يعيش المغرب والعالم أزمة عابرة للقارات والشعوب والديانات، تحدت بلا رحمة حياة الإنسان بشكل مباشر عبر الفيروس المستجد، وبشكل غير مباشر، فهي تجفف منابع الحياة وتأتي على الأخضر واليابس في الاقتصاد والبيئة والصحة وتهدد، دون مبالغة، بفناء جزئي أو كلي للإنسانية.

ولأن شعوب العالم ودوله اختارت كل منها حلولا ومخارج، حسب طبيعتها وإمكاناتها، فإن المغرب كان ضمن دول قليلة عمدت مبكرا، بتوجيهات ملكية وعمل حكومي، إلى جعل الإنسان المغربي والإنسان عموما أفقا للإنقاذ، ولم تبال بالتكلفة المادية الضخمة لأجل إنجاح العملية، فكان العزل عن العالم وفرض الحجر الصحي، وأغلقت الحدود برا وبحرا وجوا، وشهدت البلاد أفقا وطنيا تعالى فيه الجميع على الجراح والحسابات الصغيرة، والانتصار لوحدة وطنية وتضامن غير مشروط لأجل الوطن والإنسان .
ولأن المغرب سعى بكل مؤسساته التي جاء بها دستور 2011، إلى الاشتغال بشجاعة وفق المتاح وطنيا للمواجهة، فقد تسربت لاحقا على المستوى الاجتماعي والسياسي، بالأساس، حرب مشبوهة تسعى لضرب التضامن الوطني في شقه السياسي والحكومي، والتشكيك في عمل المؤسسات التشريعية والحكومية وغيرها، وشرع كما العادة في البحث لإلهاء المغاربة عبر افتعال حرب بالوكالة ضد مكون وطني هو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، واستهدافه عبر بعض صغار النفوس، وكان المنطلق هو استهداف الاتحاد في هويته وفي سر وجوده كمدافع شرس عن الحريات، التي جعل منها هوية باختياره العميق لشعار التحرير والديموقراطية والاشتراكية، وهي مفاهيم تتطور دوما في مؤتمراته وعبر المفكرين المنتمين للقيم الإنسانية.
ليس كافيا أن تحارب الاتحاد الاشتراكي للحصول على شرعية وطنية، لأن هذه اللعبة سبق وجربت مرارا، نعم الاتحاد أصيب، نعم تألم، نعم فقد أبناءه وبناته في معارك وجودية فرضت عليه، ولكنه لم يمت، لم يقض عليه، ومع ذلك صنع بعضهم جنازة ومشى فيها، ونعوا وتباكوا وأخذوا صورا تذكارية مع جثة شبهت لهم وهي لا تشبه الاتحاد، وجنازتهم التي لن يمشي فيها أحد، وقد لا يجدون حتى حفار قبور يساعد على ردمهم في التراب، هي الجنازة التي لا تمثل أحدا ولا تنتمي لتربة الوطن.
دموع التماسيح الموجهة، قد يبكي معها مناضلون ومواطنون حبا في الاتحاد، وبحرقة وإخلاص له وبحسن نية، ولكن حزبنا علمنا التحليل الملموس للواقع الملموس، وهو ما به نكتشف ببساطة الذين استباحوا الدم الاتحادي بالنفي والقتل والتشريد والطرد، بل ووقف طيف منا بين الموت والجنون، دون أن نفنى كما يشتهي الغزاة .
هذا الحزب مستمر بنا، هنا والآن، بعيدا عن التشخيص، ولأن استهداف الاتحاد اليوم، هو استهداف للوطن كأفق للديموقراطية والتقدم، بتحالف قديم جديد، فيه الرجعية وأصحاب الريع والمحميون الجدد من أصحاب الجنسيات المزدوجة بسبحة المصالح والتي تستبيح الوطن .
نعم ليس المجال للدفاع عن الحزب الذي ترعرعت فيه مناضلا وسأناضل فيه، لأنه لا يحتاج أصلا لمن يدافع عنه، فهو مشروع وطن وأمانة فكرية وأدبية نضالية.
اليوم نحن في حاجة ماسة لتنزيل المشروع الإنساني للاتحاد، المبني على الإنسان وإعادة صياغة مفهوم جديد للدولة من خلال أدوارها الوطنية في الاقتصاد وفي التعليم والصحة والبيئة، ولنراجع برامج أصحاب مكاتب الدراسات من الأحزاب، التي سطت على الوطن قبل حتى أن تولد، وشلت البرلمان واستولت على الشأن المحلي وخيرات البلاد وأشاعت الفساد المالي والإداري، وكونت لوبيا مصالحيا وجيوبا لمقاومة التغيير مع اختلاف مسمياتها على مر العقود الماضية.
انتصار الدولة المغربية للمشروع الإنساني واختيار أعلى سلطة في البلاد الإنسان المغربي أولا وأخيرا، رغم الكلفة المادية الباهظة، يجعلنا أمام لحظة وطنية بامتياز، مفتوحة للمستقبل، وأكيد فقد علمنا التاريخ أن كل الشعوب التي تقدمت كان تقدمها بسبب اختيارها للإنسان أفقا ومعنى.
سيبقى الاتحاد أفقا للانتصار ضد النكوصية والرجعية ، لن تهزه أية إرادة معاكسة للتاريخ، سنستمر في المصالحة والانفتاح وفي مزيد من المصالحات، التي استنفرت بداياتها جحافل مرتزقة العمل السياسي الذين يشبهون الفيروس المستجد، نعرفهم من خلال آثارهم المدمرة ولا نراهم.
ليس الأمر وبدون مبالغة حربا على أشخاص أو مسؤولين داخل الحزب أو خارجه، بل هي حرب على المشروع، والمشروع باق ونحن عابرون ولكن التاريخ يكتب لنا وعلينا…