-كيف ترين وضعية المرأة بعد دستور 2011؟

إن دستور2011 أعلى وثيقة قانونية رسخت ووسعت حقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة بشكل خاص، تناول المساواة بين الجنسين بشكل عرضاني مع تنصيص حصري في الفصل 19، إلا أنه بعد10سنوات يمكن أن نسجل المفارقات التالية.
-المفارقة بين المضمون الحقوقي للنص وضعف الفاعل السياسي المتزامن مع زمن التنزيل، حيث كانت القراءة والتأويل متخلفين بشكل واضح عن روح النصوص المتقدمة.
-المفارقة بين قوة وتنامي المستوى الترافعي بشقيه الحزبي والمدني من أجل تحديث وضع المرأة المغربية والارتقاء بشرطها وبين ضعف الأثر وفعليته عل الأوضاع القانونية والاقتصادية والاجتماعية للنساء.
-المفارقة بين المكتسب القانوني الذي ناضل من أجله نساء ورجال الصف التقدمي،(المساواة،المناصفة،تجريم العنف،تقنين العمل المنزلي،….إلخ)، وبين ضعف التملك المجتمعي لهذه المكتسبات، هذا المجتمع الذي تغيب أو تضعف فيه حركية ثقافية عميقة وواسعة تعمل على مراجعة الموروث وخلخلة اللاشعور الجمعي القائم على التمثل الدوني لأدوار المرأة بشكل عام. إنها مفارقة تشي بغياب الاشتغال المتوازي:أي تجويد النص وتحديث المجتمع ثقافيا على مستوى التمثلات والذهنيات المتحكمة في العطالة الاجتماعية بشكل دال، بالإضافة إلى مفارقة إرادة الدولة في أعلى مستوياتها لإرادة باقي المؤسسات، غياب التساوق بين هذه وتلك في مجال الارتقاء بمختلف حقوق النساء، فالإرادة التحديثية الحقوقية النسبية عمودية إلى أقصى الحدود،-رغم بعض الإشارات المنصفة من حين لآخر-لم تخترق بعد المستويات التنموية والسوسيولوجية الأفقية.
فدون الدخول في تفاصيل، وبعيدا عن تبخيس المكتسبات، ما زلنا نصنف ارتباطا بوضعية المرأة في بلادنا في مراتب متأخرة ولا تزال مساحة النضال واسعة أمامنا وأمام الأجيال القادمة من النساء والرجال .

– ما رأيك في مشاركة المرأة المغربية في صنع القرار بالبلاد؟

لا مجال للتذكير بالمعطيات الإحصائية في مجال تواجد المرأة المغربية في مواقع القرار، كل المواقع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها فهي معلومة منشورة في المنابر ذات الصلة، كلها تؤكد ضعف هذا التواجد. فلعل أقوى وأشرس معركة يمكن أن تخوضها مناضلات الأحزاب السياسية والمجتمع المدني ومختلف أطياف النسيج الحقوقي الجاد والتحديثي هي المعركة من أجل مشاركة النساء في القرار لأن الأمر يتعلق بتقاسم السلطة والنفود، يتعلق بالاقتطاع من مكتسب ظل لعقود أو لقرون وقفا على الرجال مدعومين في ذلك بثقافة تقليدانية لا تتمثل المرأة إلا فاعلة في الفضاء الخاص، ثقافة قدمت الفضاء العام باعتباره فضاء معاديا للنساء، متعارضا مع “أدوارهن الطبيعية”منتقصا من أنوثتهن المشتهاة. وعلى الرغم من التراجع النسبي لهذا التمثل فلا تزال آثاره قائمة في الفهمين الفردي والجماعي، وذلك ضدا عن حجم التحولات المجتمعية وضدا عن التطورات التي سجلتها النساء في المجالات الاقتصادية والتعليمية وفي واجهة تحمل مسؤوليات التربية والإنفاق، وضدا عن أهمية التشريعات والقوانين، وعلى رأسها الدستور المغربي، كما أسلفت ردا على سؤالكم الأول، لم ينعكس بعد المؤشر الإحصائي الدال على تواجد النساء في مواقع القرار والوظائف السامية وفي أهم مجالات التدبير العمومي: فنسبة العاملات في مجال التدريس لا تتساوق مع نسبة المتواجدات في مجال القرار التعليمي التربوي، عدد العاملات في المعامل والمقاولات في القطاعين الخاص والعام لا ينعكس على حجم النساء في مجال القرار الاقتصادي…..وكذلك الأمر بالنسبة لباقي القطاعات، فالنساء مغيبات بشكل كبير عن مواقع القرار، وإن كانت أقوى المعارك وأكثرها تجليا هي تلك التي تخوضها النساء من أجل الوصول إلى مواقع القرار السياسي والتدبير العمومي، سواء على المستوى المركزي أو الترابي، على تقدير أن رفع هذا التحدي قد يكون مفتاحا لربح باقي المعارك، إن هذا الضعف يجسد عدم تحقق العلاقة السببية والمنطقية بين التزايد الكمي للنساء في الكثير من القطاعات وبين التحول النوعي المطلوب من خلال تواجدهن في مواقع القرار بذات القطاعات. إنها الوضعية التي يتعين تصويبها اليوم وغدا استجابة للمطالب المشروعة للحركة النسائية في بلدنا، تفعيلا لدستورنا المتقدم، تفاعلا مع إرادة الدولة العليا، وإحقاقا لمجتمع الحداثة والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، خصوصا بعد أن أسقطت الجائحة مجموعة من البداهات ارتباطا بقدسية وتفوق “الصنم الذكوري”عل مستوى الفهم والتدبير والاستباقية، ففي زمن الأزمات تتأكد حاجة المجتمع إلى مجموع طاقاته وإلى ذكائه الجماعي، ولا بد أن نعي اليوم أن غياب أو ضعف تواجد النساء في مواقع القرار، كما هو الأمر عندنا، مؤشر قوي على تعثر التحديث وإعلان صارخ عن فشل النمودج المجتمعي الديمقراطي وإخلاف للموعد مع الاستراتيجية الوطنية من أجل تحقيق التنمية الشاملة وتجاوز الهوة بين الرجل والمرأة من جهة وبين الدولة المركزية والدولة الترابية من جهة أخرى. ونتوقع من التنزيل الجدي والفعلي للنموذج التنموي الجديد وللجهوية المتقدمة أن يعالجا هذه الاختلالات، على اعتبار أن تقاسم السلطة وتواجد النساء في مواقع القرار، كل المواقع شرط ومدخل رئيس من أجل تحقيق التنمية واستكمال البناء الديمقراطي لبلدنا.

– كيف تتوقعين المشاركة السياسية للمرأة المغربية في الاستحقاقات الانتخابية القادمة؟

أولا، دعني أثير انتباهك إلى أن التوقعات الانتخابية في بلدنا، -بصفةعامة- قليلة الصدقية لاعتبارات كثيرة لا يسمح الحيز بذكرها، إنما في البدء أتوقع أو أراهن على الأقل على ارتفاع نسبي للمشاركة السياسية تصويتا -رجالا ونساء- تجسيدا للأثر الإيجابي لمجموعة من القوانين والمقتضيات التنظيمية الجديدة التي مت المصادقة عليها، مؤخرا. أتوقع أو اراهن على ارتفاع المشاركة السياسية للنساء تصويتا وترشحا و فوزا، فنسبة الثلث في مجالس العمالات والأقاليم ومجالس الجهات، وكذا أهمية التمثيلية على مستوى المجالس الجماعية والعمديات أمر في غاية الأهمية والجاذبية- وإن كان لا يرقى إلى الحق الدستوري في المناصفة والمساواة-أمر مهم مقارنة مع الاستحقاقات السابقة .
أما على مستوى الاستحقاقات التشريعية فالأمر في تقديري شبه محسوم، فبعد إلغاء لائحة الشباب لن يدخل البرلمان المقبل إلا تسعون امرأة عن اللوائح الجهوية، والنسبةهذه- وإن كانت تبقي وتطور آلية التمييز الإيجابي-إلا أنها أقل من الثلث بكثير ولا ترقى للمناصفة كحق دستوري ولا إلى المذكرات المطلبية الترافعية التي تقدمت بها النساء المناضلات، سواء على مستوى التنظيمات الحزبية أو جمعيات المجتمع المدني.وحدها الأحزاب السياسية قادرة على رفع التحدي إن هي رشحت النساء في الدوائر المحلية ذات الحظوظ الواعدة، وإن هي آمنت بضرورة تحديث وتأنيث المشهد السياسي في بلادنا، وإن كان الأمر في تصوري صعبا جدا بالنظر إلى مواصفات الكثير من المرشحين الرجال اليوم من جهة، وبالنظر إلى عسر العملية الانتخابية الموسومة بتجارتي المال والدين، ففساد وإفساد المناخ الاستحقاقي عائق أمام المشاركة السياسية للنساء.
إلا أنني كخلاصة أعتبر أنه لا بد أن تسجل استحقاقات 2021 تطورا كميا ونوعيا في مجال المشاركة السياسية للنساء و إرادة سياسية حقيقية في هذا السياق، فدون أن أشيطن العمل السياسي عند الرجال أو أنتقص منه، تجدر الإشارة إلى أن الجدية في الالتزام وتحمل المسؤولية رافقت الكثير من المهام الانتخابية للمرأة المغربية و لمناضلات حزبنا بالتحديد، وأنا متأكدة أنه يمكن للنساء أن يعطين وجها جديدا للسياسة وللتدبير العمومي في بلادنا وأن يساهمن من مواقع القرار في إنجاح الأوراش الوطنية الكبرى تجسيدا لنموذج المجتمع الديمقراطي الحداثي الذي نريد.

رئيسة المنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الاستاذ إدريس لشكر: لابد من لائحة وطنية تضم «امرأة ورجل» لتطوير أداء المؤسسة التشريعية

الكاتب الأول يحضر اللقاء التواصلي الأول لنقيب المحامين بالرباط

بيان منظمة النساء الاتحاديات حول : ضرب حقوق النساء المغربيات عبر مواد إعلامية “مخدومة ” واستغلالها من قبل أعداء المغرب

منظمة النساء الاتحاديات ترسي هيكلتها التنظيمية الإقليمية بمكناس تحت شعار «المساواة بين الجنسين أساس مجتمع قوي ومتوازن»