جعل الاتحاديون تاريخ 29 أكتوبر من كل سنة يوما غير عادي في تاريخ  حزبهم، بل في تاريخ الوطن ككل، لكن هذه السنة اتخذوه عرسا نضاليا يفتح كل الأفاق المفعومة بالآمال  من أجل غد أفضل للشعب  المغربي قاطبة تحت شعار «الأفق الاتحادي .. المصالحة والانفتاح».
انه يوم مشهود في تاريخ هذه الأمة، محفور في الذاكرة الوطنية المضمخة بالدم والأمل في الوقت نفسه.
لقد أبى الاتحاديات والاتحاديون الآن أن يخلدون الذكرى الستين لتأسيس حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في نفس اليوم الذي تم فيه اختطاف واغتيال عريس الشهداء المهدي بنبركة بباريس،أن يجعلوا هذا التاريخ يوما للوفاء ومواصلة العهد والسير  على طريق الرموز والقادة الكبار للحزب لرجالات الدولة الاتحاديين الذين صنعوا التاريخ المغربي المعاصر، ورصعوا صفحات مجيدة بكامل الفخر والاعتزاز في سجل تاريخ هذا الوطن الأبي.

حول الاتحاديات والاتحاديون الذي حجوا من كل  ربوع المملكة أول أمس، فضاء المسرح الوطني محمد الخامس لعرس نضالي تلاقت فيه كل الفعاليات السياسية والفكرية الحقوقية والنسائية الشبيبية  المنتسبة للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لعزف سمفونية واحدة، تحت شعارها الوحيد: «المصالحة والانفتاح»، لتجديد الأفق الاتحادي حتى يستعيد الحزب وهجه السياسي والمجتمعي، لكسب رهانات المستقبل والاستحقاقات القادمة، وبالتالي خدمة الوطن وسائر مكونات الشعب المغربي اجتماعيا واقتصاديا وتنمويا.
في هذا اليوم المجيد، ليشعركل الاتحاديين بدماء جديدة تتدفق في عروق الاتحاد الاشتراكي، دماء ممزوجة بدماء رجال المقاومة وجيش التحرير والحركة الاتحادية الأصيلة، المنافحة عن الطبقات الشعبية المسحوقة، دماء ممزوجة بالنضال والكفاح من أجل بناء وترسيخ الديمقراطية بالبلاد، وإقرار دولة المؤسسات والحق والقانون وحقوق الإنسان.
كانت –فعلا-لحظة مؤثرة تقشعر لها الأبدان، حين صدحت حناجر الاتحاديات والاتحاديين بالنشيد الرسمي للحزب «اتحادي اتحادي نحن ثورة على الأعادي» .وقد لعبت الشبيبة الاتحادية دورا حاسمة في زعزعة جنبات المسرح الوطني بأصواتها الشابة، بترديد هذا النشيد، بالهتافات والشعارات الاتحادية التي بدورها أصبحت شعارات تاريخية وملهمة تناقلها العديد من الهيئات والمنظمات، وأصبحت ترددها في وقفاتها واحتجاجاتها متناسية أن من أبدع في ذلك، هي الحركة الاتحادية.
«المصالحة والانفتاح»، بالنسبة للاتحاد الاشتراكي، لخصها ادريس لشكر الكاتب الأول للحزب، من خلال الكلمة المتميزة التي ألقاها أمام حشود الاتحاديات والاتحاديين، وضيوف هذه الذكرى المتمثلين في وزراء من الحكومة وأعضاء السلك الديبلوماسي وزعماء الأحزاب السياسية والأمناء العامين وممثلي المركزيات النقابية، والجمعيات النسائية والشبيبة والهيئات والمنظمات الحقوقية والجمعيات التربوية والثقافية، والهيئات المهنية، لخصها بقوله: «  إن المصالحة، في النهاية، ليست غاية في حد ذاتها، بل الهدف منها، إلى جانب الانفتاح، التوجه نحو أفق جديد لتقوية الجبهة الوطنية التقدمية، كسبا لرهانات المشروع الوطني الكبير في الإقلاع التنموي الشامل».
كان هذا اليوم استثنائيا بكل المقاييس،إذ طبعه شعور بالفخر والارتياح لدى الاتحاديات والاتحاديين، ليس –طبعا من حضر منهم فقط المسرح الوطني مسرح محمد الخامس بل كل الاتحاديين وكذا المواطنين الذي تابعوا هذا  العرس النضالي الذي يخلد هذه الذكرى، عبر وسائل الاتصال والشبكات الاجتماعية والمواقع الالكترونية.
وما أضفى على هذا الحفل نكهة خاصة، في بداياته، هو فتح الأذرع الاتحادية فيما بينها للعناق الحار والتصافح وشد الأيادي بعد سنين طويلة بين وجوه اتحادية لم تر بعضها البعض ، فهذا لا يقتصر على محور الدار البيضاء والبيضاء بل فعاليات اتحادية جاءت من المناطق البعيدة والمغرب العميق. لقد كانت لحظات جد مؤثرة يسودها إحساس عاطفي خاص وحماس كبير مشحون بنفحة الأمل في المستقبل.

ان التاريخ الاتحادي والذاكرة الاتحادية خلال الستين سنة الماضية، جزء من تاريخ هذه الأمة وتاريخ الشعب المغربي، لذلك، كان الاتحاديات والاتحاديون وكل ألوان الطيف السياسي والنقابي  المغربي في مستوى الموعد، في مستوى الحدث، وأكدوا حضورهم  في هذه الذكرى التاريخية .وقد جاء في كلمة الكاتب الأول «تاريخ الاتحاد ليس ملككم وحدكم وإنما يجسد جزءا من تاريخ هذه الأمة».
وتلقى هذا الحفل الحاشد الذي قدمه باقتدار كبير الإعلاميين الفنان رشيد فكاك، عددا من التهاني لحزب الاتحاد الاشتراكي بهذه المناسبة وفي مقدمتها، تهنئة الأممية الاشتراكية في شخص رئيسها لويس أيالا، وتهنئة من الكاتب العام للائتلاف التقدمي العالمي، وتهنئة من الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني، وتهنئة من الكاتب العام للحزب الاشتراكي البلجيكي، وتهنئة من الحزب الاشتراكي الكتلاني.
كان لافتا للنظر، حرارة العناق بين الاتحاديات والاتحاديين  والابتسامات المرسومة على الوجوه، التي تنشد  الآمال والطموحات الاتحادية التي كان الدفاع عنها بالإصرار وبقبضة من حديد   وبالكفاح المستميت والصبر والتجلد عند كل المحن والصعوبات وسنوات الجمر والرصاص وسلسلة من الاعتقالات والتعسفات، وقد أكد الكاتب الأول للحزب « أن ذاكرة الاتحاد، هي ذاكرة التحدي، وذاكرة الوفاء للتاريخ، والعمل المشترك، والحفظ على العلاقات…».
لم يكن سهلا أن يستمر الاتحاد الاشتراكية كحركة تحرير مطالبة في بدايتها بتحرير الأرض وتحرير الإنسان والديمقراطية والاشتراكية، كل هذه المدة ستين سنة التي تقاس بالتاريخ المعاصر لاستقلال المغرب. لقد صمد هذا الحزب في وجه كل العواصف الهوجاء وكل التيارات الجارفة، والحروب الصغيرة الصديقة وغير الصديقة، فهو كحزب عكس حركات التحرر العالمية والأحزاب السياسية العربية والعالمية الأخرى كحزب البعث السوري، والحزب الناصري المصري، وحزب البعث العراقي….لقد ظل الاتحاد صامدا  من أجل رفعة الوطن وقضاياه الحيوية بفضل مناضلاته ومناضليه الأوفياء والأبراروقياداته النيرة المتميزة بالحكمة والتبصر وبعد النظر بالرغم من الاختلافات في الرأي أو في قضايا معينة..وأن مسيرة الاتحاد الاشتراكي مسيرة طويلة وشاقة عززت مناعته وعدم الاستسلام للمخططات الدنيئة التي استهدفته، وأن حركات ومنظمات وأحزاب في العالم انهارت ولم يعد لها أثر، بينما الاتحاد الاشتراكي، ظل حاضرا ينسج مسيرته رغم الصعوبات والمعيقات والعقبات مؤديا ضريبة ثقيلة بكل المقاييس كما تؤكد تقارير هيئة الإنصاف والمصالحة ذلك.

لقد شكل الحفل لحظة للفرح والأمل والتوجه نحو المستقبل، وتجسد ذلك من خلال القرع على الطبول من قبل فرقتين موسيقيتين من الشابات وشبان هم عماد المستقبل، فرقة «قراصنة» من سلا، وفرقة «بلاك جاك» من مكناس أدتا لوحات فنية باهرة وتعبيرية رائعة نالت إعجاب الحضور،إلى جانب رقصات الراب الفنية المتميزة والمعبرة التي تفنن فيها مجموعة من الشباب.
وحولت مجموعة ناس الغيوان بحضور هرمها الشامخ الفنان عمر السيد، فضاء مسرح محمد الخامس إلى لحظة للفرح الشعبي والرقص على نغمات هذا التراث الفني المغربي الأصيل، الذي واكب آمال وآلام الشعب المغربي منذ السبعينيات.وقد تجاوب الحضور مع المجموعة التي لا يمكن أن تمحي من الذاكرة المغربية أغان لها رائعة من مثل»مهمومة» و»الصينية»..
فعلا أبدعت اللجنة الوطنية التحضيرية هذه الذكرى الستينية، خاصة اللجنة المتفرعة منها لجنة الأرشيف والذاكرة، إذ أقامت معرضا يتضمن  لوحات لصحافة الاتحاد الاشتراكي بداية من التحرير والمحرر ، مرورا من البلاغ والاتحاد الاشتراكي ، حيث كانت هذه اللوحات المعروضة في مدخل وبهو مسرح محمد الخامس تختزل التاريخ المجيد للاتحاد الاشتراكي والمحطات السياسية للبلاد والحزب ثم المراحل القوية والتاريخية التي عاشها الحزب والشعب المغربي.

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الكاتب الأول يحضر اللقاء التواصلي الأول لنقيب المحامين بالرباط

تقديم طلبات التسجيل الجديدة في اللوائح الانتخابية إلى غاية 31 دجنبر 2023

الأخ عبد الحميد جماهري يشارك في الندوة الوطنية المنظمة من طرف حزب التقدم و الاشتراكية

الكاتب الاول ينعي وفاة الاخ عبد اللطيف جبرو