عبد الحميد جماهري

ماذا لو أن اليسار الراديكالي لم يغال في رفض الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني في تشكيل الحكومة السابقة؟
كان من الممكن أن تسير اسبانيا بعيدا عن اليمين المتطرف..
كما يحدث في التباس السياقة، تكون السياسة تشير الى اليسار، في حين تسير إلى اليمين!
المتمعن في نتائج الانتخابات الاسبانية، لن يروعه فقط تقدم اليمين المتطرف ممثلا في حزب فوكس، بل كما يرغب فيه هو أن نتائجه كانت حلال** فوق الجميع، وبسبب اختلاف اليسار والاشتراكيين..
المزايدة على يسار الحزب الاشتراكي العمالي، أدت فقط إلى فسح الطريق نحو اليمين المتطرف..
توضيح: لم يفقد الاشتراكيون الاسبانيون سوى 3 مقاعد (تراجعوا من 123 إلى 120 مقعدا)، ما يمثل نسبة هامشية من عدد مقاعده لا تتعدى 0.02 في حين فقد بوديموس، اليسار الراديكالي سبعة مقاعد (تراجع من 42 إلى 35 مقعدا،وهو ما يمثل سدس مقاعده بالضبط.
وبقي التناسب هو نفسه بين الحزبين، بما يناسب أربعة لواحد تقريبا….
الخلاصة الثانية، هي أن الناخب اليميني تطرف أكثر.
فقد ذاب حزب سيوادانوس كليا، وهو الذي لم يحصل سوى على عشرة مقاعد، بانخفاض عن 57 مقعدا من الانتخابات السابقة…
أين ذهبت 47 مقعدا التي فقدها الحزب الجديد؟
وهل المقاعد التي فقدها اليسار والاشتراكيون (10) غذت التوجه اليميني المتطرف بدورها؟
سؤال لا يمكن الجزم به سوى بحدود الإحصاء..
فقد تقدم الحزب الشعبي من 66 إلى 88 مقعدا – أي أضاف إلى لائحته 22 مقعدا، كما أن فوكس ارتفعت حصيلته من 24 إلى 52 مقعدا – أي بإضافة 28 مقعدا!
وإذا جمعنا نتيجة اليمين واليمين المتطرف، يكون الفرق الجديد المحصل عليه هو 50 مقعدا!
في حين أن المقاعد التي فقدها الاشتراكيون واليسار الراديكالي وسيوادانوس، هي 57 مقعدا..
يمكن القول إن الذي غذ اليمين واليمين المتطرف، حركةُ اليمين الجديد التي انفض من حولها ناخبوها..
توضيح ثان: ما زالت الأزمة السياسية، التي كانت وراء إعادة الانتخابات قائمة، بالرغم من تغيير اليسار الراديكالي لموقفه من التحالف من الاشتراكيين.. وقد دعا زعيمه بابلو اغليسياس إلى الاتحاد هذه المرة، وقال إنه مستعد لبدء التفاوض مع سانشيز. بيد أن حزبيهما معا بحاجة إلى دعم العديد من الأحزاب الأصغر حجما منهما لبناء أغلبية من 176 مقعدا في البرلمان.
وهو ما ترى فيه الباييس، ذات التوجه اليساري صعوبة إضافية، إذ كتبت أن «الانتخابات لم تحل الصعوبات في تحقيق أغلبية حاكمة. بل على العكس فاقمتها».
وقال خوان بوتيلا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة برشلونة المستقلة في تصريح لوكالة فرانس بريس «فرضيتي، أنه يستحيل عمليا تشكيل حكومة في إسبانيا .. سيكون الأمر أصعب من الماضي..» وأضاف «جميع الأحزاب لديها منافس إلى اليسار، وآخر إلى اليمين، وهذا يعوق الخيارات الاستراتيجية..»
توضيح ثالث: لا يمكن قراءة نتيجة الحزب الشعبي، ويمينه المتطرف، إلا ضمن شبكة أوروبية، والحال أن القارة العجوز تعرف انتعاشا كبيرا لليمين الشعبوي والمتطرف والسيادي، كما يسمي نفسه..
وهو ما يجعل فوز الاشتراكيين واليسار الراديكالي، بالرغم من محدودية تأثيره في الشارع السياسي الحكومي إنجازا مهما، ويبدي قوة الاشتراكية الاسبانية وقدرتها على الصمود..
اسبانيا تواجه إحدى أهم شياطينها التي تهدد وحدتها وهي مشكلة الانفصال، والتي غذت التوجه اليميني، بنبرة فرانكوية لا تخفى ..فقد أقام حملته الانتخابية على تبني خط متشدد بشأن مساع للانفصال، في كاتالونيا وعلى الهجرة، ككل اليمين الأوروبي.
توضيح رابع: هل تنجح القوى اليسارية في تدبير الشلل السياسي والعجز في الحكومة؟
هذا السؤال يمر عبر مسارين:
* الحكم بأقلية: وهو ما ذهبت إليه نائبة رئيس الوزراء كارمن كالفو في مقابلة مع التلفزيون الحكومي «نطلب من الجميع تغيير المعايير، والبذل لمصلحة هذا البلد.»
* امتناع الحزب الشعبي عن التصويت: وقد تواترت بالفعل العديد من التحاليل والقصاصات التي تفيد أن
الحزب الاشتراكي «يضغط» على الحزب الشعبي لكي يمتنع عن التصويت خلال تصويت بالثقة في البرلمان للسماح له بتشكيل حكومة، كما أوردت الوكالات الإخبارية..
وفي السياق ذاته، أفاد فريدريك سانتيني المحلل في أوراسيا، أنه إذا أخذنا بعين الاعتبار »تحسن أداء الكتلة اليمينية، فمن المرجح أن تكون قيادة الحزب الشعبي أكثر ارتياحا لفكرة إجراء انتخابات جديدة.. وبالتالي ستتردد أكثر في دعم حكومة اشتراكية».
وقد يزيد تقدم اليمين المتطرف – فوكس – من هذا الاحتمال ويدفع إلى تشدد أكبر، باعتبار أن الحزب الشعبي لا يمكن أن تغيب عنه نتائجه، باعتبارها التهديد المباشر وفي عرين ناخبيه اليمينيين.. وهو ما يضعف مواقع كل من يدافع عن الانضمام إلى الاشتراكيين…
توضيح خامس:
الشلل الذي تعيشه اسبانيا منذ أربع سنوات، ربما كان نتيجة مباشرة لدخول الحزبين الجديدين
بوديموس وسيوادانوس البرلمان بعد انتخابات 2015.
فقد كانت نتيجتها أن تكسرت هيمنة الاشتراكيين والحزب الشعبي المستمرة منذ عقود، كفاعلين تقليديين في الحقل السياسي..
وهو ما يمكن أن نستخلص منه أن وجود حزب جديد لا يعني الخروج من الأزمة..

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..