ارتبط المرحوم المناضل محمد الحلوي الذي وافته المنية يوم السبت 25 يوليوز 2020 بالمنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والذي قادها لولايتين رئاسيتين متتاليتين، المؤتمرالتاسع بالرباط شتنبر 1964 والمؤتمر العاشر أكتوبر 1965 .
وتعتبر النقابة الطلابية منظمة طليعية للحداثة الفكرية والسياسية وأهم مدرسة عليا للتربية والتكوين، عمومية ومجانية، خرجت أفواجا من الأطر والكفاءات التي احتلت مواقع أساسية في تنظيمات المجتمع المدني المختلفة الثقافية والحقوقية، كما في تنظيمات المجتمع السياسي يسارا ويمينا.
وفي شهادات لقياديون سابقين في أوطم تكريما للاتحاد الوطني لطلبة المغرب والأستاذ محمد الحلوي نشر في كتاب سلسلة «ذاكرات» بعنوان الاتحاد الوطني لطلبة المغرب لمركز محمد بن سعيد ايت آيدر للأبحاث والدراسات. يقول عبد اللطيف المنوني/محمد عياد: «عندما يتعلق الأمر بدراسة الحركة الطلابية في المغرب نجد أنفسنا أمام ظاهرة تاريخية، وتنظيم طبع ولمدة ما يزيد عن ربع قرن، الأوساط الطلابية بل وحتى الوطنية، ونعني به الاتحاد الوطني لطلبة المغرب … تأسس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في دجنبر 1956. ولكن هذا التأسيس لا يشكل في حد ذاته بداية للحركة الطلابية المغربية، بل امتدادا لعمل سابق وعملية توحيد لروافد طلابية مختلفة.
ومباشرة بعد انتهاء ولاية الثانية لاوطم للمرحوم محمد الحلوي، تجريد الاتحاد الوطني لطلبة المغرب من صفة منظمة ذات منفعة عمومية، ومحاولة حله بطلب قضائي في نفس السنة 1965، وهو طلب تم رفضه من طرف محكمة الرباط ومنع مؤتمره الحادي عشر خارج المقر كما جرت العادة بذلك.
يقول فتح لله ولعلو عن الفقيد محمد الحلوي: «ففي الظروف العويصة لحملة اعتقالات الاتحاديين يوليوز 1963 انعقد المؤتمر الثامن في الدار البيضاء، وانتخب حميد برادة رئيسا. ومباشرة بعد ذلك، كانت المواجهة العسكرية مع الجزائر، وأدى الأمر إلى الحكم بالإعدام على رئيس المنظمة الطلابية. وفي هذا الظرف بالذات، أصبحت الإضرابات تطول مؤسسات جامعة القرويين .. وانعقد المؤتمر التاسع بالرباط وانتخب محمد الحلوي رئيسا، لكن سرعان ما سيعتقل لتغرق الساحة الطلابية في أجواء التوتر . وهو ما جعل المنظمة الطلابية مهددة بعدما اتجهت وزارة الداخلية نحو التصعيد ، سواء من خلال منع الارتباط التنظيمي مع قطاع تلاميذ الثانويات، أو عبر المطالبة بحلها .
لكن ، وبعد أحداث 23 مارس 1965، سيخلق جو انفتاح، سيمكن من عقد المؤتمر 10 والذي سيعيد انتخاب محمد الحلوي كرئيس. غير أن الأمور سرعان ما ستتطور في اتجاه مخالف على إثر عملية اختطاف المهدي بنبركة في باريس 29 أكتوبر 1965.
وشكل عقد الستينات وجزء من السبعينات زمن الظاهرة التاريخية التي برز فيها قادة مرموقون للمنتظم الطلابي . وقد كان محمد الحلوي نموذج القيادي الطلابي المرجع في المثابرة على النضال وفي الصمود في المعارك. كان محمد الحلوي كطالب ينحدر من فاس والتحق بالرباط لدراسة الحقوق أما من الناحية السياسية فيعد من المنتسبين لمدرسة المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد.
وخلال فترة توليه المسؤولية (1961–1966) كان الحلوي شديد الاهتمام بسير المنظمة الطلابية وتفاصيل تنظيماتها ومعاركها. وكان اهتمامه العميق هذا، على حساب دراسته الشخصية ، حتى إنه تناساها وغاص في قضايا الجامعة، النقابية والسياسية، ولم يرجع إليها بعد قضاء مرحلة الخدمة العسكرية الإجبارية سنة 1968. عرف عن الحلوي جرأته في المجابهة وانفرد في اعتماد الاعتقالات كعقاب فوري ومباشر، بتحليه بشجاعة عز نظيرها أمام مختلف المسؤولين. ومن هاته القدرة على إبراز رأيه جهارا وبدون دوران، بل وأحيانا بعناد وثقة بالنفس، ازداد الرجل قوة في أعين الجميع وهو صاحب الجسم النحيف والقامة المربوعة.
اعتقل الحلوي مرة أولى في 1964 إثر محاولة منع أوطم، وفرضت عليه الخدمة العسكرية 1966. وكان مولعا بالنقاش والمحاججة وصاحب قدرة على ابتداع الصيغ التعبيرية ذات الوقع على النفوس، وفي نفس الوقت ذات الدلالات العميقة وفي تجانس مع مواقف نقابة الطلاب. وقد سخر طاقاته في الترافع للدفاع عن قضايا التعليم ، مما أهله ليكون ناطقا باسم المنظمة الطلابية في مناظرة 1964. وقد تألق الحلوي خلال اجتماع تاريخي لمجلس جامعة محمد الخامس برئاسة المغفور له الحسن الثاني. ومنذ ذلك الوقت، والجميع يشهد له، بأنه رجل ذو إشعاع، وهو ما أهله ليصبح مشهورا كنجم للحركة الطلابية المغربية. وفي شهادة عبد القادر باينة: «كان الأستاذ محمد الحلوي يستحق التكريم والتنويه لما قدمه من بذل وعطاء وجهد في تقوية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، يوم كان تحت قيادته بصحبة مناضلات ومناضلين أبلوا البلاء الحسن لعدة سنوات». يقول محمد ملوك في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب مدرسة الوطنية والحداثة في حق المرحوم محمد الحلوي: «كان طلاب أوطم يتعرضون في كل مناسبة للاعتقال ، وكنا نواجه كل اعتقال برد .إما تجمعات أو تظاهرات أو احتجاجات. وجاء اعتقال رئيس المنظمة محمد الحلوي، وأتذكر أن محمد سبيلا هو الذي ركز على التصعيد، ومنذ تلك الليلة، لا يمر يوم إلا ونجد في كل شوارع الرباط كتابات جدارية تندد بالاعتقال وتطالب بإطلاق سراح الحلوي وقمنا بتجمع طلابي كبير في الحي الجامعي بالرباط وقمنا بإضرابات في مختلف الكليات، حتى أخبرنا بإطلاق سراح، وباقتراح من الطالب حينئذ، عبد اللطيف المنوني، ذهبت إلى السجن لاستقباله، رغم أننا كنا مجموعة من المختلفين معه، ولما رآني ابتسم ضاحكا وقال أنت الذي جئت لاستقبالي، قلت له نعم والمنوني يسلم عليك كثيرا.
من جهته يحكي محمد صدقي عن تجربة التجنيد الإجباري الذي أعقب أحداث 1965، من أجل معاقبة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وقد أحدث بمرسوم ملكي (9يونيو1966) بمثابة قانون يفرض الخدمة العسكرية لمدة 18 شهرا على الشباب البالغ 18 سنة، باستثناء الذين يعيلون أسرهم. ولم تحترم المعايير بالنسبة للشباب من نشطاء أوطم والمساهمين في تأطير أحداث 23 مارس 1965. كنت من الذين استدعوا إلى الخدمة العسكرية، إلى جانب الإخوة محمد الحلوي، محمد الفاروقي، عبد الرزاق المعدني، محمد التوزاني، محمد الخصاصي، الطاهر بنجلون، أحمد حرزني، محمد بن شقرون …كان المجموع 80 مناضلا. كانت البداية من القاعدة العسكرية بالحاجب تحت قيادة القبطان محمد أعبابو (من مدبري انقلاب الصخيرات) ثم انتقلنا إلى قاعدة أهرمومو تحت أمرة العقيد البوزيدي .
في الحاجب تعرض محمد الحلوي لعقاب شديد، وذلك بسبب زيارته للمرحوم عبد الرحيم بوعبيد خلال عطلة قصيرة حيث أمر محمد أعبابو بوضعه في حفرة يجلس فيها تحت الشمس الحارقة لمدة أربعة أيام، حيث أصبح غشاء رأسه مقيحا ويسيل دما .. يقول المحامي موريس بوتان عن المرحوم محمد الحلوي: «أخبر محمد الحلوي الرئيس الجديد للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في أعقاب مؤتمر المنظمة التاسع المنعقد بالرباط، مجموعة من الصحفيين بمضمون رسالة وجهها إلى المؤتمرين الرئيس السابق حميد برادة الذي عين رئيسا شرفيا لأوطم . وقد رأى النظام في ذلك ذريعة كافية لاعتقال محمد الحلوي في 14 شتنبر على يد ثلاثة أفراد من الفرقة الخاصة، اقتحموا مقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب شاهرين سلاحهم، ودون أي أمر بالاعتقال. وفي الغد، صدر أمر بتفتيش المقر، قبل إغلاقه وبقائه تحت حراسة الشرطة. حظي محمد الحلوي بالسراح المؤقت يوم 16 شتنبر، ولكن اعتقل من جديد في 18 شتنبر، أو بالأحرى اختطف في الطريق العام برفقة عضو من أعضاء المكتب التنفيذي، عمر الفاسي، من قبل مجهولين عمدا إلى تعصيب عينيهما قبل أن يقتاداهما إلى مكان مجهول، ثم إلى مفوضية الشرطة . وقدم الحلوي وحده للمحاكمة أمام محكمة عسكرية وأودع سجن الرباط بتهمة «المشاركة في مؤامرة المس بالأمن الخارجي للدولة» استنادا إلى «كومة رماد» وقد آخذته الشرطة على عدم تسليم رسالة برادة إلى السلطات ، وتتهمه بالتالي بالتواطؤ معه.
وفي شهادته يقول إسماعيل العلوي: «زارني محمد الحلوي وعمر الفاسي في بيت الأسرة لمواساتي في وفاة الوالد في شهر مايو 1965. وما كان يثيرتقديري للسي محمد الحلوي هو حرصه على أن يبقى وفيا للقيم التي آمن بها والربط الدائم بين الفكر والفعل ، من دون أن يبالي بالعواقب .
أما شهادة عبد اللطيف جواهري فيقول: «محمد الحلوي كان دائما مثاليا في تعاملاته مع الآخرين ومتفانيا في تكريس فلسفة الاتحاد ومرتكزاته. ومن ضمن لمسات أسلوبه الشخصي، طريقة السلسة في الحوار والتي تجعله ذا فعالية كبرى في الإقناع مع تجنب كل مواقف التعثر أو النفور، وهذه الخصلة جعلته يبرز بشكل طبيعي كرجل إجماع يلجأ إليه لتقريب الآراء ولإيجاد الحلول المثلى. ومن المثير كذلك أخلاقه النبيلة التي جعلت منه إنسانا متواضعا متجردا من الحسابات الشخصية الضيقة ومؤمنا بالمصلحة العامة».

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الكاتب الأول يحضر اللقاء التواصلي الأول لنقيب المحامين بالرباط

تقديم طلبات التسجيل الجديدة في اللوائح الانتخابية إلى غاية 31 دجنبر 2023

الأخ عبد الحميد جماهري يشارك في الندوة الوطنية المنظمة من طرف حزب التقدم و الاشتراكية

الكاتب الاول ينعي وفاة الاخ عبد اللطيف جبرو