من الطبيعي، في أي تدبير للمرافق العمومية، أن تسجل اختلالات، تستحق التقييم والمراجعة، إذ يحدث هذا في كل الدول، ويعتبر أمراً عادياً يدخل في إطار الصعوبات التي تعترض التسيير والتنفيذ، غير أنها عندما تكون شاملة لمجالات واسعة وقطاعات بأكملها، فإن الأمر لا يظل عادياً، بل يتحول إلى قضية كبرى، تتطلب التفكير والتأمل والحلول الجذرية.
ويمكن القول، إن تقرير المجلس الأعلى للحسابات، بخصوص المحاكم المالية، برسم سنتي 2016 و2017، وضع الأصبع على اختلالات كثيرة، في صرف الميزانيات وتنفيذها، وتحقيق الأهداف المرسومة، وإدارة الموارد البشرية، في قطاعات متعددة، تهم وزارات ومرافق حيوية للدولة، وقد عرض كل هذا بتفصيل وأرقام ومعطيات واضحة، في إطار مراقبته وتقييمه لتنفيذ السياسات العمومية.
وإذا كان هذا التقرير مفيداً، بالدرجة الأولى، للحكومة ومختلف المؤسسات المكلفة بتدبير الشأن العام، فإنه مفيد كذلك لهيئات أخرى مثل الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والباحثين والخبراء، بالإضافة إلى الصحافة والإعلام، إذ يقدم مادة خبرية غنية، كما يتيح للصحافيين فرصة إنجاز تحقيقات وإلقاء مزيد من الأضواء على العديد من القضايا الهامة، استناداً إلى معطيات وتقييمات صادرة عن مؤسسة دستورية.
كما أن هذا التقرير يكشف عن قضية أساسية، بشأن الاختلالات التي سجلها، تتعلق بمسألة الحكامة، إذ أن الملاحظات التي تضمنها، تحيل إلى عجز بنيوي في تنفيذ سياسات مبرمجة وميزانيات مرصودة، وفي غياب التنسيق والبرمجة والتقييم، وغيرها من المؤشرات السلبية، التي تتشابه في صورتها العامة.
لذلك، فإن قراءة التقرير من خلال مقاربة الحكامة، سيكون إضافة نوعية، لما تضمنه من ملاحظات وانتقادات بناءة، تستوجب من المسؤولين عن تدبير الشأن العام، استحضار هذه الاشكالية، التي خصص لها الدستور باباً كاملاً، ومبادئ مؤسِسّةٍ للديمقراطية، مثل الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة واحترام المرفق العام والمساواة بين المواطنين والانصاف في التوزيع الترابي والجودة وتغليب المصلحة العامة، وغيرها من مقومات الحكامة الجيدة.
الكاتب : يونس مجاهد
تعليقات الزوار ( 0 )