في برنامج «الأحزاب السياسية وقضايا الساعة » لمؤسسة الفقيه التطواني

بخطاب مطبوع بالمسؤولية السياسية والوطنية الصادقة ، تحدث ادريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حول مجموعة من القضايا التي افرزتها تداعيات جائحة كورونا على المغرب والعالم، وآثارها البعيدة المدى على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والجيو- سياسية، والفكرية..، التي تناولها من خلال برنامج «الأحزاب السياسية وقضايا الساعة « الذي نظمته مؤسسة الفقيه التطواني مع رؤساء الأحزاب بمشاركة كل من الزملاء : محمد رامي ، عمر اوشن وعبد الحق بلشكر ، والباحثين عمر الشرقاوي وعبد الفتاح البلعمشي ، وذلك بإدارة الاستاذ أبوبكر التطواني عبر تقنية التواصل عن بعد ..
مقاربات الكاتب الأول ، كانت مطبوعة بالتحليل الدقيق، والوضوح والواقعية في التشخيص، والشجاعة الفكرية والسياسية في المواقف تجاه الدولة والمجتمع ، سواء في العرض التقديمي أو في تفاعله مع أسئلة الزملاء الإعلاميين والأساتذة الباحثين المشاركين. 
كما أن الكاتب الأول لم ينهج في حديثه إلى الرأي العام ، اسلوب الغموض والتبرير ونصف المواقف.. أو تفادي الغوص في حقيقة الواقع والوقائع التي تطرحها اكراهات جائحة كورونا على المغرب والمغاربة .. ولم يسع ، في أية لحظة، إلى تمرير موقف سياسي حزبي ضيق الآفاق ولا تصفية حساب مع أية جهة ..
وبنفس المسؤولية السياسية ، نوه الكاتب الأول بالحس الوطني والإنساني الذي تميز به كافة المغاربة من خلال تفاعلهم مع الاستراتيجية الوطنية في مواجهة الأزمة ، سواء على مستوى التدابير الاحترازية المتخذة، أو على مستوى تدبير الخصاص من خلال إحداث صندوق تدبير الجائحة، أو على مستوى الخطة التواصلية التي نهجتها السلطات مع المواطنين والمواطنات.. ، مشيدا بالحكامة الجيدة في تدبير هذه الأزمة في إطار مؤسساتي، من خلال احترام تام لمؤسسات الدولة بقيادة جلالة الملك..
وهذا نص المقابلة كالتالي :

https://www.facebook.com/LafquiTetouani/videos/815307555957306

 

– كيف يفكر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، انسانيا وفكريا واقتصاديا وسياسيا، في هذه المرحلة وما بعدها؟

– أعتقد أن المرحلة التي يعرفها المغرب اليوم، دقيقة وجد صعبة.. وأنه بكل تواضع ليس للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أجوبة جاهزة حول التساؤلات المطروحة..، لأنه مطروح علينا بكل مسؤولية ووطنية صادقة، أن نتواضع وأن ننصت لما يجري حولنا من تطورات للإحداث، وأن نتابع ما يجري خدمة لحقنا أولا في الحياة، وفي أن يستمر وطننا، وبأن تكون البشرية جمعاء بألف خير.
لكن بكل مسؤولية، إن هذه الصدمة اختلف الحاكمون والدول في تقييمها وتدبيرها ، حيث حيث هناك من نظر إليها من خلال هواجسه الاقتصادية، كما أن هناك في المقابل من ينظر لها انطلاقا من هاجس حماية الانسان والمواطن، بالإضافة الى بعض الدعوات التي كانت تستهين بهذا الامر وتعتبر بأنه ليس جديا ولا يجب تهويله ..
اليوم، ونحن على هذه المسافة الزمنية من تفاعلات هذا الوباء والحجر الصحي، لنا أن نفتخر بما تضمنه تقرير الاتحاد الافريقي مؤخرا، الذي أعتبر المغرب من بين الدول الافريقية النموذجية في تدبير وإدارة هذه الأزمة..
في هذا السياق، أعتبر الكاتب الأول، أنه بكل مسؤولية استطاع المغرب بفضل كل الاجراءات والقرارات التي أعلن عنها جلالة الملك، وكذا كل العمل الذي قامت به مختلف المؤسسات، منها القضائية والتشريعية والتنفيذية، والصحية..، أن ينخرط في التوجه الاستباقي، وفي الخطوات الإحترازية التي كانت تهم في منطلقاتها بالأساس حماية المواطن المغربي من الأذى..
وإذا كنا اليوم نعيش الحجر الصحي، يقول الكاتب الأول، خصوصا إذا كان الفرد يؤمن بالحرية، فإن الحق في الحياة له أولويات على كل الحقوق الاخرى، ولذلك ينبغي تقديم بعض التنازلات في ممارسة هذا الحق من اجل خدمة مصلحة الوطن والإنسان.. لهذا اعتبر أننا قدمنا نموذجا من خلال اتخذنا قرار إغلاق الحدود، حيث كان هذا القرار جريئا ساهم بشكل كبير في حصر الحالات الوافدة المصابة، بالإضافة الى الخطوات الإحترازية والمجهودات التي ساهمت في تجاوز العجز في البنيات الصحية بالبلاد، وفي المجال الاجتماعي من خلال التفكير في الفئات الهشة، أو من خلال البحث عن الموارد المالية من أجل تطبيق مجموعة من الاجراءات الاقتصادية.. في هذا الاطار أكد الكاتب الاول ، على مصداقية المغرب دوليا من خلال الوفاء بالتزاماته المالية واستمراره في نهج سياسة واقعية براغماتية..
وشدد ادريس لشكر، في إجاباته على أن المغرب اليوم في محك حقيقي، أثبتنا فيه بالفعل بأننا دولة قوية تحترم المؤسسات، سواء في صيغتها الدستورية أو القانونية ، وأن عملية تنزيل وتطبيق الحجر الصحي كانت نموذجا واضحا في الثقة، ودليلا على أن هناك تجاوبا مطلقا مابين المؤسسات ومكونات المجتمع المغربي..
في هذا السياق، اعتبر الكاتب الأول، أن الملاحظات والتتبع والتشخيص لما يعرفه المغرب من معطيات ومستجدات، أكيد أنه سينتج مغربا أخر لن يكون شبيها بمغرب ما قبل كورونا.

 

– هل تعتقدون اليوم، بأن قطاعات مثل التعليم والصحة يجب أن تبقى على الهامش كما كانت في عهد السياسات السابقة، وهل يجب أن نعول على القطاع الخاص في المجال الصحي والتعليمي، وهل سنكون في حاجة الى استثمارات تتعلق بالبنيات التحتية ذات الميزانيات الباهظة أو ستكون الأولوية لهذين القطاعين التعليم والصحة..، خصوصا ونحن نعرف الصعوبات المالية التي ستواجه المغرب مستقبلا؟
– اليوم قبل البحث في ما بعد كورونا، لنا أن نتساءل كيف سندبر هذا الوطن؟..
إذن المطروح على الفاعل السياسي، هو التساؤل كيف لنا أن نصمد حتى ينتهي هذا الوباء..
في المجال الاقتصادي والاستثمارات والصفقات العمومية، كما يجب أن نفكر كيف يجب أن تكون عليه صناعاتنا الوطنية وتوجهها..
والحمد لله بأن بلدنا لا تستورد سلتها الغذائية، لنا اكتفاؤنا الغذائي، الشيء الذي يزيد من مناعتنا وقوتنا..
والغرض من طرح كل هذه الاسئلة ليس من أجل الامتناع عن تقديم اجابات، بل لأن كل هذه الاشكالات المطروحة علينا اليوم، لابد من البحث عن اجابات لها قبل ان تنتهي مرحلة وباء كورونا..
وفي ما يتعلق بالتعليم والصحة، أعتقد أن طارئ كورونا ساهم في انعاش هذين القطاعين، بالإضافة إلى قرار جلالة الملك الداعي إلى اشراك القوات المسلحة الملكية في القطاع الصحي، حيث خلف هذا القرار نوعا من الاطمئنان عند كافة المغاربة ..
في هذا السياق، أشار إلى أن هذين القطاعين من القطاعات الاستراتيجية التي يجب أن تكون الدولة لوحدها هي المسؤولة عنهما..
واليوم، يجب أن نكون جبهة متراصة، ومن ثم فإنني أربأ بنفسي، في هذه المرحلة، لكي احمل المسؤولية لأي أحد..
وأعتقد أن هذا يطرح علينا العديد من الاسئلة، ويدفعنا للقول أنه يجب علينا أن ندعم ونحقق الكثير من الدولة، إن لم نقل كل الدولة في هذين القطاعين الاستراتيجيين ..

 

– كيف يمكننا أن نواجه اقتصاد الريع والفوائد الضخمة والامتيازات.. ما هو تصوركم لمستقبل الاحزاب السياسية.. هل استمراريتها ستتطلب منها إعادة النظر في اسلوب تعاملها وتعاطيها مع القضايا والإشكالات المطروحة؟
– أعتقد أن ما عاشته وتعيشه العديد من الدول العظمى جراء هذا الوباء ، يجعلني أفكر بشكل أعمق وبدون حماس..
اليوم، أعتقد أنه سنكون في حاجة إلى العودة إلى التأميم ،لأننا لنا استثمارات ومشاريع كبرى، فهل سنتركها تنهار بسبب مخلفات هذا الوباء، أم ستتدخل الدولة لحمايتها من الانهيار، وحماية رأسمالها؟.. كما أتصور، أن أكثر من أربعة ملايين من المغاربة في حاجة الى الدعم.. إذن من منطلق كل هذه الاسئلة، أعتقد بأن السؤال أكبر مما نتصور..
لهذا من جديد، أعيد طرح السؤال، كيف سنصمد أمام هذا الوباء؟ ..
وبكل مسؤولية، اقول على كل المغاربة، أن ينخرطوا دون قيد أو شرط.. وكل تشويش على هذا الاجماع الوطني أو الحس الراقي الذي قدموه كنموذج لمواجهة هذا الوباء، يجب أن نتلافاه.. لأننا اليوم جميعا في امتحان يجب ان يربحه وطننا..
ولكي يربح وطننا، لنا مقومات حكامة جيدة، تأكدت شعبا ومؤسسات، لذلك هذا الوباء يجب أن نعطيه حجمه الحقيقي، وأن نتعامل معه بكل جدية ومسؤولية..
وما ميزنا عن غيرنا هو تلك الحكامة التي كانت في القمة من خلال اتخاذ مجموعة من القرارات في وقتها وبصمت وبمسؤولية وجرأة، وهذه المنهجية هي التي ساعدت على مواجهة هذا الوباء..

 

– جائحة كورونا، جاءت في خضم الحديث عن المشروع التنموي الجديد، في رأيكم ألا ترون بأن إعادة فتح النقاش يعد أمرا لازما، أم أن المذكرة التي تقدم بها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الموضوع شاملة ومتضمنة لجميع العناصر البنيوية التي تذهب في هذا الاتجاه..
وهل ترون بأن هناك تشكلا لوعي ورؤية جديدة عند المجتمع المغربي، وأن ما بعد كورونا سيكون أحسن..؟
– أعتقد أنه لابد من مساهمة الجميع، لهذا أتساءل ألن نحتاج، إذا ما طالت حالة الطوارئ الصحية التي يعرفها المغرب بسبب وباء كورونا، إلى حكومة وحدة وطنية، على اعتبار أن مثل هذه التساؤلات يجب أن نطرحها ونستحضرها، دون ان يكون لطرحها ادعاء أن هذا ما يجب أن يكون؟… لأن ما هو مطروح علينا، يضيف ادريس لشكر، أكبر من كل الحسابات الضيقة، لأن الامور – في ظل واقع الحال الذي نعيشه عالميا – تدفعنا الى البحث عن كل خطوط الائتمان، لأنه لوحدنا كمغاربة لن نتجاوز هذه الآفة.
في هذا السياق، توجه ادريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بنداء الى الجارة الجزائر لاستغلال هذه الظرفية قصد التعاون وفتح الحدود، معتبرا في دعوته بأن “الجزائر في حاجة الى المغرب وأن الشعب المغربي في حاجة الى الشعب الجزائري، وأن فتح الحدود وتأسيس علاقات جديدة سيساهم في تجاوز كل المشاكل العالقة فيما بيننا”..
ليتوجه الكاتب الأول، برسالة الى كل المغاربة، مذكرا بأن كل مغربي لم يعد مسؤولا فقط عن عائلته الصغيرة، بل أصبحت مسؤوليته تجاه المغاربة عامة “من خلال استمرارنا في الانضباط الكبير الذي يستوجبه قانون الحجر الصحي، وأنه لابد من أن نمارس على انفسنا ضغطا قويا وننخرط في كل الجهود التي تدعو وتعمل بأن لا تمس هذه الجائحة الشعب المغربي برمته”.

 

– هل المغرب قادر على تحمل هذا الوباء اقتصاديا، وإلى متى؟
طرحتم فكرة حكومة وحدة وطنية ، ماهي الإضافة التي يمكن أن يضيفها هذا الاقتراح لتدبير هذه المرحلة، خصوصا وأننا نعيش شبه اجماع مابين الدولة والمجتمع، وماذا يمكن أن تقدمه.. وماهي حظوظ المغرب في السوق الدولية، وما هي تقديراتكم للقروض التي يمكن أن تكون مساعدة للبقاء في التوازن، والمقاومة لأطول مدة ممكنة؟
– اسئلة تحتاج إلى الكثير من الحديث.. لكن بروح من التفاؤل، أقول إن كل ما شخصته من واقع لا ينفي أننا على مستوى العالم، لنا من الحد الأدنى للاطمئنان مقارنة مع ما يقع بالعديد من الدول..
ومن أول هذه العناصر التي تدعو الى الاطمئنان ،هناك عنصر الثقة الذي ميز المغرب، وهذا برهن عنه المغاربة بجسد واحد، وبإلتزامهم وانخراط كل المؤسسات القضائية والتشريعية والتنفيذية، والصحية والحزبية والنقابية.. ومن خلال تتبعنا للتدابير والاجراءات التي اتخذت لمواجهة هذا الوباء استطاعت أن تتعامل، وتواجه كل الاكراهات..
لهذا أعتبر أن هذه المكاسب يجب ان نعززها باحتفاظنا على وحدتنا وانضباطنا لكل القرارات التي تتخذها المؤسسات في بلدنا، مع الانخراط الجماعي في تنفيذها..
أما عن التساؤل بشأن اقتراح حكومة وحدة وطنية، اعتبر أنه من منطلق، أنني كفاعل سياسي، يأخذني التفكير الى التساؤل والبحث عن كل الصيغ والحلول التي يمكن أن تساهم في مواجهة هذا الواقع الذي نعيشه اليوم..
في هذا الاطار، أعتقد أن العديد من المفاهيم كالشفافية والعلاقات الاجتماعية.. ستتغير، وأكيد أن السياسة هي الاخرى ستتأثر.. واعتبر أن اسئلة ما بعد كورونا، ستكون أكبر من كل ميزانات القوى العالمية..
لهذا أعتقد أنه لابد من دعم كل هذا المجهود الشعبي الذي أبان عنه المغاربة، وبأنه على كل الفئات الاجتماعية أن تتضامن .. لهذا نحن مطالبون بأن نبحث عن وسائل للتدخل في رأسمال العديد من المشاريع الكبرى، وذلك من أجل استمراريتها..

 

– هذه الاجراءات والتدابير التي تم تخذها مؤخرا، ألا تعتقد أنها تحتاج الى خلفية فكرية وشعبية وعلى الاحزاب السياسية الحفاظ عليها، ثم هل يمكن أن نتحدث عن ميثاق جديد للعمل السياسي بالمغرب، وهل من الممكن أن نتوقع عودة الكتلة الديمقراطية، وبروز تكتل اليسار..؟
– أعتقد أنه من خلال كل التدخلات والتفاعل مع كل الأسئلة التي طرحت علي، أعتبر أن ما نحتاج اليه اليوم ، هو كتلة وطنية لا تستثني أحدا..، وحتى لما توجهت إلى جيراننا الجزائريين، استحضرت في دعوتي لهم، أن ما ينتظرنا يتطلب القدرة على المواجهة.. وأن فتح الحدود من أجل التعاون اقتصاديا وتجاوز هذه القطيعة ما بين البلدين ..
ولنترك المكانة للحكمة تتصدرمستقبل الشعبين الجزائري والمغربي.. وأما بخصوص المشهد السياسي المغربي، فأعتقد أننا مطالبون بأن نؤجل كل هذه الأمور حتى نتجاوز هذه المحنة، وبعد ذلك نتنافس، كل واحد منا من منطلق تصوراته..