رسالة الاتحاد
في كل محطة تنظيمية تُعنى بإعادة بناء حزب الاتحاد الاشتراكي، يتجدد الجدل وتتوالى محاولات التشويش، لكن الملاحظ أن الأصوات الناقدة لا تأتي من داخل الحزب، بل أغلبها صادرة من خارجه.
أول هاته الأطراف، أولئك الذين ناصبوه العداء، الإيديولوجي والسياسي والإنساني، منذ وُجدوا، ومن أطراف تخلت عنه منذ سنين، أو وضعت نفسها على هامشه، واختارت أن تُمارس المعارضة من بعيد، في هاته المرحلة أو في مراحل سابقة عنها.
أولئك وهؤلاء، يلتقون موضوعيا مع إرادة مبرأة، لها أدواتها ،منابرها ووسائل عملها، بل مؤسساتها، التي تعمل من أجل تبخيس الفعل الحزبي الملتزم والمتزن، وتسعى، تحت شعارات براقة ومغرية تكتسي في كل مرحلة من تاريخ المغرب لبوسا معينة. إلى تهميش العمل المنظم، المستقل والنابع من عمق المجتمع.
وهذه القوة الثلاثية الدفع، لم يكن أصحابها في حاجة إلى المؤتمر الـ12، أو قراراته التنظيمية وخطابه السياسي ليشهروا سيوفهم ويشحذوا ألسنتهم ويرصوا الصفوف للهجوم على الاتحاد، هجوما يجمع بين البذاءة وقلة الحياء تارة والجهل والرعونة تارات عديدة والاستعلاء والتضليل الإيديولوجي مرة ثالثة.
وهنا تظهر بعض الوجوه التي تخلت عن تاريخه، وأخرى تسوّق لنفسها كبديل، لتعلن – في كل مرة – أن الحزب قد انتهى، أو فقد هويته، وكأنما تبحث في كل تحول تنظيمي عن فرصة للانقضاض على المسار.
لكن المثير في الأمر أن من هؤلاء، من تخلوا عن الحزب منذ عقود، بعد أن أخفقوا في الوصول إلى مواقع المسؤولية أو التأثير. ومع ذلك، يصرّون في كل محطة، على العودة الموسمية إلى الواجهة، وكأن الزمن لم يتحرك، وكأن الحزب ظل مجمّدًا في اللحظة التي غادروه فيها.
يتشبثون بعضوية قديمة كما لو كانت صك ملكية جامدة لا تخضع لمنطق الالتزام والبذل والعطاء، حتى لو انقطعت علاقتهم بالحزب تنظيميًا وسياسيًا لسنوات طويلة. والأسوأ من ذلك، أنهم ينظرون بازدراء إلى المناضلين الذين ثبتوا على خط النار والاختيار، وقبضوا على الجمر في ظروف صراع مرير، تماما كما ينظرون إلى المناضلين الجدد الذين التحقوا بالحزب في ظروف صعبة، واصفين إياهم بـ»الوافدين» الذين لا حق لهم في التمثيل أو في المشاركة في صياغة توجهات المرحلة.
والمفارقة العجيبة، بل الصادمة، أن هؤلاء الذين يرفعون لواء النقد باسم «الوفاء للمبادئ»، لا يترددون في الترويج لأسماء دخلت السياسة من بوابة الإنفاق، واكتسبت الحضور الظاهري عبر «الأنفاق»، فقط لأنها تهاجم الاتحاد وتستهدف رموزه. في تناقض صارخ بين خطاب يدّعي الطهارة السياسية، وسلوك يُغذي الانتهازية ويشرعنها.
أما عندما يُمارسون النقد، وهو حق مكفول للجميع، فإنهم لا يفعلونه من موقع البناء أو الحرص، بل من رغبة في الهدم، في كل مرة يحقق فيها الحزب تقدمًا أو يخرج من اختبار تنظيمي موحّد الصف، تنفجر تلك المرارة، وتتحول إلى هجوم عدائي، بلا موضوع، وبلا بديل.
ومع ذلك، تبقى هذه الدعوات بلا تأثير، لأن الاتحاديات والاتحاديين حين يقررون، ينحازون إلى المستقبل لا إلى الماضي، إلى ما يجب فعله لا إلى ما كان.
لقد أثبتوا ذلك في المؤتمرات الإقليمية،وأكّدوه في المؤتمر الوطني، حيث كان الخيار واضحًا: مواصلة البناء، وتثبيت الاستقلالية، والانخراط الواعي في معركة التجديد، بعيدًا عن الإملاءات، وبمنأى عن أصوات التشويش.
وقد استمر هذا الوضع لسنوات، إلى أن تمكّن الحزب، بإرادة جماعية، من تجاوز مرحلة التردد والضجيج، وتخلّص من العوائق المفرملة.
ومع هذا التحول، تحقق قدر كبير من الانسجام الداخلي والتلاحم التنظيمي، سمح للحزب باستعادة عافيته السياسية والتنظيمية، والعودة إلى موقعه الطبيعي كقوة مؤثرة في المشهد السياسي.
وما الحضور الوازن لقيادات الأحزاب والنقابات وممثلي المجتمع المدني في مؤتمراته، إلى جانب الأجواء الهادئة، المسؤولة، والنقاشات الرفيعة التي طبعَت لقاءاته الأخيرة، إلا دليل ملموس على أن الاتحاد عاد ليقود، لا ليُقاد، وعاد لينافس بثقة على صدارة الفعل السياسي الوطني، كما كان دائمًا في لحظاته التاريخية الحاسمة.
فأي اتحاد تريدون؟ اتحادًا يُدار بمنطق الحنين والاحتكار؟ أم حزبًا حيًا، ديمقراطيًا، متجددًا، يُصنع بإرادة مناضليه، لا بأوهام من تخلوا عنه أو يناصبونه العداء قبل هذا المؤتمر وسيناصبونه العداء بعده؟
إن الاتحاد الاشتراكي، اليوم، لا يُقاس بالضجيج، بل بالرصيد، لا يُقوَّم بالحملات الموسمية، بل بالفعل السياسي الميداني، وبقوة التنظيم، وشرعية الاختيار الديمقراطي.
تعليقات الزوار ( 0 )