رسالة الاتحاد

في كلمته خلال المؤتمر الوطني للمؤسسة الاشتراكية للمنتخبات والمنتخبين، الذي انعقد في ماي 2024، وجّه الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأستاذ إدريس لشكر، نقدا مباشرا لبنية الحكامة المحلية في المغرب، مركّزًا على ما أسماه “السحب المنهجي لاختصاصات المجالس الترابية المنتخبة”، لفائدة شركات ووكالات تتصرف فعليا في الميزانيات وتدبير البرامج، خارج أي رقابة ديمقراطية مباشرة.

هذا النقد الذي وجهه الأخ الكاتب الأول منذ ما يفوق السنة اليوم، يتقاطع بشكل واضح، وإن اختلفت وضعيات المجالس البلدية ونظيرتها القروية، مع ما تعيشه العديد من الجماعات الترابية، ومنها جماعة أيت بوكماز، التي تعرف منذ أسابيع موجة احتجاجات اجتماعية تقودها الساكنة، بشكل لافت، إلى جانب رئيس المجلس الجماعي نفسه، الذي عبر عن عجزه التام في تلبية مطالب المواطنين، بسبب محدودية الموارد وتعقيد المساطر وتقييد حريته في اتخاذ القرار من قبل الإدارة الترابية.

كما شدد الكاتب الأول، في كلمته الموجهة للمنتخبين الاتحاديين، على أن نظام اللامركزية، كما يقره الدستور، يفترض أن تسند الصلاحيات الحقيقية للمنتخبين باعتبارهم الممثلين الشرعيين للساكنة. غير أن الواقع يكشف العكس، إذ أصبحت شركات التنمية المحلية والجهوية، والوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع، هي الفاعل الحقيقي في الميدان. وهذه الكيانات، رغم أنها تشتغل باسم الجماعات، توجه قراراتها غالبا من طرف السلطات الإدارية، لا من طرف المجالس المنتخبة.

ما قاله الأستاذ إدريس لشكر يجد تجسيده الصارخ في جماعة أيت بوكماز، حيث يعيش السكان عزلة وتهميشا مزمنا، في ظل هشاشة البنيات الأساسية وغياب المرافق الاجتماعية، والأدهى أن رئيس المجلس البلدي نفسه، الذي من المفترض أن يكون في موقع المساءلة، انخرط في دعم مطالب الساكنة، معلنا أنه لا يملك من الوسائل شيئا لتحقيق وعوده..

في وضعية مثل هذه، من نحاسب؟ هل نوجه الغضب إلى رئيس جماعة لا يتوفر على ما يكفي من الموارد، ولا على صلاحيات حقيقية للتنفيذ؟ أم نحاسب مدراء الوكالات وشركات التنمية الذين لا نعرف أسماءهم، ولا ينتخبهم أحد، لكنهم يتصرفون فعليا في الميزانيات، ويوقعون الصفقات، ويشرفون على تنفيذ البرامج؟

ما نعيشه اليوم هو أزمة في جوهر النظام الترابي المغربي، حيث يتم الالتفاف على المجالس المنتخبة تحت غطاء الفعالية والسرعة والنجاعة، ويتم تسليم صلاحياتها إلى كيانات شبه عمومية لا تخضع لمراقبة المواطنين، ولا لسلطة المنتخبين. وبهذا الشكل، نكون قد صنعنا واجهة ديمقراطية لا تملك القرار، ومراكز قرار غير خاضعة للديمقراطية.

احتجاجات أيت بوكماز ليست سوى مرآة لواقع أشمل، عشرات الجماعات تعيش الوضع نفسه: مواطنون غاضبون، مجالس منتخبة مقيدة، وميزانيات محجوزة بين أيدي سلطات إدارية لا تخضع للمساءلة الانتخابية. هذا الوضع لا يضرب فقط مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بل يهدد ثقة المواطنين في المسار الديمقراطي برمته.

وحين نصل إلى مرحلة يصطف فيها رئيس جماعة إلى جانب المحتجين ضد عجز جماعته على الوفاء بوعودها، فذلك يعني أن الديمقراطية التمثيلية أصبحت في خطر، وأن الوقت قد حان لإعادة النظر الجذرية في قواعد اللعبة، وهو ما دعا له الكاتب الأول عندما اقترح في ذات المؤتمر إلى فتح ورش تشريعي واسع، يعيد النظر في القوانين التنظيمية التي تؤطر عمل الجماعات الترابية، من القوانين الانتخابية، إلى تلك المتعلقة بتوزيع الصلاحيات والموارد. مؤكدا أن المسؤولية في تدبير الشأن المحلي “أمانة وطنية” لا يمكن للمنتخبين أن يتحملوها بمفردهم، في ظل منظومة تقيدهم وتحملهم كامل مسؤولية الفشل.

إن معركة الدفاع عن المنتخبين لا تعني الدفاع عن الأشخاص، بل الدفاع عن إرادة الناس التي يفترض أن تحكم، عن إعادة التوازن بين الدولة والمجتمع، بين السلطة الإدارية والسلطة المنتخبة، بين من ينفذ ومن يحاسب، على مجالس منتخبة بوسائل حقيقية، بصلاحيات فعلية، بميزانيات كافية، وبرؤية استراتيجية لا تقطعها يد الوصاية الإدارية في كل مرحلة، فلا تنمية ممكنة خارج الثقة، ولا ثقة دون عدالة مؤسساتية إذا صح التعبير..

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

كلمة الكاتب الاول الاستاذ ادريس لشكر في الذكرى الأربعينية لرحيل مولاي المهدي العلوي ..

هذا ما قاله الكاتب الاول خلال المؤتمر الإقليمي السابع للحزب بخريبكة .. 

انعقاد المؤتمر الإقليمي للحزب بالناظور

انعقاد المجلس الوطني للحزب