاعي الاختزالي:‬
+ ‬ماهي‮ ‬الأداة المؤسساتية؟ التي‮ ‬يمكنه أن‮ ‬يطرحها لتجسيد الحوار الوطني، وتفعيله؟ وما هي آلية المصادقة عليها أو تزكيتها؟
لقد عشنا التجربة غير الموفقة في محاولة صياغة النموذج التنموي الجديد من أعلى هرم السلطة الحكومية، وكيف آلت الأمور إلى لجنة خاصة، اقتفت آثار اللجن التي خاضت حوارات وطنية ذات طبيعة استراتيجية وإن كانت حول نقط ذات صلة بجانب من جوانب الحياة الوطنية للأمة ( القضاء المرأة والجهوية والمصالحة)، وهي ذات سمات تاريخية، ومجتمعية ودولتية إدارية عميقة، وصل فيها التاريخ إلى مأزق بفعل تطور المجتمع أو تحول الدولة أو بانتصار المنطق الإصلاحي…
هذا الحوار هو ولا شك، كما يتضح من التعبير نفسه لرئيس الحكومة، أقل طموحا من عمل لجنة بنموسى… لكنه لا يمكن أن يحلق منخفضا الاجنحة ، وقريبا من التعامل التقني، إنه في العمق سلوك لا يعلن عن نفسه ولا يبتعد كثيرا عن حاجة إلى شكل وطني سياسي لتدبير المرحلة، يكفي فقط الرغبة في بعد.. النظر.
فالبداهات أحيانا … تضبب الرؤية!
‏y’a des évidences qui aveuglent
يتبع