في البداية أتوجه بالشكر للأخوات والإخوة في الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية والشبيبة الاتحادية ومنظمة مينا لاتينا على هذه الدعوة الكريمة، مع متمنياتي بنجاح أشغال هذا الملتقى، وأن يشكل إضافة نوعية إلى العمل البرلماني لعموم الاشتراكيين والاشتراكيين الديموقراطيين في العالم، وأرحب باسم منظمة النساء الاتحاديات بكل ضيوف هذا الملتقى على أرض المغرب، أرض لقاء الثقافات والحضارات والشعوب.
ولا بأس في البداية إلى الإشارة أني أمثل منظمة النساء الاتحاديات، وهي منظمة نسائية تجمع نساء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهي المنظمة التي تخوض منذ مؤتمرها الأخير في أكتوبر 2022 معركة الترافع والتعبئة من أجل تعديل مدونة الأسرة المغربية في أفق المناصفة والمساواة، وهذه السيرورة الترافعية والنضالية جعلت المنظمة في طليعة النضال النسائي من أجل الحقوق والحريات والإنصاف، وأدعوكن وأدعوكم إلى الاطلاع على هذه التجربة الرائدة في هذه المرحلة المفصلية وطنيا وإقليميا وعالميا.

      إننا كجزء من الأممية الاشتراكية، ومن تيار الاشتراكيات الديموقراطيات، لا نجد أي حرج في الانطلاق من قرارات الأمم المتحدة الساعية إلى تكريس المساواة والإنصاف، ولذلك فقد اعتمدنا في مرجعياتنا وثيقة: أهداف التنمية المستدامة، والمعروفة ب " تغيير عالمنا" والصادرة عن الأمم المتحدة في 25 شتنبر 2015، والتي تم إدراجها في خطة التنمية المستدامة 2030 في فاتح يناير 2016، وهي الخطة التي جعلت المساواة هدفا خامسا ضمن رزنامة 17 هدفا.

وعليه، لا نعتبر المساواة بين الجنسين حقا من حقوق الإنسان فقط، يجب النضال من أجل تحقيقه، بل نعتبر المساواة القاعدة الأساس لعالم متقدم يوفر الرفاهية والعيش الكريم لكل مكوناته، فلا تقدم بدون مساواة، حتى ولو تحقق ازدهار اقتصادي، فسيكون خادعا، مادام أن جزء كبيرا من المجتمع ممثلا في النساء سيكون محروما من عائداته.

وإذا عدنا إلى تقارير التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإننا نجد أن الدول التي تصنف في أعلى الهرم، هي تلك التي حققت وراكمت حصيلة متقدمة على مستوى المساواة بين الجنسين، وتحديدا الدول الاسكندنافية

طبعا، لا يمكن أن ننكر أن أوضاع النساء في العالم قد تطورت نسبيا على مستوى التعليم والشغل والصحة وخصوصا الصحة الإنجابية، لكن هذه المكتسبات تعرف تفاوتات رهيبة بين دول الشمال ودول الجنوب، إذ في الوقت الذي تخوض فيه النساء في أوروبا وأمريكا الشمالية معارك من أجل تحسين تمثيليتهن السياسية، أو من أجل تجويد النصوص المتعلقة بقوانين الشغل، او مناهضة التنميطات المتعلقة بصورة المرأة في وسائل الإعلام والإشهار، فإن نساء عديدات في دول إفريقية وآسيوية لازلن يعشن أوضاعا مأسوية من قبيل الزواج المبكر، وعدم تثمين مجموعة من الأشغال الشاقة من قبيل الاحتطاب والزراعة في ظروف خطيرة، هذا فضلا على أن الصراعات المسلحة والحروب الأهلية تكون لها انعكاسات سلبية أكبر على النساء والأطفال، وتؤدي حتى إلى تراجع النزر القليل من المكتسبات المرتبطة بالدراسة والصحة.

إن الفقر وغياب العدالة الاجتماعية يوفر بيئة خطيرة لإنتاج أوضاع غير مقبولة في القرن الواحد والعشرين من قبيل الاتجار في البشر، والعمالة الجنسية المنظمة من قبل مافيات الجريمة العابرة للقارات، وأشكال العبودية الجديدة، ولقد أبرزت جائحة كوفيد أن النساء يبقين في مقدمة ضحايا كل أشكال الكوارث، سواء الطبيعية أو الوبائية، أو تلك الناتجة عن النزاعات المسلحة، والتهجير القسري، وحتى تدمير البيئة.

 غير أن هذه الصورة الكارثية لا يجب أن تكون فرصة لأنواع من التضامن المتجاوز، الذي لا يعدو بيانات الشجب والاستنكار، أو تقديم معونات عابرة، أو التعبير عن الأسف، بل يجب أن يتم تطوير أشكال التضامن الأممي، لتكون أكثر فاعلية، ولنتذكر أن جدار الفصل العنصري في بريتوريا، ما كان ممكنا سقوطه بغير التضامن الأممي.

ولذلك فإن بلدان وحكومات الشمال مسؤولة بشكل أو بآخر عن استدامة الفقر والتسلط والتخلف في دول الجنوب، ليس فقط بسبب إرثها الاستعماري الكولونيالي، بل كذلك لأن العديد منها فضلت دعم حكومات غير ديموقراطية ودموية حفاظا على مصالحها الاقتصادية، بل إن بعضها ساهم في حصار وعرقلة عمل دول تسعى للتحرر من الهيمنة، وبناء نماذجها الخاصة في التنمية، وسعيها إلى عالم متعدد ومتضامن.

إن النخب والمناضلات والمناضلين وعموم الاشتراكيين والاشتراكيين الديموقراطيين عليهم مسؤولية دعم النضالات النسائية من أجل التحرر والمساواة والإنصاف، وعليهم الانتباه إلى سلسلة التقاطعات التي يجب استحضارها أثناء دعم الديناميات النسائية، ذلك أن اضطهاد

النساء في بعض الجغرافيات يتقاطع مع أشكال أخرى من الاضطهاد بسبب اللون أو الطبقة الاجتماعية أو الاختيارات الجنسية أو الانتماء الديني أو الإثني أو العرقي.

ولا يجب أن يفهم أن هذه التقاطعات هي محصورة في جغرافيات إفريقية أو آسيوية أو شرق أوسطية فقط، بل إن هذا التقاطعات موجودة حتى في الدول الأوروبية ودول أمريكا الشمالية، وخصوصا في أوساط المهاجرين والمغتربين والأقليات.

وباعتباري أمثل منظمة النساء الاتحاديات، التي هي جزء من نسيج المنظمات النسائية المغربية التي تعمل منذ استقلال المغرب على تطوير مكانة النساء في كل المجالات، فلا يسعني من موقع المسؤولية إلا تسجيل التقدم المطرد على مستوى الحقوق والحريات التي لها علاقة بجدلية المساواة والتنمية، وهنا يجب الإشارة إلى الدعم الذي وجدته المناضلات والمناضلون من أجل المساواة من طرف أعلى سلطة في البلاد، ممثلة في جلالة الملك، الذي وظف اختصاصاته الدستورية ورمزيته الروحية لدعم الديناميات النسائية الحداثية والديموقراطية، ولا نبالغ إذا قلنا إنه يقود ثورة هادئة في محيطنا الإقليمي سواء الشرق أوسطي أو الشمال إفريقي من أجل دفع الديناميات المجتمعية نحو الانعتاق من إرث تاريخي كان ينطلق من تراتبيات تؤبد هيمنة ذكورية على الأنساق المجتمعية، وهنا يجب التذكير أن الاستعمار للأسف رغم كل ادعاءاته بأنه كان يحمل رسالة التحديث، فإنه على العكس من ذلك، كان يدعم كل أنساق التقليد والمحافظة لأنها كانت تخدم مصالحه، ويمكن العودة إلى أعداد النساء اللواتي استفدن من تعليم عصري أثناء فترة الاستعمار، وأعدادهن في السنوات الأولى للاستقلال، ليتبين أن بناء مجتمع الحداثة والتقدم لم ينطلق إلا مع انتهاء البنيات الاستعمارية.

ومناسبة هذا التذكير، هو تصحيح بعض التنميطات الاستشراقية التي تتوهم أن هناك مركزية غربية للتقدم والتحديث، وهنا دعونا نتأمل هذه المفارقة، ففي الوقت الذي كان الاستعمار الفرنسي مثلا يتحالف مع بنيات مغرقة في التقليد من قواد وفقهاء متشددين، كان الملك محمد الخامس يتحالف مع الحركة الوطنية ذات الأفق التحديثي ويدعو إلى تدريس النساء ومنحهن حقوقهن المدنية والسياسية والثقافية.

ولذلك فإننا نعتبر الملكية المغربية ليس فقط حليفا موضوعيا في معركة إقرار المساواة الشاملة، بل نعتبرها قائدة لهذا المشروع.

ختاما، أود أن أعيد التذكير بهذه الخلاصات:

  • لا توجد تنمية دون مساواة شاملة، وكل ازدهار اقتصادي دون ذلك، هو شكل من أشكال التنمية المزيفة التي لا تضمن الاستدامة.
  • إن اشكال اضطهاد النساء التي تعوق المساواة متعددة، ومنطبعة بخصوصيات محلية، ولذك فإن تضامن نساء العالم وكل الديموقراطيات والديموقراطيين هو ضروري، ولكن دون وصاية أو ارتكان إلى توهم تفوق.
  • إن الطريق نحو التحرر والمساواة والتنمية المستدامة له مداخل متعددة، وإن الخصوصيات المحلية يمكن أن تكون رافدا مهما في مسيرة المساواة إذا تم استثمارها بتأويل حداثي، وكانت وراءها إرادة سياسية داعمة.

شكرا لكن، ولكم، ومعا وسويا من أجل عالم خال من كل أشكال الاضطهاد والحروب وتسليع القيم وتدمير الأرض والبيئة، عالم المساواة والتحرر والعدالة الاجتماعية والرفاهية والتضامن.

رحاب حنان
الكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

بيان منظمة النساء الاتحاديات

من مقترحات تعديلات المعارضة الاتحادية إعفاء جمعيات المجتمع المدني 

يوسف إيدي لرئيس الحكومة: «أين نحن من الاكتفاء الصناعي؟»

حفل تسليم شهادات نهاية الدورة التدريبية بتعاون مع مؤسسة فريدريك إيبرت التابعة للحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني