في لقاء حزبي بالدارالبيضاء، عبد العالي دومو يؤكد أن الاتحاد الاشتراكي قدّم مقترحات وإجراءات عملية للنموذج التنموي الجديد.. شدّد على أن طبيعة السياسات العمومية القطاعية تغذي اقتصاد الريع وعلى أن الخدمة العمومية في المغرب لها كلفة باهظة وتفتقد للجودة ولا ينعكس وقعها على المواطن

اكد عبد العالي دومو أن المغرب يعرف عدة إشكاليات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وبأن تفاقمها وصل لمستوى يحتّم التفكير جدّيا لإيجاد الحلول والإصلاحات الناجعة التي تتطلبها البلاد. وشدّد الخبير الاقتصادي والفاعل السياسي، خلال لقاء نظمته الكتابة الإقليمية عين الشق الفداء، زوال أول أمس الأحد بمقر الكتابة الجهوية للحزب بالدارالبيضاء، من خلال عرضه الذي أوضح أنه يهدف إلى المساهمة في النقاش الوطني الحالي المرتبط بالنموذج التنموي، أن اقتصاد المغرب يتطور بكيفية ضعيفة لا تمكن من تحقيق إقلاع للبلاد، لأنه اقتصاد لا يخلق فرصا للشغل بما فيه الكفاية لاستيعاب الطاقات الشابة التي تزخر بها البلاد، مشيرا إلى أن الانتقال الديمغرافي الذي يعرفه المغرب يعطي تحولات سوسيولوجية كبيرة، تتسم الأولى بالتشبيب، وهو ما يعني الضغط على الخدمات العمومية الأساسية كالتعليم والتكوين والشغل والإدماج، إضافة إلى السمة الثانية والمتمثلة في تصاعد المطالب الاحتجاجية والضغط على سرعة الاستجابة في ظل غياب معطى الصبر، والثالثة تتمحور حول تراجع آليات الوساطة الاجتماعية، واندثار دور العائلة، ونفس الأمر بالنسبة للوساطة التقليدية والزوايا والأحزاب التي تراجعت جميعها. وأبرز دومو أن هذا التحول السوسيولوجي يمكن أن يصبح عنيفا وأن ينحرف عن الوسائل التقليدية للاحتجاج والمطالب إذا لم تكن هناك إجراءات وإصلاحات ضرورية، لأن من شأنه أن يهدد استقرار المؤسسات وأن ينحرف عن الوسائل التقليدية للاحتجاج والمطالب.

وشدّد الأستاذ الجامعي على أن المناخ الذي يعيش فيه المغرب اليوم يتميز بوجود إشكالين اثنين، الأول يتمثل في معضلة اقتصادية مرتبطة بضمان عيش المواطن، والثاني مؤسساتي، يتعلق بضعف القدرة المؤسساتية عند للدولة، ولاسيما الدولة المجالية المتواجدة داخل الأقاليم، أمام الدولة المركزية، رغم الموارد التي تمت تعبئتها لفائدتها التي تنعدم آثارها على المواطن. وانتقل دومو لتعريف النموذج التنموي، الذي وصفه بكونه تنظيما اقتصاديا للأنشطة الاقتصادية مبنيا على منظومة منسجمة، كما هو الحال بالنسبة للنموذج التنموي الرأسمالي الذي يقوم على منظومة ليبرالية متجانسة، مشيرا إلى أن هناك مدارس أسست لهذا النموذج كآدم سميث وريكاردو .. إلخ، إلى جانب النموذج التنموي الاشتراكي الذي نظّر له كارل ماركس ولينين، ليخلص المؤطر إلى أن المنظومة المذهبية التي بني عليها المغرب غير منسجمة، لأن اقتصاده فيه شيء من الليبرالية وكثير من اقتصاد الريع، المركّب من ما قبل الرأسمالية وما بعدها، مؤكدا أن تحليل الواقع المغربي عبر المذاهب يصعب الأمر، إذ نجد اقتصادا مركبا وليس منسجما فيه رأسمالية ليبرالية وكنزية واقتصاد الريع، موضحا كيف أن هناك تعددا للمصالح الفئوية، وبأن طبيعة السياسات العمومية تغذي اقتصاد الريع، مستدلا على ذلك بأمثلة من قبيل التحفيزات العقارية « 14 مليارا» الممنوحة للمقاولات العقارية والفلاحية، وكيف أن نسبة 20 في المئة من مساحة الدارالبيضاء بنيت باعتماد الاستثناءات، وفقا لتقرير المجلس الأعلى للحسابات، إلى جانب معضلة قانون الصفقات والشركات المستفيدة من الصفقات الكبرى، دون إغفال الشقّ المتعلّق بالرخص، إذ أن عددا من القطاعات لا يمكن ولوجها إلا برخصة، وبالتالي فالاستفادة، يشدد المتدخل، هي خارج قواعد السوق المتمثلة في المنافسة وتكافؤ الفرص، مؤكدا أننا أمام اقتصاد فيه فئات متعددة ومتناقضة.

وأوضح الخبير الاقتصادي أن الدفاع عن نموذج تنموي جديد سيكون بناء على الإديولوجيات أمام اللجنة المختصة، وبأن التوافق في هذه المواضيع غير ممكن مما سيؤدي إلى عقم في الإصلاح والتوجه نحو التحكيم السياسي، مشيرا إلى بعض الحالات التي كان فيها التحكيم الملكي، حيث توقف عند مخطط المغرب الأخضر وإصلاح الجهوية، هذه الأخيرة التي كانت بين مقاربة مركزية تؤكد ضرورة تقوية دور الدولة لأن المنتخبين غير ناضجين وغياب كفاءات محلية، في حين هناك توجه ثان يرى أن نمط اقتراع جديد سيمكّن من توفير نخب كفؤة وبالتالي تقوية الدولة الترابية، مشيرا إلى أن الإصلاح فشل في عدد من الحالات بسبب مقاومة المركز. وشدد دومو على أن اقتصاد الريع تغذيه السياسات العمومية وبأن العوامل التي تعيق تطور الاقتصاد المغربي هي مؤسساتية وسياسية، لأن طبيعة السياسات العمومية القطاعية هي التي تغذي اقتصاد الريع، مؤكدا أنه يجب تفكيك اقتصاد الريع من أجل اقتصاد للسوق يضمن تكافؤ الفرص والمنافسة، مشيرا إلى أن هناك شركات محمية لن تبحث ولن تبتكر لغياب المنافسة، مبرزا كيف أن تركيا من خلال اتفاقية التبادل الحر ألحقت ضررا بالقطاع الصناعي في الصناعات الغذائية والنسيج والجلد، بسبب غياب اقتصاد تنافسي يقوم على الابتكار والتجديد، وهو ما يفرض تغيير طبيعة السياسات العمومية.
وأكد دومو أنه درس الأنظمة التحفيزية التي وضعتها الدولة في كل القطاعات، ووقف على أن هناك أنظمة تحفيزية أقوى من أنظمة أخرى بل وتفرغها من محتواها، مشيرا إلى أن قطاعات العقار والفلاحة والسياحة والفندقة والمطعمة والتأمين والخدمات أفرغت قطاع الصناعة من محتواه، وأكد أن الرأسمال المغربي رأسمال عقاري مبني على الفلاحة والخدمات، لا على الاقتصاد الصناعي، وبالتالي لا يمكن بهذه السياسات العمومية التي تشجع العقار والفلاحة أن يتوجه المغاربة للصناعة. وأبرز المتحدث أنه على امتداد 20 سنة، لم يتمكن القطاع الصناعي إلا من خلق 32 ألف منصب شغل صافية فقط، وبأن الأهداف المعلنة وهمية وبعيدة عن الواقع، وبأنه لا إقلاع اقتصادي دون تصنيع، وبالتالي لا بد من إزالة آليات التحفيز التي وصفها بـ «الرضّاعة» الممنوحة لبعض الفئات، وتوسيع هامش تكافؤ الفرص والتنافسية والابتكار، والقطع مع الاستثناءات، ومراجعة قانون الصفقات ووقف العمل بالرخص في القطاعات المحمية، للعمل على تفكيك اقتصاد الريع وإنعاش اقتصاد السوق، مؤكدا على أن الاتحاد الاشتراكي قدّم إجراءات عملية ملموسة بخصوص مقترحاته حول مشروع النموذج التنموي الجديد.
بعد ذلك انتقل المؤطر للحديث عن الإشكالية الثانية بعد إصلاح الاقتصاد والمرتبطة بالخدمة العمومية في المغرب، التي أكد أن لها كلفة باهظة وتفتقد للجودة ولا ينعكس وقعها على المواطن في مجال الصحة والتعليم والنقل وغيرها، مشددا على أنه بالرغم من تعبئة الموارد إلى أن الآثار غير ملموسة، مشيرا في هذا الصدد إلى الدور الذي قام به الاتحاد الاشتراكي خلال الفترة ما بين 2000 و 2008، ومنوها بسياسة الأخ فتح الله ولعلو في تحسين تدبير المالية العمومية التي عرفت قفزة نوعية خلال هذه الفترة وتطوير الموارد الجبائية للدولة، إذ انتقلت لأول مرة في تاريخ المغرب من 90 إلى 180 مليار، مما ساهم في الانخراط في العديد من الأوراش الكبرى وإنجازها وتطوير مجموعة من البنيات التحتية، موضحا كيف أن 17 في المئة من الناتج الداخلي خصص للاستثمار العمومي لإحداث الطرق السيارة والمطارات وبنيات تحتية متعددة، مبرزا أن وقع الاستثمار العمومي اليوم يتّسم بالضعف داخل المجالات الترابية، وهي الإشكالية التي يجب على المغرب معالجتها، لأن السياسات العمومية لها بعد واحد وطني لكنها تطبق بنفس الشكل في جميع المجالات الترابية، ولا تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المجالية الترابية المحلية والجهوية، وهو ما يتطلب تقوية الدولة المجالية القادرة على إيجاد حلول، انطلاقا من واقعها المجالي، والتي لن تأتي من الدولة المركزية.
وتحدث دومو عن صلاحيات الولاة والمناديب الجهويين، التي تظل محدودة أمام سلطات المركز، مشيرا إلى أنه حتى في الخطوة التي يرى فيها البعض تقدما من خلال تحويل صلاحية الأمر بالصرف من الوالي إلى رئيس الجهة، فإن المتحدث رأى فيها انحرافا، مستدلا على ذلك بما وقع في النموذج الفرنسي، وإغراق المؤسسات بالموظفين عوض تدبيرهم تدبيرا عقلانيا، واستنزاف الميزانيات في الأجور، في حين أنه يجب أن توجه لخدمة الساكنة المحلية والإجابة عن احتياجاتها، مؤكدا أننا سنصبح أمام بيروقراطيتين خلافا لبيروقراطية واحدة، موضحا أن الجهات كلها تُرصد لها 2 في المئة من الموارد الموجهة للاستثمار العمومية و 8 في المئة لباقي الجماعات الأخرى، بينما 90 في المئة هي في يد الدولة، وبالتالي فمحاسبة المنتخب، بحسب دومو، فيه ظلم لأن لديه مسؤولية سياسية وليست له صلاحيات إدارية وإمكانيات مالية لكي يكون الحساب معقولا بالنظر إلى أن الوزارات مركزيا هي التي تنفذ، أما رئيس الجماعة فلديه مطالب كبيرة وإمكانيات محدودة، وهو ما يمكن وصفه بالحيف في طبيعة النظام الترابي الذي يعاني من ازدواجية مؤسساتية مقتبسة من فرنسا وتعطينا هذه الضبابية والأزمة.
وفتح المتحدث قوسا بخصوص مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، مشيرا إلى أن المشروع المقترح من طرف المغرب لحل إشكالية الصحراء مبني على النموذج الكاطلاني، الذي فيه مواطنون ينتخبون برلمانا أغلبيته تعطي جهازا تنفيذيا، أي حكومة جهوية في إطار وحدة وطنية لديها استقلالية في تدبير التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة، هذا النظام في إسبانيا وإيطاليا، بحسب دومو، يتسم بوحدة المسؤولية السياسية والإدارية وليس هناك أية ازدواجية، مؤكدا أن الخطورة في المستقبل تكمن في أن مغاربة سيخضعون لنظام فيه مساءلة سياسية موحدة، في حين أن نصف المغرب الآخر سيبقى تابعا للنموذج الفرنسي الذي فيه ازدواجية، وهو ما يعني الاستمرار في العيش في ضبابية، مقابل آخرين سيعيشون في وضوح، وبالتالي فالجهات اليوم يجب إصلاحها حتى تقرر مشاريع لصالح المواطنين ويكون لها مخاطب واحد، قد يكون واليا أو أي تسمية يمكن منحها له، حيث يتم العمل على تقديم السياسات العمومية التي تناقش ويصادق عليها وتتم مراقبة التدبير، في حين أن الوكالات التي تم إحداثها تساعد في التتبع والتقييم، لكي لا تتم إضافة إدارة أخرى ويكون هناك تصور واحد منسجم لجهات باستقلاليات بنسب مختلفة لكن بنظام موحد، وأشار دومو في هذا الإطار إلى أن الإدارات في المغرب في ارتباط بموضوع الجهوية، رفضت أن تمنح الصلاحية للوالي، وكل إدارة تشبثت بمندوبها، وهو ما يعني وجود مقاومة وبأن إشكال المركز سيتحول إلى الجهات، مما دفع الحزب إلى التقدم بمقترح من أجل محاولة لتجميع المسؤولية الترابية عند ممثل واحد للدولة، لربح الوقت وتبسيط المساطر.
وجدير بالذكر أن هذا اللقاء افتتحه سعيد الفهري، الكاتب الإقليمي عين الشق -الفداء بتوجيه كلمة ترحيبية بالضيوف والمؤطر، مبرزا أنه يندرج في سياق الاحتفاء بالذكرى 60 لتأسيس الحزب وكذا تخليد الذكرى 28 لوفاة الفقيد عبد الرحيم بوعبيد، في حين تكلّف بتسيير اللقاء، أحمد الحمزاوي. وعرف هذا النشاط تفاعلا من قبل المناضلات والمناضلين الحاضرين الذين ساهموا بأفكارهم وتدخلاتهم في إثراء النقاش.

الكاتب : وحيد مبارك تصوير: عبد النبي الموساوي

 

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

 فرع الحزب بأكدال الرياض ينظم ندوة حول «الدولة الاجتماعية الآفاق والتحديات»

الاستاذ إدريس لشكر: لابد من لائحة وطنية تضم «امرأة ورجل» لتطوير أداء المؤسسة التشريعية

من المؤتمر الإقليمي لبرشيد : الكاتب الأول إدريس لشكر: النظام الجزائري تبنى قضية خاسرة لأن وحدة الشعب المغربي لا غبار عليها

الكاتب  الأول إدريس لشكر يدعو إلى الإنصات إلى كافة التعبيرات السياسية وتمكينها من حق الممارسة باحترام ثوابت البلاد والاختيار الديمقراطي