محمد بوبكر ي

1_عبر العالم صارت الدولة الفاعل السياسي الوحيد ، وتراجع فاعلو الظروف العادية إلى الخلف . تبدو الدولة ، والحالة هذه مثل أم تخاف على أبنائها ؛ تنصحهم تارة ، وتوجههم تارة أخرى ، وحين لا ينضبطون للقرارات التي فيها مصلحتهم ومصلحة الجماعة ، تلجأ إلى العنف المشروع ، الذي يتقبله الجميع كعنف مستحق …
ولا يقاوم المواطنون قرارات الدولة في مثل هذه الظروف ، بل يتعبؤون للدفاع عنها والترويج لها ، وأيضا مواجهة من يتمردون عليها ، إن المقولة صارت معروفة : « الدولة دارت خدمتها ، وخاص الشعب ادير خدمتو « .
وبعد ان كان الأفراد يتبرمون من الأساليب القهرية للدولة ويميلون غريزيا نحو التمرد عليها ، من منطلق غريزة الخوف ، برضى تام ، بل إن منهم من يطالب بالمزيد ، وتطبيق العقوبات الأكثر تشددا في حق من يرفضون الامتثال لأوامر السلطة القهرية الأكثر تقديرا وتحية هذه الأيام . فما يميز الدولة الحديثة _ في نظر ماكس فيبر – هو تلك العلاقة الوطيدة التي تقيمها مع العنف ، فهي وحدها التي تحتكر حق ممارسة العنف المشروع الذي لا يتنافى مع كونها تجمعا سياسيا وعقلانيا وقانونيا ، والذي به يتم ضمان الأمن والاستقرار الجماعيين وباقي الحقوق الأخرى . إن الترجمة الفعلية لمفهوم الحق على مستوى الدولة تتجلى في اضفاء الشرعية على ممارسة أي وسيلة عنف داخل ترابها ، « يجب ان نتصور الدولة المعاصرة كتجمع بشري ، يطالب في حدود مجال ترابي معين بحقه في احتكار استخدام العنف المادي المشروع وذلك لفائدته « . وقبل ماكس فيبر ، اعتبر كانط ان عنف الدولة ، كيف ما كانت درجته ، هو عنف مشروع ولا يجوز مواجهته بعنف غير مشروع ، لأن ذلك بدون معنى ونتائجه وخيمة . ويستند موقف كانط إلى تصور معين للقانون ينظم العلاقات بين الحاكم والمحكومين ، وهو تصور يستبعد نهائيا « كل قانون مزعوم لخرق القانون « ويعتبره بدون معنى .
2_ولأن الدولة بمفهومها العصري غالبا ما ترتبك في تأطير شعب تقليدي، أو لأن الدولة العصرية مفهوم تجريدي لا يلمسه البعيدون عن المركز في حياتهم اليومية ، ها هي الدولة تلجأ إلى مخزونها التقليدي ؛ المقدمين والشيوخ صاروا المسموعين لدولة المركز ، لقد صاروا ومنذ تعامل الأفراد باستهتار مع توجيهات مؤسسات الانتخابات ، السلطة القهرية الاقرب من الناس .
ومن مميزات الدولة في المغرب، أن حافظت على قواعدها الخلفية في التقليد . ان الناس يمكنهم التمرد على رئيس الحكومة والناطق الرسمي باسمها ، لكنهم ينضبطون لسلطة المقدم الذي يحمل إليهم توجيهات القائد . ان سلطة القائد والمقدم هنا هي عنوان لحلول إجبارية حبية ، حتى لا تلجأ الدولة إلى خياراتها الأكثر راديكالية : حالة الاستثناء ، إعلان حالة الحصار ، حظر التجول …
يصنف أعوان السلطة من مقدمين وشيوخ في الخط الأول لمواجهة كورونا إلى جانب بعض المهن الأخرى ، للحفاظ على الأمن وتنفيذ القرارات الحكومية ؛ مراقبة الأسعار ، التزام أصحاب المقاهي والمطاعم بإغلاق أبوابها ، إنجاز تقارير يومية عن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية في الأحياء التي يشرفون عليها …لقد اعتادوا على القيام بواجبهم وتنفيذ كل الأوامر ، سواء تعلق الأمر بالارهاب أو كورونا أو مهام أخرى …أنهم مجندون لخدمة الوطن …إنهم دروع واقية تحمينا من وباء كورونا …
كل المهمات الصعبة تسند إلى « أعوان السلطة _ المقدمين والشيوخ « في الحملات الانتخابية ، في فرض القوانين الصارمة للدولة ، ومحاربة البناء العشوائي واحتلال الملك العمومي …جميع هذه الاختبارات والتحديات لا تقارن بفرض قوانين الطوارئ لمقاومة تفشي كورونا …هم الآن الأداة التنفيذية مع القوات العمومية : من شرطة ودرك وقوات مساعدة وعناصر الجيش لردع المخالفين والحاملين لألوية العصيان .
كورونا الذي يجول متنكرا في الشوارع المقفرة لا يواجه اليوم الا صدور «أعوان السلطة « الحائط القصير الذي توجه له أصابع الاتهام …
لا يمكن تجاهل « جيش المقدمين « عند الحديث عن دور ومكانة وزارة الداخلية ، رغم ان النص القانوني الخاص بهيئة رجال السلطة لايضع إطار الشيوخ والمقدمين ضمن اطارات رجال السلطة ، بعد ما توقف عند إطار خلفاء القواد ، ليبقى الشيوخ والمقدمون خارج أي تقنين اذ يصنفون ك « أعوان السلطة « .
إن هذا الجهاز يعاني من الحيف رغم الأدوار الكبرى التي يضطلع بها، ففضلا عن مكافاته بتعويضات وأجور هزيلة ، يشتكي من غياب إطار قانوني منظم ، حيث لا يدخل ضمن الوظيفة ، ولا يتمتع بمختلف الضمانات المادية والإدارية التي يقرها قانون الوظيفة العمومية .
بالإضافة إلى هذا كله ، مطروح على وزارة الداخلية تأسيس معاهد عبر مختلف العمالات والأقاليم بالمملكة لتكوين هذه الفئة على مدار السنة ، وادراج مادة تدبير الأزمات تحت اشراف مؤطرين ذوي كفاءة تستجيب لنوعية عملهم الأمني والاداري الشاق ، مع تمكينهم من جميع لوازم العمل …
هؤلاء من يستحقون الأوسمة والحوافز والعلاقات …
3_ ها هو « الجهاز القمعي « للدولة ينزل إلى الشوارع لإرغام الناس على البقاء في بيوتهم ، الكل يصفق للاجراء المتشدد ، لا أحد يحتج او يشهر دفوعاته الشكلية ، لقد حولت غريزة المنازل إلى « سجون طوعية « ، وصار « الجهاز القمعي « حارس الحياة والأمن الفردي والجماعي . من كان يتصور أن يأتي يوم يصير فيه الاجبار على الحد من حرية التنقل خدمة عمومية يطلبها المجتمع ؟
ولم يسبق للدولة أن كانت مطاعة مثلما عليه اليوم ، بل إن انقلابا حادا وقع فيه الوجدان العام حيالها ، قبل عشر سنوات وبعدها بقليل، كانت الدولة الأكثر إثارة لمشاعر الغضب منها والاحتجاج عليها ، لكنها اليوم تحوز كل الحب والتقدير المتاحين . إن الخوف وغريزة البقاء ، يعيدان صياغة الموقف من أساليبها القهرية ، وبعد أن كانت قساوتها مدانة ، صارت اليوم موضوع طلبات شعبية متزايدة.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الخروج  اليوم عن المبادئ والقواعد والأعراف والتوافقات ترجمة لمنطق التغول : إلزامية عدم التراجع عن المكتسبات التي سبق إقرارها في النظام الداخلي

حتى  لا تتحول مجالس الحكامة الى آلية للتحكم

اليوم يفتتح ذ.إدريس لشكر المؤتمر الوطني لقطاع المحامين

الأغلبية تظهر «وحدة الواجهة ـ الفاصاد»، وواقع مكوناتها يؤكد ما قاله الاتحاد وكاتبه الأول..