عبد السلام المساوي

-1 مدخل منهجي وسياسي
هذه الظرفية تحتاج لرجل السياسة، تحتاج لكامل مهاراته التواصلية، فالسياسي لا يتكلم فقط عندما يريد أن يطلب الأصوات أو يقلل من شأن خصومه أو ينسج التحالفات، السياسي يتكلم أيضا ليرفع الغموض لا ليزيد الوضع تعقيدا… هذا السياسي هو الذي نجده اليوم في أرضية الأستاذ إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي.
فالسياسي الذي احتاجه المغرب والمغاربة، هو ذاك الذي يخطب في الناس لطمأنتهم، القائد الملهم والزعيم ذو الكاريزما الذي يستطيع أن يحول الأرقام الميتة إلى آمال وأحلام وطموحات ترقص بهية أمام جمهور مكتئب.
ليست وظيفة السياسي أن يزيد الصورة المكتئبة اكتئابا ولا أن يتفنن مع الوباء أو يتنافس معه في رسم الصور الأكثر قتامة. كورونا هي زعيمة الشعبوية والعدمية هذه الأيام وبلا منازع. والأفضل للسياسيين اليوم لو بحثوا عن بضاعة أخرى تنعش الأمل في قلوب الناس، وطرح أرضية سياسية تقرأ الواقع، تستشرف المستقبل وتقوي مناعتهم…
يقول الأستاذ إدريس لشكر «يعيش العالم بأسره، لأكثر من ثلاثة أشهر متواصلة، حياة الانعزال والحجر الصحي من أجل محاصرة جائحة «كورون-كوفيد 19»، وقد اختارت معظم الحكومات إعلان حالة الطوارئ والصرامة في تطبيق التدابير والإجراءات الإحترازية.
إنها تجربة مجتمعية وإنسانية غير مسبوقة استدعت مني أن أشتغل على الواقع كما نعيشه جميعا ببيوتنا. إنني أتقدم هنا بمساهمة أتمنى أن تتلوها مساهمات أخرى تعمل على تغذية الحوار الحزبي، كما أتوخى من خلالها إطلاع الرأي العام الوطني وعبره كل المشهد الحزبي على التصور الذي سأقترحه…»
سأقف هنا بنوع من القراءة والتفكير، بنوع من النقاش والحوار، على مجموعة من الأفكار والأطروحات، من الاقتراحات والمواقف التي طرحها الأستاذ إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي في هذا الزمن الصعب والعصيب، أ طروحات تخص موضوع الساعة: جائحة كورونا وتداعياتها المباشرة على بلدنا وعلى العالم، وآثارها البعيدة المدى على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والجيوسياسية… واعتمد هنا الأرضية السياسية التي طرحها الأستاذ إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي…
قلتها مرارا وسأكررها؛ حديث الأستاذ إدريس لشكر في هذه الأرضية، كما في أحاديث وأدبيات سابقة، حديث متماسك وقوي، تحكمه وحدة الفكر ووحدة الرؤية…. مؤسس على ثوابت مبدئية وقناعات سياسية… تحكمه آلام المرحلة وآمال المستقبل…
حديث  أصيل ومتأصل يجمع مكوناته ناظم مشترك ويحكمه مبدأ أساسي؛ مبدأ الانتماء إلى الوطن والانخراط القوي في حمايته..
حديث عقلاني، بعيد عن قلق وارتباك اللحظة، حديث عقلاني واعي وهادف يحاصر الشعبوية التي تروم السيطرة على الوجدان بخطاب عاطفي مغالطي والذي تأثيره مؤقت في الزمان والمكان…
حديث متناسق منطقيا وواقعيا، حديث عميق لأنه يأتي في سياق وضعية حرجة وعسيرة…
إ خطاب الأستاذ إدريس لشكر، هذه المرة، كان خطابا مختلفا، كان خطابا استثنائيا في ظرف استثنائي… الكاتب الأول لم يتحدث كزعيم الاتحاد الاشتراكي فقط، فلم تشغله هموم الحزب، لأنه كان مسكونا بهم أكبر هو هم الوطن… وضع انتماءه الحزبي «بين قوسين» ليتحدث كزعيم وطني يهمه مصير هذا الوطن ويهمه مصير أبناء هذا الوطن…
لقد طرح الأستاذ إدريس لشكر قضايا الساعة بكثير من العمق في التحليل، والوضوح في الرؤية، والواقعية في التشخيص، والشجاعة الفكرية والسياسية في المواقف من الدولة والمجتمع والحزب…
لم ينح الكاتب الأول في حديثه إلى الرأي العام منحى الغموض والتبرير ونصف المواقف. لم يختر الهروب من الحقيقة ولا دغدغة المواقف، ولم يسع في أية لحظة إلى تمرير موقف سياسي حزبوي، ولا تصفية حسابات مع أية جهة… وما ذلك بغريب من اتحادي أصيل تشرب قيم السياسة النبيلة على يد معلمنا الأول في الوطنية فقيدنا عبد الرحيم بوعبيد. وما ذلك بغريب من مناضل رضع الوطنية في معبد الشجعان، في مدرسة الاتحاد الاشتراكي.
إن زمن «الكورونا» زمن انهيار المطلقات واليقينيات. فلا أحد  يملك أجوبة جاهزة، لا أحد يملك أجوبة يقينية للأسئلة المطروحة؛ لا أحد اليوم يمتلك وصفة جاهزة، لتقديم حلول الخروج من هذه الأزمة وآثارها على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبشرية. والأستاذ إدريس لشكر بدوره يطرح أرضية للتفكير منطلقا من التشخيص الواعي للوضعية، ومن «التحليل الملموس للواقع الملموس.»
إذن الاستاذ إدريس لشكر في هذه الأرضية،  لا يقدم الإجابة بالحسم وخصوصا ما يتعلق بالتنبؤات والمصائر. هناك الكثير من الأحكام اليوم. فنظرا لهول ما يحدث، تولدت جملة من الأحكام والتقييمات بخصوص عدد من الأشياء… وهناك تفسيرات تذهب إلى حد التخيلات بل هي أقرب إلى الوساوس لأن فيها بعدا وسواسيا، نظرا لقوة الحدث وسلطته وللرعب والذعر الذي أحدثه، ويمكننا اليوم أن نتحدث عن «ذعار» أصاب الإنسانية جراء  هذه الجائزة..
الأستاذ إدريس لشكر يتحفظ في إصدار الأحكام القطعية والحاسمة وتبقى أحسن طريقة هي تقديم أرضية سياسية  للنقاش الجدي والحوار المسؤول… إنها مبادرة سياسية جريئة من زعيم سياسي مغربي؛ مبادرة جاءت لتملأ الفراغ وتكسر الرتابة والغياب الذي استغرق الفاعلين السياسيين ببلادنا… مبادرة جاءت في اللحظة الحرجة التي ضاقت بهراءات الشعبويين، أولئك الذين أرادوا أن يجرونا إلى معارك سخيفة ومشاكل عابرة او وهمية… أرضية جاءت لتنبه الفاعلين السياسيين بمهمتهم في هذه اللحظة الأنطولوجية والمصيرية؛ وهي إنتاج الأفكار والرؤى المؤسسة على الوعي الصحيح بالواقع والمستشرفة للمستقبل…
الشيء المؤكد هو حدوث انكسارات وقطائع بين عالمي ما قبل وما بعد الكورونا، والشيء المؤكد الثاني هو التسارع المهول للتاريخ بمختلف أصعدته التقنية والاجتماعية، وما عدا ذلك هو بمثابة ضرب أخماس في أسداس ونوع من الرقية التاريخية على مدى زمني واسع، وذلك لأن أحكام القيمة (وبخاصة منها الأحكام السيكولوجية والأخلاقية) تختلف نوعيا عن أحكام الواقع….
يقول الأستاذ إدريس لشكر في الأرضية «لقد ظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ينهل من الفكر الاشتراكي الديموقراطي معتبرا إياه بديلا حقيقيا عن الليبرالية المتوحشة التي تتبنى القضاء على أي تدخل للدولة…»
آن الاتحاد الاشتراكي بأن الاشتراكية الديموقراطية هي البديل الضروري لمعالجة الاختلالات الاجتماعية، وإحدى مداخل الحداثة واستدراك التأخر التاريخي، فالاشتراكية ترتبط بالفضاء العقلي للحداثة، ومن هنا، آمن الاتحاد الاشتراكي، بضرورة تحيين الاشتراكية كمثال بفك ارتباطها بنماذج معينة وبالحفاظ على الشحنة الفكرية التي قامت عليها، أي التشبث بالأرضية الحداثية الثقافية للاشتراكية وخلفياتها الفلسفية الأنوارية….
الاتحاد الاشتراكي قوة دفع تقدمية، يسارية اجتماعية – ديموقراطية تروم إصلاح وتطوير الأوضاع، والمساهمة في رسم خطوط المستقبل، ومناط تحول في المجالات كافة، السياسية والمؤسساتية والاجتماعية والثقافية….
وإذا كان الاتحاد الاشتراكي أداة إصلاح وتغيير في الحاضر ومناط تطوير وتحديث في المستقبل، فإن قدراته السياسية والفكرية على التكيف والرؤية البعيدة، ومؤهلاته النضالية والميدانية، لتجعل منه قوة فاعلة في حاضر البلاد ومستقبلها، كما كان وقود نضال وتغيير في الماضي…
أن الاتحاد الاشتراكي هو القوة المجتمعية الأكثر انفتاحا وتأهلا للمساهمة بفعالية، في إنجاز الأوراش الإصلاحية، على قاعدة الجدلية الحية القائمة بين الإصلاح والاستقرار، في إطار مجتمع متماسك، متضامن ومتطور…
وفي هذا السياق الذي تحكمه إرادة المبادرة، لا انهزامية الانكفاء، تندرج أرضية الأستاذ إدريس لشكر التي تقارب مجالات حيوية لصيقة بمعيش أفراد الشعب، سواء في المجال الاجتماعي أو في المجال السياسي والمؤسساتي…
ولسنا في حاجة إلى تذكير دعاة التشكيك في القدرة اللامحدودة للاتحاد الاشتراكي على كفاءته العالية في التكيف الإيجابي والمنتج، مع حقائق البلاد، ومع مستجدات محيطها القريب والبعيد…
2- تشكيل كتلةوطنية لا تستثني أحدا
إن الوضع الحالي الذي تمر منه البلاد يستدعي تظافر كل مكونات الشعب المغربي، ولا مجال للمزايدات والخلافات السياسية والحزبية الضيقة…
يقول الأستاذ إدريس لشكر في الأرضية التوجيهية «إن الخطة الوطنية المتعددة الأبعاد والتي انخرط فيها الجميع منذ اليوم الأول لم تكن لتتحقق على أرض الواقع لولا التدخل المسؤول للدولة وثقة المواطن في المؤسسات الوطنية، إنه التناغم بين الدولة بمختلف مؤسساتها وسلطتها التنفيذية والتشريعية والقضائية التي تحمي حياة ومصالح مواطنيها، والمجتمع الذي يلتزم بقرارات وإجراءات مؤسساته.
يجب الحفاظ على هذه اللحمة وحمايتها من أي تشويش لأننا أمام فرصة تاريخية قل ما تتاح للأمم، فرصة إعادة البناء على أسس سليمة، فرصة ترسيخ المكتسبات وتقوية الخصوصية المغربية. فنحن أمة واحدة متعددة الروافد، متشبثة بالعيش المشترك، متمسكة بثوابتها الدستورية. إن هذه الروح هي التي سهلت على الحكومة تدبير الأزمة وأبرزت تناغما وتنسيقا قل نظيره في عمل مختلف قطاعاتها. هذا الرصيد لا يجب هدره بسبب تجاذبات أو حسابات سياسية ضيقة قد تعصف بمصلحة البلاد.(….)
لا مجال للذاتية كيفما كان نوعها. إذ علينا اليوم أن نشكل كتلة وطنية لا تستثني أحدا (أغلبية ومعارضة، أحزابا ونقابات، جمعيات وأفراد…)، وأن نكون جهة متراصة لتقديم التضحيات اللازمة من أجل الخروج من هذه الأزمة..»
إن كل حديث عن كتلة ديموقراطية أو تقاطب إيديولوجي يساري أو يميني… هو حديث شارد… ما نحتاجه اليوم هو كتلة وطنية بيمينها ووسطها ويسارها؛ كتلة وطنية بقيادة جلالة الملك، كتلة وطنية تنخرط بوعي ومسؤولية، تنخرط موحدة لمواجهة هذه الجائحة التي تهدد الوطن والمواطن…
فما حدث بالمغرب هو استجماع الوعي السياسي سواء من طرف جميع النخب، الثقافية والسياسية والاجتماعية. بدأ الوعي الجماعي يتشكل والتواصل بين مختلف أشكال الوعي، وهذا ستكون له انعكاسات إيجابية على التجربة التاريخية المقبلة على مستوى التعاون السياسي، والتعاون بين النخب، والتعاون الثقافي والعلمي لأن صداه التاريخي سيكون إيجابيا  فالخطر يوحد ويبلسم الجراح.
الصراعات السياسية تترك آثارا وجروحا وتجعل الأحقاد السياسية والاجتماعية تتراكم، وهذا طبيعي حين يحدث في فترات السلم العام، لكن في لحظات الخطر والتهديد، الجميع يلين مطالبه واحتجاجاته وتقييماته السلبية.
المغرب اليوم أظهر، وفي لحظات سابقة، أنه يمكن في لحظات معينة، أن يتلاءم فيه الوعي الاجتماعي والسياسي لتقديم المصلحة الجماعية على المصالح الفردية.
يمكن القول أن مفعول الحدث الصادم سيكون مبلسما للوعي التاريخي المغربي نحو مزيد من التفاعل، ونحو مزيد من عقد اجتماعي أكثر عدالة وأكثر تسامحا وانفتاحا.
إنه أول امتحان حقيقي يمر منه المغرب في العهدالحالي. هناك هبة حقيقية إذا تم استغلالها على الوجه الأصح فيمكن أن تعيد الثقة للمغاربة، لأن هذا الإجماع على إنقاذ المغاربة والمغرب قد يكون، في حال الاستفادة منه، بداية إقلاع حقيقي نحو البناء. فما كان ينقص حتى الآن هو هذا الانخراط في المسؤولية الجماعية. كيف يمكن تحويل كل هذا إلى مشروع مجتمعي؟ بما أننا في الحجر الصحي يمكن التفكير مليا في ما يمكن أن نمنحه لهذا البلد..
«دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن»
إن المغرب اليوم في محك حقيقي، أثبتنا فيه بالفعل أننا دولة قوية تحترم المؤسسات سواء في صيغتها الدستورية أو القانونية، وأن عملية تنزيل وتطبيق الحجر الصحي كانت نموذجا واضحا في الثقة، ودليلا على أن هناك تجاوبا مطلقا ما بين المؤسسات ومكونات المجتمع المغربي…
إن التحرك الاستباقي للمغرب في تعامله مع الوباء كان صائبا، بل هو نموذج يثني عليه العديدون في أقطار المعمور، غير أن كل هذا ليس مبررا لسبق الأمور. فالنصر لن يكون سوى بالتحكم التام والشامل والنهائي في الفيروس والقضاء عليه.
المشكل لم ينته بعد، والوباء مايزال يتربص بالبلد والناس. يجب أن تطبق الحظر في أقصى درجاته… اليوم اكثر من أي وقت مضى.
يقول الأستاذ إدريس لشكر في الأرضية التوجيهية «كاشتراكيين ديموقراطيين، جعلنا شعار مشروع النموذج التنموي الجديد لحزبنا الذي أعلنا عنه بعد مشاورات ومداولات داخلية في ندوة دولية في أبريل 2018: «دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن». واليوم وبلادنا على المحك، يعي الجميع معنى الدولة القوية العادلة: دولة ذات مصداقية تحرص على تحمل مسؤولياتها والوفاء بالتزاماتها ومهامها كيفما كانت كانت الظروف. ويعي الجميع معنى المجتمع الحداثي المتضامن: فئات مجتمعية متضامنة فيما بينها بغض النظر عن انتمائها الطبقي أو الفئوي أو الجغرافي أو النوعي.»
ويقول الأستاذ إدريس لشكر في ذات الأرضية «فمع البدايات الأولى لانتشار جائحة «كورونا»، جسدت الدولة المغربية بقيادة جلالة الملك طابعها الاجتماعي أكثر من أي وقت مضى، وبشكل جعل بلادنا مضرب الأمثال في مختلف أقطار العالم.
لقد كان للمبادرات الملكية عظيم الأثر في تجنيب بلادنا مآس غير محسوبة العواقب. فقد تفاعلت الدولة المغربية مع تقارير المنظمات الدولية (منظمة الصحة العالمية، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة الأمم المتحدة) بكل عقلانية ورصانة، فتوالت المبادرات الملكية بقيام جلالة الملك باستعمال كل ما منحه الدستور من صلاحيات، سواء على مستوى إمارة المؤمنين، أو رئاسة الدولة، أو القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، لإطلاق المبادرات اللازمة للحد من انتشار الفيروس، الشيء الذي سهل انخراط كل مكونات المجتمع لمكافحة هذا الداء والحد من تبعاته، كل من موقعه.
لقد اختارت الدولة المغربية الإنسان على أي شيء آخر. والسلطة بينت على علو كعبها وجندت كل أطقمها تلبية لنداء الوطن. وجنود المواجهة من أطقم طبية وصحية وأمن ودرك وقوات مساعدة وجيش، كل هؤلاء دخلوا المعركة بإقدام وشجاعة ومسؤولية وطنية عالية. ما تبقى هو في يد المواطنين الذين عليهم أن يمتثلوا بتعليمات الخطة المتبعة ويلزموا بيوتهم ويساهموا في هزم العدو بعزله ومنعه من الانتشار.
ولنا أن نفخر بقرار إنشاء «الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا كوفيد-19» لتغطية النفقات الطبية، وتأهيل الآليات والوسائل الصحية، ودعم القدرة الشرائية للأسر، ومساعدة القطاعات الاقتصادية المتضررة والحفاظ على مناصب الشغل. صندوق فاقت مداخيله كل التوقعات، حيث تجاوزت 33 مليار درهم (3% من النتاج الداخلي الإجمالي)، بفعل الحس الراقي المتضامن الذي أبانت عنه كل مكونات الشعب المغربي، كما أحدثت «لجنة اليقظة الاقتصادية» لمواكبة انعكاسات الوباء والمبادرة بالإجراءات اللازمة لمعالجتها.»
من بين حسنات فيروس «كورونا» أنه أعادت للمغاربة الثقة في الدولة، فالمغاربة تأكدوا أن هناك دولة تحميهم، بعدما لاحظوا أن المغرب نجح إلى حد كبير في تدبير الأزمة، كما لاحظوا أن الملك محمد السادس اتخذ قرارات هامة تهدف إلى حماية من فقدوا وظيفتهم، قرارات ستحمي الشركات التي قد يتعرض بعضها للإفلاس بعد الشلل الاقتصادي الذي أصاب عددا من دول العالم، ومن المؤكد أنه أصاب الاقتصاد المغربي أيضا.
المغاربة فهموا أيضا بعد أزمة «كورونا» الدور الكبير الذي تلعبه المؤسسات، ولو بإمكانياتها البسيطة، وأن دور الدولة ليس هو فقط تحصيل الضرائب من جيوب المواطن البسيط والفقير، ولكن أن تقف إلى جانبه أيضا في وقت الأزمات.
المغاربة عرفوا أيضا الأدوار التي يقوم بها الأمن في التوعية والتحسيس وحماية حياة المواطنين، كما عرفوا أن المغرب يمكنه أن يكون مستقلا عن الدول الأوروبية في تدبير شؤونه الخاصة، وفي حماية مواطنيه وأنظمته على حد سواء، فلا مجال لأي جهة خارجية اليوم أن تزايد علينا. صحيح أن وسائل المغاربة وإمكانياتهم بسيطة، لكن الدولة بمؤسساتها وشعبها نجحت في كل الأحوال في تدبير الأزمة، بقدر المستطاع.
اليوم الدولة أظهرت  دورها كدولة رعاية وكمؤسسة تمثل وعي وضمير ومسؤولية المجتمع، وهي في موقع القيادة ولهذا ظهر وجهها الآخر الذي يخصص إمكانيات مالية…
وهنا لا يمكن أن ننسى المجتمع الذي برزت فيه مظاهر جديدة من التضامن والقيم التي كانت تتضاءل من قبل. لقد اكتشف المغاربة الجانب الإيجابي في بعضهم البعض، من خلال العديد من تمظهرات قيم التضامن على كافة المستويات.
اليوم برزت قيم التضامن بسخاء، وهذا شيء جميل تذكر به لحظات رهيبة ثمنها الغالي، هذه طبيعة التاريخ، كثيرا ما يقلب ظهر المجن، ويظهر لنا وجوها مختلفة حسب الظروف.
اليوم هناك استجابة المجتمع والدولة والأفراد، وهنا وجه جديد للمغرب وللمغاربة أخذ في التشكل وإن كانت كل التحولات تتم ببطء وتتشكل تدريجيا، أعتقد أن هذه المسألة ستغني الوعي التاريخي المغربي، وستجعل المغربي يفصل ويميز بين أبعاد الصراع وأبعاد التضامن، يمكن أن نسميها «الأبعاد الإيجابية».
اليوم التاريخ يتيح ازدهار وتنامي وتطور هذه الأبعاد الإيجابية الكامنة في عمق الكائن البشري.
وهنا نذكر بما جاء في المذكرة التي قدمها الاتحاد الاشتراكي للجنة النموذج التنموي الجديد، والتي كانت بعنوان «دولة قوية عادلة ومجتمع حداثي متضامن»؛ «ولعل أهم استخلاص يمكن الوقوف عنده يرتبط بالرؤى والآليات العامة المعتمدة في تفعيل المشروع التنموي على أوسع نطاق، وخاصة على مستوى تحديد مهام وأدوار الدولة في المسار التنموي الشامل. وهنا، لابد من الإشارة إلى منظورنا لدور الدولة التي لا نريدها وفق مبادئنا الاشتراكية وموقفنا المعارض لفكرة تحطيم الدولة، أن تكون «جهازا حارسا» يسمح للصراع الاجتماعي واقتصاد السوق بالتحكم في مصير البلاد. فالدولة التي نريد غير محايدة تقوم بدور تحفيزي واجتماعي لصالح الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا في المجتمع من خلال توفير شروط العيش الكريم والحماية الاجتماعية العادلة والمنصفة. أننا مع الدولة الداعمة للتخفيف من حدة آثار العولمة في إنتاج المزيد من الفقر والهشاشة في ظل غياب تنافسية الاقتصاد الوطني القادرة على تحقيق التوازن الاجتماعي.
يتبع

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..