عبد الحميد جماهري

الذين يقدرون العفو الملكي الأخير، بمناسبة العيد، هم أولائك الذين عبروا بمشهدية فائقة عن الفرحة، المقتسمة بين الأمهات والآباء والأبناء، ذكورا وإناثا، والجيران..
أولائك الذين انتظروا أن ينتهي فصل من جحيم التوترات، بين غليان الشارع، وقودُه الغضب والحاجة واليأس، وبرودة السجون والزنازن، التي تعتبر في حالات الصراع بين الفقر وعماءالسياسة.. التعبير الهندسي عن قساوة
الحكم القضائي..
في النظر إلى العفو الملكي، نستعين بتقدير اللحظة التي أفرزتها الضرورات الاجتماعية، في منطقة صعبة الجغرافيا، قاسية التضاريس، مثقلة التاريخ ، منطقة تعد باستمرار امتحان ثقيل للسياسات العمومية، ولقدرة المغرب على الخروج من ثنائياته القاسية، مغرب نافع وآخرغير نافع، ليسا بالضرورة متضادين وحكموا عليهما بالعيش في المواجهة.
في جرادة، قسوة خاصة، ما بعد الإنتاج
ما بعد الفحم الحجري،
غير أن العفو، هو طي صفحة الفحم الحجري الذي يعتبر أن التعبير عن الغضب، هو بالضرورة طعن في شرعية ما أو تهديد لشرعيات أخرى،
إنه فهم ضيق، مثل غار في منجم أسود
وضيق التنفس مثل رئة ينخرها السيليكوز
وضيق الأفق مثل «السندريات»..
– في العفو نشترك مع العائلات في الخوف على المعتقلين، لكن نشترك كلنا في الخوف على عودة ضيق التنفس الاجتماعي، والشبابي والاقتصادي، الذي يفسح الطريق دوما نحو الفهم الحجري، الذي يخلف ندوبا غائرة في النفوس وفي الأجساد..
– في العفو لا ينتهي المشكل الاجتماعي، ولا المشكل السياسي، عندما تكون النخب المفروضة بقوة ما ليس سياسة، مال أو سلطة أو دين، عاجزة عن البحث عن حلول، تكون عقدة العودة أسهل بكثير من العيش في حرية قرصنتها «الديمقراطية» التمثيلية لفائدة من لا يرون في المنطقة سوى حليب ثري وطري ، ولو كان بالدموع مخلوطا وبالفحم معجونة عجينته..
في العفو، لا بد من أن نسأل الجهات التي دبرت الملف المعلق بالاستعصاء وبالصعوبة الاجتماعية: والآن ماذا أعدت لكي يجد المعتقلون أمامهم جرادة جديدة، ومناجم جديدة للأمل وطريقا بعيدا عن الموت الفردي أو الثنائي أو الجماعي؟
ماذا فعلت السياسة طيلة المدة التي كان المعتقلون في الزنازن، لكيلا يعودوا إليها أو يعود غيرهم إليها؟
– في العفو، نطرح السؤال على الحكومات والجماعات والهيئات : أي مساحة أفسحتم للأمل، وللحلول، حتى لا تدور جرادة حول نفسها وحول آلامها؟
إن العفو بهذا المعنى، هو طي سوء الفهم الحجري الذي ساد في فترة الاعتقال وهو أيضا -وبالأساس- دعوة مفتوحة لإيجاد حل بعيداَ عن الزنازن والسجون وعن المواجهات، وفسح المجال لنبل السياسة وثراء العواطف الإنسانية للملك الإنسان، الملك المواطن، والملك رئيس الدولة ، كي نتجاوز ?بسرعة- مخلفات ليالي ونهارات طويلة من التعبيرات الساخطة،
وإدانة العجز في إيجاد الحل..
– هي المرة الأولى التي لا تطول فيها انتظاراتنا، ولا يتراكم السجن على الألم، ولا يتضخم الملف إلى أن يصير ملفا كامل الجهات: معتقلون سياسيون في أجندات كثيرة، بعضها ليس دوما يبحث عن حل!
-يحق لنا، نحن الذين نرى في التعبيرعن الغضب الاجتماعي حاجة اجتماعية سليمة، بل تحفظها السمية** من أي انجرارمسيء للانفراج العام الذي نعيشه مع العهد الجديد، ونرى فيه مبررا حقا لسلامة إيماننا بقدرة البلاد على تجاوز مخلفات السياسات، وندعو إلى تقدير آخر للموقف، يعتبر أن الحلول المحلية أصبحت ضرورات قصوى لإعفاء الدولة من معادلات مستعصية، نرى أن امتحان الجهوية واللاتمركز، لا يمكن أن يبقى معلقا ، وأن الحلول قريبة من الذين يعيشون المشاكل، وتلفهم في دورانها الكدوح..
– في العفو، نرى أيضا الاستجابة السليمة والحسنة والرفيعة لموجة المطالب التي عبرت المجتمع برمته، ولا سيما في المربع السياسي والحقوقي..
والتجاوز السليم لمخلفات معضلة اجتماعية بدون المرور بامتحانات قوة لا ضرورة لها، من قبل فرض العفو أو المطالبة به، والذي أريد لنا أن نفكر به من جهات عدة أو تم اقتراحه كمدخل من بوابة البرلمان مثلا.
هناك سلاسة وقوة وإجرائية تكشف بالملموس أن تحرير
الملف الاجتماعي، ومعادلاته من التسويغ الإديولوجي أحيانا والتوتر المذهبي أحيانا أخرى، هو الطريق الذي يجعل الدولة قدرة على ترشيد المطلوب ترشيده من العلاقات..
نحن الذين نفرح عندما تكون البلاد قادرة على أن تخلق الانفراج بين ظهرانيها، نعود ونفرح من جديد لأن المشكلة لم تزدد استعصاء أو توترا، بل تفسح التفكير على أشكال الحلول
الدائمة..
– العفو، هو نهاية موضوع الاعتقال وليس نهاية أسبابه الكامنة في السياسات المحلية وفي الظروف المعيشية وفي الآفاق التنموية، وهو ملف مُحالٌ على النخب، الوطنية والجهوية والمحلية..
وقد سبق هذا العفو تشريح شجاع وقوي قام به جلالة الملك لحياة الناس ومشاكل شعبه، وهو بحد ذاته مساءلة لمن كانوا سبب الغليان.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..