في زمنٍ تتقاطع فيه الاحتجاجات الاجتماعية مع البحث عن أفقٍ جديد للفعل السياسي الوطني، وفي ظل حالة القلق التي تسود الشارع المغربي نتيجة السياسات الحكومية المتغوّلة، يبرز حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كصوتٍ عاقل ومسؤول يربط بين التحليل السياسي والبعد الإنساني، بين الإصغاء لنبض الشارع وتجديد أدوات العمل الحزبي الميداني.
فالعنوان «الاتحاد الاشتراكي وتجديد القيادة الإقليمية في زمن الاحتجاجات الاجتماعية» ليس مجرد توصيف صحفي، بل قراءة في لحظة وطنية دقيقة يعيشها المغرب اليوم، حيث يتقاطع الاحتقان الاجتماعي مع الحاجة إلى قيادات سياسية قادرة على الإصلاح والبناء، لا على التبرير والتبرّؤ.
من هذا المنطلق، نكتب هذا المقال من زاوية إنسانية قبل أن تكون تنظيمية، لأن الاتحاد الاشتراكي لم يتعامل قط مع السياسة كسباق على المواقع، بل كمسؤولية وطنية وأخلاقية، قوامها الإخلاص، والالتزام، وخدمة المواطن.
ولهذا، فإن تقديم الإخوة الذين تم انتخابهم خلال المؤتمرات الإقليمية الأخيرة في فاس، أزيلال، بن سليمان، الفقيه بن صالح، اليوسفية، درب السلطان الفداء، وإقليم ابن مسيك، لا يأتي فقط لإعلان الأسماء، بل لتسليط الضوء على جيل اتحادي جديد يجسد التوازن بين التجربة والشباب، وبين الكفاءة والاستقامة، وبين حب الوطن والإيمان بالفعل الجماعي.
لقد انعقدت هذه المؤتمرات في ظرف اجتماعي وسياسي حساس، حيث تتسع الهوة بين الوعود الحكومية ومعيش المغاربة، وتتفاقم أزمات قطاعات حيوية كالتعليم والصحة والتشغيل. وفي الوقت الذي اكتفت فيه الأغلبية الحكومية بالخطاب المطمئن والوعود المعسولة، كان الاتحاد الاشتراكي ينزل إلى الميدان، يؤطر، يناقش، ويعيد الثقة في السياسة باعتبارها أداة للإصلاح لا وسيلة للتهرب من المسؤولية.
ولعل ما يميز اللحظة التنظيمية الراهنة أن حزب الاتحاد الاشتراكي عقد إلى اليوم 72 مؤتمرًا إقليميًا في فترة وجيزة من الزمن، جسّد خلالها دينامية غير مسبوقة في المشهد الحزبي الوطني.
الاتحاد الاشتراكي يسدل الستار على المؤتمرات الإقليمية من الداخلة: بوابة المغرب على إفريقيا ورمز الوحدة الترابية
يختتم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سلسلة مؤتمراته الإقليمية من مدينة الداخلة، في لحظة وطنية رمزية تؤكد عمق الارتباط بالأقاليم الجنوبية ووفاء الحزب لثوابته الوطنية الراسخة في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة. فالداخلة ليست مجرد محطة تنظيمية عادية، بل هي رسالة سياسية قوية تحمل دلالات استراتيجية، باعتبارها بوابة المغرب نحو إفريقيا ومجاله الأطلسي، وتجسيدًا حيًّا للرؤية الملكية السامية التي جعلت من الصحراء المغربية مركز إشعاع للتعاون جنوب–جنوب، ومنصة للاندماج الاقتصادي الإفريقي المشترك.
ويُعد هذا اللقاء مناسبة للكاتب الأول للحزب، الأخ إدريس لشكر، للوقوف على التطور الملموس الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية، والتأكيد على مصداقية المقترح المغربي للحكم الذاتي كحلّ جادّ وواقعي للنزاع المفتعل حول الصحراء، بما يعزز إشعاع النموذج المغربي في تدبير الاختلاف بالحوار والديمقراطية والمسؤولية. كما يشكل اللقاء لحظة سياسية تعكس انخراط الاتحاد الاشتراكي في الدينامية الوطنية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، الرامية إلى ترسيخ البعد الإفريقي للمغرب وتعزيز التعاون بين دول الجنوب بما يخدم المصالح المشتركة ويقوّي حضور القارة الإفريقية في المحافل الدولية.
ومن الداخلة إلى بوزنيقة، يفتح الحزب صفحة جديدة في مساره التنظيمي، إذ يمثل هذا اللقاء الختامي تمهيدًا لعقد المؤتمر الوطني الثاني عشر للحزب، الذي سيُصادق خلاله على الأوراق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتنظيمية التي ستوجّه عمل الاتحاد الاشتراكي في الاستحقاقات القادمة، سواء التشريعية لسنة 2026 أو الجماعية والجهوية والمهنية لسنة 2027. وهي محطة فاصلة يؤكد من خلالها الحزب عزمه على خوض غمار التغيير الديمقراطي الحقيقي، وتجديد مشروعه المجتمعي بما يترجم انتظارات الشباب المغربي في الكرامة والتنمية والعدالة الاجتماعية والمجالية، انسجامًا مع التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش الأخير، الذي جعل من الكفاءة والإنصاف الاجتماعي محورًا لإقلاع وطني شامل.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو يسدل الستار على مؤتمراته الإقليمية من قلب الصحراء المغربية، يعلن جاهزيته الكاملة للانتقال إلى مرحلة جديدة من الفعل السياسي الوطني، قائمة على الإصغاء لنبض المجتمع وتجديد النخب وتوسيع المشاركة. فالحزب، بتاريخه النضالي ورصيده الوطني، يواصل اليوم التزامه بخدمة الوطن والمواطن، مؤمنًا بأن المغرب في حاجة إلى يسار قوي، وبديل تقدمي مسؤول، يضع الإنسان في صلب التنمية، ويربط بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمجالية كأفق لمغرب الغد.
المؤتمر الوطني الثاني عشر ببوزنيقة أيام 17 و18 و19 أكتوبر 2025، يُرتقب أن يشكل تتويجًا سياسيًا وتنظيميًا لمسارٍ اتحاديٍ متجددٍ يعيد ترتيب العلاقة بين الحزب والمجتمع، وبين الفكرة الاتحادية وروح الوطن.
تحية تقدير للمنتخبين الجدد ودينامية ميدانية متصاعدة.
كل التوفيق للإخوة الذين حظوا بثقة المؤتمرات والمؤتمرين خلال نهاية هذا الأسبوع، بعد انتخابهم في مهام الكاتب الإقليمي ورئيس المجلس الإقليمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في عدد من الأقاليم ا التي تعرف دينامية تنظيمية ونضالية متواصلة رغم صعوبة السياق الوطني الراهن.
لقد أثبتت هذه المؤتمرات أن الاتحاد الاشتراكي، رغم التحديات، يستمر في تجديد دمائه التنظيمية، وفي إنتاج قيادات محلية تمتلك القدرة على الجمع بين التحليل السياسي والالتزام الميداني، بين خدمة المواطن والانفتاح على قضاياه اليومية.
تحية خاصة للمؤتمرات والمؤتمرين بفاس، وللجماهير الشعبية التي عبّرت، من خلال حضورها الكبير في الجلسة الافتتاحية، عن انخراطها الواعي في الدينامية الاتحادية المتجددة، وثقتها في الاتحاد كقوة وطنية مسؤولة قادرة على تقديم البديل الواقعي في زمن الارتباك الحكومي.
ما حدث في فاس خلال مؤتمرها الإقليمي لم يكن مجرد تجديد للهياكل، بل تجديد للثقة في المشروع الاتحادي ذاته.
لقد أكدت العاصمة العلمية أن الاتحاد الاشتراكي لا يزال حاضرًا في وجدان الجماهير، كحزب يملك شرعية النضال التاريخي وشرعية الفعل الميداني المعاصر.
إن الحضور الشعبي الوازن الذي شهدته فاس لم يكن حدثًا عادياً، بل رسالة واضحة إلى من أراد اختزال السياسة في تدبير تقني أو وعود انتخابية قصيرة الأمد: مفادها أن السياسة الحقيقية هي الإصغاء، والمواكبة، والمسؤولية الأخلاقية أمام المواطنين.
وفي وقتٍ غابت فيه الحكومة عن التواصل الفعلي مع المواطنين، واكتفت بتبريراتٍ إنشائية أمام أزمة المعيشة والبطالة، كان الاتحاد الاشتراكي يفتح أبواب الحوار، وينزل إلى الميدان، واضعًا نصب عينيه هدفًا واحدًا: إعادة الثقة في السياسة، وفي المؤسسات، وفي الأمل.
من التجديد التنظيمي إلى المبادرة السياسية
الدينامية التنظيمية التي يعيشها حزب الاتحاد الاشتراكي اليوم ليست مجرّد عملية إدارية لإعادة ترتيب الأجهزة، بل تحوّل استراتيجي في منهجية الفعل الحزبي ذاته.
فالحزب، الذي راكم تاريخًا طويلًا من النضال الوطني والديمقراطي، يُدرك أن بناء المستقبل لا يتم بقرارات فوقية، بل من القاعدة إلى القمة، من الميدان إلى المؤسسات، ومن الواقع الاجتماعي إلى المشروع السياسي.
إن انتخاب قيادات إقليمية جديدة في مختلف الجهات هو في العمق تجديد للصلة بين الحزب والمجتمع، وبين الفكرة الاتحادية ومطالب المواطنين.
بهذه الخطوة، يعلن الحزب أنه لم يعد يكتفي بانتقاد أعطاب التدبير العمومي، بل يسعى إلى إنتاج نخب قادرة على تحويل الخطاب إلى ممارسة، والمرجعية التقدمية إلى حلول ملموسة.
فالقيادة في المنظور الاتحادي ليست موقعًا شرفيًا، بل مسؤولية جماعية وميدانية تتجلى في الإنصات الدائم، وصياغة المبادرات المحلية، والدفاع عن قضايا الناس حيث هم، لا من وراء المكاتب أو المنصات الإعلامية.
من هنا تأتي أهمية الربط بين التجديد التنظيمي والمبادرة السياسية: فكل مؤتمر إقليمي لا يُقاس بعدد الحاضرين، بل بقدرته على تجديد الأمل في السياسة، وبما يفرزه من كفاءات تتقن لغة الواقع وتملك الشجاعة لطرح الأسئلة الصعبة حول العدالة، والمساواة، والحكامة، والتنمية.
الاتحاد الاشتراكي، وهو يُعيد بناء ذاته من القاعدة، يُؤسس لمرحلة جديدة من العمل السياسي الوطني: مرحلة تعيد الاعتبار للمناضل الفاعل، لا للمسؤول الصامت؛ للسياسة ذات البعد الإنساني، لا التقني؛ وللنضال المسؤول القادر على صياغة البدائل بدل الاكتفاء بالاحتجاج أو التنديد.
أهمية التنظيم الحزبي قبل المؤتمر الوطني
قبل انعقاد المؤتمر الوطني الثاني عشر، يبرز التنظيم الحزبي كرافعة أساسية لتجديد الفكر والممارسة داخل الاتحاد الاشتراكي.
فالحزب، الذي اختار منذ مؤتمره الاستثنائي نهج النضال الديمقراطي، يدرك أن التنظيم هو العمود الفقري لأي فعل سياسي ناجح، وأن لا مشروع فكري أو اجتماعي يمكن أن يصمد دون قاعدة صلبة من الانضباط، والمشاركة، والمحاسبة، والتجديد الذاتي.
إن الانشغال بالتنظيم ليس انغلاقًا في الذات، بل اختيار استراتيجي لتقوية البنية الحزبية وتأهيلها للمرحلة المقبلة.
فالمؤتمر الوطني ليس غاية في حد ذاته، بل محطة لتثمين المجهودات القاعدية، وإعادة توزيع الأدوار بين الهياكل، وإحياء روح المسؤولية الجماعية التي تميّز المدرسة الاتحادية.
وفي هذا السياق، تأتي المؤتمرات الإقليمية كتمرين ديمقراطي حيّ يُعيد الاعتبار للمشاركة القاعدية، ويمنح المناضلات والمناضلين فرصة التعبير والمبادرة، في انسجام تام مع فلسفة الحزب القائمة على «الاشتراكية الديمقراطية في الفعل لا في القول».
إن التنظيم بالنسبة للاتحاد الاشتراكي هو فضاء للتنشئة السياسية والتأطير المواطني، يُعلّم قيم الالتزام والنزاهة واحترام المؤسسات، ويضمن استمرار الفكرة الاتحادية عبر الأجيال.
ومن هنا، فإن كل خطوة تنظيمية قبل المؤتمر الوطني تمثل استثمارًا في المستقبل، لأنها تُعيد بناء الثقة بين الحزب ومحيطه، وتُهيّئ الأجواء الفكرية والسياسية لولادة مرحلة جديدة من العمل الاتحادي المؤطر، القوي، والمندمج مع نبض الوطن.
الاتحاد الاشتراكي… صوت الوطن في زمن العجز
لقد أثبتت المرحلة الحالية أن الساحة السياسية في المغرب تعرف عجزًا بنيويًا في الفعل الحكومي والتواصلي، تجسّده الأغلبية التي فقدت القدرة على الإنصات للمجتمع، وابتعدت عن جوهر الدولة الاجتماعية التي بشّرت بها في خطاباتها.
في المقابل، يظل الاتحاد الاشتراكي صوت الوطن في زمن الصمت، وصوت العقل في زمن الضجيج، لأنه الحزب الذي لم يتخلّ يومًا عن واجبه في الدفاع عن القضايا الكبرى للوطن، مهما اختلفت الظروف أو تبدّلت التحالفات.
منذ تأسيسه، ظل الاتحاد الاشتراكي مدرسة في الفكر والممارسة؛ مدرسة في مقاومة الاستبداد والتسلط، كما في حماية المؤسسات والدفاع عن التوازن الاجتماعي.
واليوم، أمام موجة الإحباط الشعبي واحتجاجات الشباب، ينهض الحزب بدوره التاريخي مجددًا، مؤكدًا أن البديل ليس في التهويل ولا في الشعبوية، بل في مشروع سياسي تقدمي واقعي يقوم على العدالة، والتعليم، والصحة، والشغل، والكرامة.
فحينما تلوذ الحكومة بالصمت أمام المطالب الاجتماعية، يتكلم الاتحاد الاشتراكي بلغة الصدق والمسؤولية؛ وحينما تتراجع الأحزاب عن أداء دورها الوسيط، يقدّم الاتحاد نموذجًا حيًا في التواصل والتأطير؛ وحينما تتقوقع القوى السياسية داخل حدود مصالحها، يخرج الاتحاد إلى الشارع، إلى المواطن، ليذكّره أن السياسة لا تزال ممكنة، وأن الأمل لم يمت.
إن الحزب، في كل محطة تنظيمية، يُعيد إلى السياسة معناها الحقيقي: أن تكون في خدمة الناس لا فوقهم، وأن تكون مشروعًا وطنيًا جامعًا لا حسابًا انتخابيًا ضيقًا.
ومن هنا، فإن المؤتمرات الإقليمية ليست مجرد تحضير للمؤتمر الوطني، بل إعلان عن ميلاد جيل جديد من الاتحاديات والاتحاديين المؤمنين بأن التغيير لا يُمنح بل يُنتزع بالنضال والفكر والإرادة.
خاتمة: نحو مؤتمر وطني تتويجي واستراتيجي
إن ما يشهده الحزب اليوم من تجديدٍ في القيادة الإقليمية وحيوية في النقاشات الداخلية ليس سوى مقدمة طبيعية لمؤتمر وطني تتويجي، سيشكل محطة فاصلة في مسار اليسار المغربي ومسار الدولة الاجتماعية على السواء.
فالمؤتمر الوطني الثاني عشر لن يكون مجرد لقاء تنظيمي، بل محطة فكرية وسياسية لتقييم التجربة الاتحادية وتجديد مشروعها المجتمعي في ضوء التحولات الإقليمية والدولية.
الاتحاد الاشتراكي يدخل هذه المرحلة مسلحًا بثلاثة عناصر قوة مترابطة:
الشرعية التاريخية التي اكتسبها من تضحيات مناضلاته ومناضليه عبر العقود، والقدرة الفكرية والسياسية على صياغة البدائل الاجتماعية والديمقراطية الواقعية، والرصيد الأخلاقي والإنساني الذي يجعله قريبًا من قضايا المواطن البسيط.
إنه حزب يعرف من أين أتى، ويدرك إلى أين يريد أن يذهب.
فالاتحاد الاشتراكي لا يسعى فقط إلى تجديد هياكله، بل إلى تجديد الأمل في السياسة نفسها، وإعادة الثقة في الأحزاب كأدوات للإصلاح والتغيير، لا كأدوات للتموقع والمناورة.
وبهذه الروح الاتحادية الأصيلة، يمضي الحزب نحو مؤتمره الوطني الثاني عشر حاملًا مشروعًا واقعيًا لمغرب الغد: مغرب العدالة الاجتماعية، والمساواة في الفرص، والكرامة في العيش، والحرية في التعبير، والمواطنة الكاملة في الحقوق والواجبات.
فالاتحاد الاشتراكي، كما كان دائمًا، حزب الفكرة، حزب الوطن، وحزب الأمل؛ حزبٌ لا يقيس الوطنية بالشعارات، بل بالفعل والإخلاص، وبالقدرة على تحويل المعاناة الشعبية إلى مشروع إصلاحي متكامل يليق بتاريخ المغرب ومستقبل أجياله.
تعليقات الزوار ( 0 )