بقلم : علي الغنبوري

قد يتوهم البعض ان النضال من اجل الديمقراطية ، يحتاج الى القطع الحاسم و الكلي مع كل البنيات القائمة داخل المؤسسات و المجتمع ، و ان احقاقها يتطلب تنزيلا فوريا لشروطها و الياتها و بنياتها ، لتعويض كل ما هو موجود على الارض ، كما تبقى الوسائل حسب هذا الزعم مفتوحة على كل الاحتمالات، فالمهم هو الاقرار بالديمقراطية.

لكن ما يتناساه المنادون بهذا الطرح ،ان اقرار الديمقراطية ، يحتاج الى بنيات صلبة يقوم عليها ، و ايمان عميق بها ،و الى رؤية حائزة على الاجماع المطلق لتنزيلها ، كما يتنسى هؤلاء كذلك ، ان الديمقراطية ليست وصفة جاهزة قابلة للتطبيق و الترسيخ في كل الظروف و الاوضاع ، بل هي بناء مستمر و متواصل قادر على تجاوز الاختلالات و اصلاح الاعطاب من خلال الممارسة الميدانية داخل الاطار الظرفي و الزمني الخاص بها .

بناء الديمقراطية لا يعني الخضوع و السكوت على الاختلالات و التجاوزات التي تعتري مسارها ، بل المطلوب هو الجهر بالنضال من اجل اصلاحها و تعديل مقارباتها و ممارساتها الخاطئة ، لكن هذا النضال لا يمكنه باي حال من الاحوال ان يسعى الى النسف و الهدم و التفتيت ، قصد تجاوز كل التراكمات و اللبنات الاساسية لقيامها .

و النضال من اجل الديمقراطية ، الذي لا يستحضر المخاطر المحدقة بالاقرار البوهيمي بها ، يتحول الى خطر داهم عليها ، يسعى بدون شعور الى تسليمها الى من يريد ان يجعل منها مطية لفرض توجهات و قناعات تقوم على نقيضها .

فالنضال من اجل الديمقراطية ، يقتضي اولا تحصينها من تسرب الاطروحات المناوئة لها ، و الى توفير الشروط و الضمانات الكفيلة ببلورتها و ترجمتها على ارض الواقع ،دون ان تكون لقمة سائغة للتحريف و التهريب و التوظيف المصالحي و العقائدي .

و كما قال القس الامريكي مارتن لوتر كينج “الديمقراطية ليست استفتاء بالأغلبية ، فلو استُفتي الأمريكيون لظل السود عبيدا” ، بمعنى ان الديمقراطية ليست خضوع لتيارات سائدة داخل المجتمع و الى هواجس منحرفة تطغى على الشان السياسي ، بل الديمقراطية هي بناء متواصل و مستمر ، و توافق متكامل بين اطراف و قوى حاملة لروحها و مبادئها .

فسعي البعض الى جعل الديمقراطية كتيمة سياسية بدون اسس و بدون رؤى و بدون مشروع متكامل الضمانات ، هو نوع من “الدروشة” و السذاجة السياسية ، المبنية على العواطف و الاحاسيس و التفاعلات غير الموضوعية ، و غير محسوبة العواقب و المخاطر .

فالديمقراطية اليوم ، يجب ان تربط بقوة الوطن و بمناعته ، و بقدرته على ضمان الحرية لكل مكوناته ، و بتمكين كل ابنائه باختلاف توجهاتهم و قناعاتهم و عقائدهم ، من فرص المساهمة في بنائه ، و بالتصدي الحازم لكل النزوعات و الطروحات المتطرفة و العدمية غير المؤمنة بالاختلاف و بالتنوع و التعدد.

نجاح المشروع الديمقراطي رهين كذلك ، بالابتعاد عن المزايدات السياسية ، و التوجه الصادق نحو النقاش المتكافئ و البعيد عن لغة الشيطنة و العجرفة و الانانية المبنية على منطق ” انا بوحدي اللي ديمقراطي” ، و الكليشيهات و التهم الجاهزة ، في سعي صادق الى البلورة الموضوعية و المتأنية للديمقراطية ، مع استحضار كل المعيقات و الاخطار التي تتربص بها ، و التي تتحين الفرص للانقضاض على الوطن .

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..