مشروع الورقة الثقافية:  من أجل تعاقد ثقافي حداثي بمنظور نقدي متحرر
و متجدد في أفق انعقاد المؤتمر الوطني الثاني عشر

يعقد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مؤتمره الوطني الثاني عشر، أيام 16 و17 و18 أكتوبر 2025، في سياق دينامية تنظيمية وسياسية تكتسي دلالتها الخاصة بالنظر إلى الموقع المتقدم للحزب على صعيد المعارضة المؤسساتية، وفي ظل تحولات دولية ووطنية ذات أبعاد متعددة ومتشابكة، ترخي بظلالها الأكيدة على المعطيات العامة والخاصة ببلادنا، وهو ما يتطلب في إطار إعداد الورقة الثقافية للمؤتمر 12 استثمار ما تم ترصيده فكريًا ومذهبيا من أرضيات ثقافية ومقترحات متقدمة في هذا الجانب، والاستئناس بما أنتجته رموزه التاريخية من رؤى ومشاريع نوعية مواكبة لمجموع التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم بأسره.
ومن منطلق استيعاب المعطيات الموضوعية المبنية على التحليل الملموس للواقع واستشراف آفاق النهوض بالمجتمع، وفي إطار الحوار الخَلاَّق مع المنجز الثقافي الكوني وآفاقه المفتوحة على المتعدد واللانهائي، مع استحضار المكتسبات الحقوقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لدستور 2011، وكذا منجز النموذج التنموي الجديد ومقترحاته في الشأن الثقافي… كل ذلك يستدعي منا في هذه اللحظة الحزبية المفصلية، التأمل في مضامين الإرث المذهبي للحزب على مستوى سياقاته المتعاقبة والمختلفة الحاملة لمواقف وتصورات وإسهامات دالة، شكلت رافعة مركزية في معركة النضال من أجل التحديث والتنوير بما تطرحه هذه المعركة من تحديات راهنية ومستقبلية، ظل الحقل الثقافي يواجهها ضمن تحولات بنيوية عرفها المجتمع المغربي، وكان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منخرطا في صميم الفعل والممارسة؛ يقود معركة التغيير بكل أبعادها السياسية والفكرية، ويُحَيِّنُ أدواته التحليلية في قراءة الواقع واستنطاق مُضْمَرَاتِهِ، مع ما يستلزمه الأمر من تجديد في التصور الثقافي والمنهج والممارسة؛ المسنودة بالخبرة التاريخية وامتلاك الرؤية والمبادرة والأهلية لتسطير تعاقد ثقافي حداثي بمنظور نقدي تحرري متجدد، ووعي يَتَنَزَّلُ الثقافة منزلة العنصر المحوري والعصب المفصلي، الذي يأتي في طليعة المداخل المُوَجِّهَة لأي تحول أو إبدال أو استنهاض مجتمعي منشود ومأمول ومطلوب نظريًا وموضوعيا ومؤسساتيا.

لا يمكن مساءلة الواقع الثقافي المغربي والنهوض بممكناته، دون الانطلاق من تشخيص يرصد الأعطاب البنيوية والوظيفية، التي يمكن تسجيل أهمها في ما يأتي:
•الافتقار إلى منظور شمولي نسقي مؤسساتي يجعل من الثقافة قاطرة للإصلاح، ومدخلا رئيسا للتغيير الشامل، الهادف إلى تجذير الفعل الثقافي في الجسم المجتمعي، بوصفه أداة للنهوض بالواقع السياسي والحقوقي والاجتماعي للإنسية المغربية.
•قصور الوعي المؤسساتي الذي ما يزال سجين العجز السياسي وغياب أي إرادة فعلية تحسم مع الاختيارات التي تختزل الثقافة في بعدها الفلكلوري، وتكرس من ثمة، هامشيتها وثانويتها على مستوى البرامج الحكومية والميزانيات المرصودة لهذا القطاع المهم.
•تغييب البعد الجهوي في التعاطي مع الشأن الثقافي، مع ما يمثله ذلك من إهدار فرص الاستثمار الناجع للتعدد الثقافي والغنى الهوياتي والثروة الرمزية التي يحملها هذا البعد.
•تفاقم الاختلالات المنتجة لسياسات انتقائية ومحدودة الرؤية، ساهم في تعميق الفوارق الثقافية محليًا وجهويا، وفي غياب الإنصاف المجالي.
•غياب التخطيط لهندسة ثقافية تربط الاستثمار في الموارد الثقافية بالاقتصاد المنتج للثروة، والمعزز للعرض الثقافي الجهوي بكل أبعاده، ودعمه بكافة الوسائل والآليات.
•القصور على مستوى تأهيل الموارد البشرية القادرة على إدارة الشأن الثقافي، وتفعيل مبادئ الحكامة الثقافية، وخلق إمكانات اقتصادية لتشجيع الاستثمار في هذا المكون.
•غياب استراتيجية إعلامية ثقافية من شأنها المساهمة في تشكيل الوعي الجمعي القائم على المشترك الثقافي في تعدديته وغناه الهوياتي وانفتاحه على الكوني.
•الانتظارية التي تطبع تنزيل المضامين الدستورية، والآفاق التي فتحتها على مستوى تدبير التعدد الثقافي والتنصيص على الحقوق الثقافية، وتفعيل آليات النهوض بالوضع الثقافي المغربي.
ويتضح من خلال قراءة موضوعية لهذه الاختلالات التي يعرفها الحقل الثقافي المغربي منذ الاستقلال، أن الحاجة أضحت ملحة للوقوف عند الأسباب الثاوية وراء عوامل الجمود والانتظارية القاتلة التي تعمل على تأبيد داء العطب، بفعل اعتماد مرجعيات تستبعد الثقافة من حسابات التنمية ورهاناتها، مما تسبب في مفاقمة واقع العجز، واستدامة عناصره الكابحة لأي مبادرة مؤسساتية تروم بناء تصورات جديدة وفارقة للقطع النهائي والحاسم مع هذا المنطق، وهو ما يستدعي منا كحزب تميز مشروعه المجتمعي بالانتصار لقيم الثقافة والفكر، ووضعها في قلب معركة التغيير، أن نجعل من الثقافة واجهة مركزية للتعاطي مع فلسفة الإصلاح عبر منظور شمولي عقلاني حداثي، يشكل سدا منيعا أمام المد المحافظ والرجعي والنزوعات النيوليبرالية المكرسة لديكتاتورية السوق والتسليع والتنميط والاستلاب وتشيئ الإنسان ونفيه.
وبناءً عليه، يمكن بسط عدد من التساؤلات التي يمكن أن تمثل خريطة طريق لأي تصور ثقافي نسقي وشامل:
•فأي تصور اتحادي يستجيب اليوم للتحولات المجتمعية، ويجيب على الانتظارات، ويلبي حاجة الإنسان المغربي إلى الثقافة والإبداع والوجدان؟
•كيف نجعل من الثقافة رافعة لتأطير التحولات المجتمعية وتحريك الفعل السياسي، في أفق تعزيز المكتسبات الديموقراطية ورفع التحديات التنموية؟
•ما الأدوار التي يمكن أن تؤديها الثقافة اليوم، أمام الانفجار الرقمي وتعدد وسائط الاتصال وفتوحات الذكاء الاصطناعي؟
•كيف يمكن الاستثمار في التعدد الثقافي واللغوي، وعكس ذلك على مستوى بناء الشخصية المغربية، والتمكين لقيم التنوير والتحرر الفكري والعدالة الاجتماعية والمجالية؟
ومن المُوَائِمِ في هذا السياق، التأكيد على أن هذه التساؤلات تشكل في مجملها نوعا من العصف الذهني، ودعوة مفتوحة للتفكير الجماعي والحزبي بصوت مسموع، من أجل إبداع الصيغ الممكنة لتدشين إصلاح مؤسساتي على قاعدة ثقافية، وجعل محطة المؤتمر الوطني، لحظةً لخلق أجواء التجاوب والحوار الخلاَّق والمنتِج، بين الحزب بأطره النسائية والشبابية والثقافية، ومختلف الفاعلين في المشهد العام، لذلك، تفرض المسؤولية الملقاة على عاتقنا في هذه المرحلة الدقيقة، بلورة وتسطير توجهات ثقافية مستوعبة لمجموع التحولات المجتمعية، وما تطرحه من تحديات ورهانات مفتوحة على المستقبل.

المحور الأول:
في ضرورة المراجعة النقدية للتصور الاتحادي حول الثقافة

شكل المشروع الثقافي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، منذ التأسيس، أحد أركان الفعل النضالي والسياسي، إِذِ انخرط الحزب في الدفاع عن الثقافة بوصفها فعلاً تحررياً، ومجالاً لصون الكرامة الإنسانية وإغناء الهوية وتوسيع أفق الوعي، في تلازم جدلي مع المشروع السياسي الديمقراطي الاجتماعي للحزب. فمنذ تأسيسه، لم يفصل الاتحاد الاشتراكي بين النضال من أجل الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة، وبين معركة تحرير العقل وإعادة الاعتبار للإنسان في كليته، باعتباره ذاتاً حرة، قادرة على إنتاج المعنى وممارسة النقد ومقاومة كل أشكال التجهيل والتدجين الفردي والجماعي، بغاية ضمان الحقوق الثقافية بوصفها قاعدة صلبة لمجتمع المواطنة والمعرفة المُحَصِّنَة لأفراده في زمن اللايقين وتشظي الحقائق وتعدديتها، من خلال الارتقاء بالذوق والوجدان وملكة الإبداع لدى الشخصية المغربية المتميزة بغناها الثقافي واللغوي والرؤيوي للعالم وتفاعلها مع الكوني، وانتظامها في الأفق الإنساني، دون استلاب أو اغتراب ثقافيين يمارسان عبر عدد من السلط الرمزية، فضلًا عن وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط السمعية والبصرية، ودون تعطيل لفاعلية العقل، وتنميط للذوق، وقولبة للسلوك، وتزييف للمخيال، وتسطيح للوعي، وفي الوقت ذاته، دون انغلاق أو توحش يؤدي إلى تكبيل الإرادات وتجميدها، والإجهاز على التماسك الهوياتي للنسيج المجتمعي.
وبناءً عليه، نعتبر أن أي نقاش راهني يلتحم بالثقافة، أو ينطلق مداره العام من رؤيتها، هو في صميمه؛ تفكير في الإنسان وأبعاده الوجودية الفردية والجماعية، وتساؤل حول كينونته، وطرح لقضايا مصيرية تشغل العالم وتعقيداته، وتَأُمُّلٌ في مآلات قيم الاختلاف والغيرية والعيش المشترك، ذلك أن ارتهان الثقافة اليوم، لأبعاد ومظاهر متنوعة، متعددة، مُرَكَّبَة ومشروطة بجملة من التحولات الكبرى العاصفة، وفي زمن يوصف باللايقين؛ حيث لا مكان لسرديات مركزية أو إيديولوجيات خلاصية ترى العالم والإنسان من جانب واحد وضيق، يصير هنا مفهوم الثقافة أكثر تعقيدا، نظرا للبنية المركبة للموضوع، واعتبارا كذلك لسياقه الخاص المحكوم جدليا بعدد من الاختيارات المذهبية التي تفرض نفسها بالضرورة… غير أن هذه الثوابت أو القواعد أو المنطلقات المرجعية ومهما بَدَتْ وَجَاهَتُهَا، لا يجب أن تلغي عددا من الإبدالات والمتغيرات الفارقة، كما لا يجب أَنْ تَحُولَ أو تُكَبِّل وجهة النقاش الذي يجب أن يتحرر من عائقين مركزيين؛ يتلخصان في: وثوقية الكوني، ووثنية الخصوصي… وينهل بالمقابل، من منجزات الفكر المعاصر، وفلسفة الاختلاف والمغايرة والصيرورة، ما يؤسس لوعي نقدي متقدم، تساؤلي، استنهاضي، تحرري… يستفز أحياز الفهم المحافظ، انطلاقا من بلورة أفكار متجددة ومفتوحة تَنْكَتِبُ من محبرة التساؤل والاستشكال، وتعيش سَفَرَهَا الدائم وتَرَحُّلَهَا المستمر خارج أي ادعاء زائف بالاكتمال والوثوقية والسير في الاتجاه المعاكس لقيم التنوير وفلسفة الاختلاف واستضافة المستقبل.
وفي هذا الإطار، وبالنظر إلى موقعنا، كحزب اشتراكي ديمقراطي حامل لمشروع مجتمعي حداثي يبني رؤيته انطلاقا من الثقافة التنويرية المنفتحة على المتاح البشري، ويعتد في الوقت نفسه، بالأصيل في مجتمعنا، بمرجعيته الدينية المستوعبة لقيم الاجتهاد العقلي والأنماط الثقافية المميزة للشخصية المغربية…كل ذلك، يقتضي منا إعادة النظر في والتصورات والمفاهيم التي أقام عليها حزبنا مشروعه الثقافي، على هدي التحولات الجذرية التي تخترق مجتمعنا وتؤثر فيه، ووفق ما نعيشه اليوم من عناصر استجدت في بنية الدولة والمجتمع، ومن تحديات متنامية تطول القيم والمنظومات الرمزية والمعرفية… كل هذا يحتم علينا، كاتحاديات واتحاديين، إعادة التفكير في السؤال الثقافي بوصفه سؤالاً مركزياً في معركة التغيير الشامل، ونقطة ارتكاز لأي فعل سياسي مدني يستهدف تحصين الإنسان المغربي في زمن الانفجار الرقمي، وانحسار الثوابت، وتنامي النزعات الشعبوية واتساع مساحات التطرف بكل ألوانه.
على هذا الأساس، يمكن النظر إلى أهم الاعتبارات الذاتية والموضوعية في ضرورة المراجعة النقدية للتصور الاتحادي حول الثقافة، انطلاقا من مجموع العناصر الآتية:
•أهمية التعاطي مع المسألة الثقافية من منظور نسقي يخترق كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والتربوية والرقميات المستحدثة… ومن الضروري، تبعا لذلك، استيعاب مجموع التحولات التي تمر بها المجتمعات اليوم، وتقديم أجوبة متقدمة تضع الإنسان في قلب هذه التحولات، لكونه كائنا ثقافيا بكل ما تحمله هذه الكلمة من محددات لكينونته المادية والفكرية واللغوية والرمزية، وبأنماط تفكيره وسلوكه ومعتقداته وقيمه الدينية والأخلاقية وبإنتاجاته المادية واللامادية، وهي بالضرورة علاقة متغيرة وليست ثابتة، تطبع انتماءه للبيئة الثقافية الفردية والجمعية، وهويته وأشكال ارتباطاته بذاته وبالغير والعالم المحيط به.
•اعتبار الثقافة ركنا أصيلا في البناء الديمقراطي وتحقيق المواطنة الكاملة، وركيزة أساس لكسب رهانات التنمية وحقوق الإنسان، الشيء الذي يقتضي منا العمل على تسطير استراتيجية ثقافية شاملة تتمفصل حولها كل هذه الأبعاد السالفة الذكر.
•أهمية البعد الثقافي في التكوين وبناء التراكم النوعي، والتمرس على النقاش السياسي وأشكال المعرفة، الضروريين لكل مناضل/ة يحمل مشروعا اشتراكيا تحرريا تقدميا، مُؤَسَّسا على قيم الفكر المعاصر وقادرا على مواجهة قوى ارتكاسية نكوصية محافظة، بغاية الدفاع عن الطرح الحزبي حول المسألة الثقافية في أبعادها الشمولية.
•النظر إلى الثقافة بوصفها الموجه الأساس للسياسة، لكونها ليست ترفا أو مصفوفة من الكماليات ذات أدوار ثانوية هدفها تأثيث المشهد العام، وأن العمل السياسي في غياب ثقافة مؤطرة وموجهة، يظل عملا أجوف مجردا من الوظيفة النقدية للثقافة، التي تملك وحدها مفاتيح تطوير آلياته على مستوى الوعي والممارسة، وتخصيب مساهمته في تأطير المجتمع، ونشر قيم الحرية والاختلاف والغيرية…
•الوقوف عند مخاطر ابتعاد السياسي عن المثقف وإحداث أية قطيعة محتملة في العلاقة بينهما، في الوقت الذي يتطلب الأمر وجود تلاقٍ وترابطٍ وتكاملٍ بينهما، بشكل يسمح بتجاوز العجز البنيوي الذي يعرفه المجتمع، ومن هنا التأكيد على الأدوار الحيوية للمثقف/ة من خلال كتاباته وإنتاجاته، وسلطته المعرفية ورؤيته النقدية، للمساهمة في إذكاء الوعي السياسي والثقافي والمجتمعي، ببوصلة فكرية وتوجه واضحي المعالم، دفاعا عن قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان تنظيرا وممارسة…
•أهمية التمييز بين حق المواطن/ة في قناعاته الثقافية التي تنتصر للقيم الإنسانية، وحقه في المعارف الضرورية للمشاركة في الخيارات الرئيسة على المستوى الفردي والجماعي، وبين حقه كذلك، في الولوج إلى الثقافة المتمثل في المشاركة الثقافية، واستعمال وسائل التواصل والتعبير، وبالتالي إمكانية إنشاء ثقافته الخاصَّة به من خلال الإنتاج والإبداع والتكوين.
•تحيين المرتكز الثقافي في مذكرة الاتحاد الاشتراكي المقدمة إلى لجنة النموذج التنموي، باعتباره عنصرا رئيسا لدعم الديمقراطية والتنمية، إضافة إلى باقي المرتكزات المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية، بوصفها آليات سياسية واقتصادية واجتماعية، من شأن أجرأتها؛ وضع البلاد في سكة التحديث والتقدم، مع ضرورة حماية التنوع الثقافي واللغوي في إطار الوحدة الوطنية، وفسح المجال أمام مساهمات أقوى وأنجع لمختلف التعبيرات واللغات المحلية في الثقافة الوطنية، وتعزيز الوضعية الاعتبارية للغتين العربية والأمازيغية. مع الانفتاح على اللغات الحية.
•تعزيز مكانة الثقافة في فكر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لأنها مُكَوِّنٌ بنيوي في تصوره للدولة والمجتمع، وعَامِلٌ محدد في صياغة هويته النضالية، حيث اعتُبر النضال الثقافي ضرورة استراتيجية، في مواجهة الاستبداد، والتصدي للنزعات الظلامية، ومقاومة الرداءة واستراتيجيات التتفيه. فالمنظور الاتحادي للثقافة ينبني دوما على مقاربة شمولية، تُدرج الثقافة في بعدها الرمزي والمعرفي والتربوي ضمن رهانات التحديث المجتمعي، باعتبارها الرافعة الأساس للتحرر والإبداع والمواطنة الفاعلة.
•الاستثمار الإيجابي لمساهمة الحزب ودوره التاريخي في بلورة خطاب عقلاني، منفتح، تنويري، متحرر، يتسلح بالنقد كأداة للتفكيك والتركيب، ويجعل من الثقافة مجالاً للصراع الرمزي ضد استراتيجيات الاستلاب والتسطيح وتغييب العقل، وفي هذا السياق، راكمت التجربة الاتحادية تراثاً غنياً في الحقل الثقافي، سواء من خلال منابر الحزب الإعلامية المكتوبة ( التحرير، المحرر، الاتحاد الاشتراكي،…)، أو عبر مناضليه ورموزه الفكرية، أو من خلال إسهامه في صوغ سياسات ثقافية عمومية تراعي التعدد والانفتاح والحداثة، دون أن ننسى التراكم النوعي لتجربة التناوب التوافقي بقيادة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، الذي شكل في إطارها الإصلاح الثقافي، ركنا منصهرا في الإصلاحات الشاملة السياسية والمؤسساتية، المُجَسِّدَة لإرادة الحزب في بلورة مشروع ثقافي، يستجيب لدقة المرحلة ويُرْسي لبنات سياسة ثقافية شاملة ومندمجة، وذلك في إطار مشروع مجتمعي متعدد الأبعاد والمستويات يشتبك مع أعطابه البنيوية بجرأة فكرية، تلامس عمق الإشكال ولاتتأخر في صياغة أجوبة لحسم هذه الأعطال، وفتحها على ممكنات الفعل الثقافي الموكول له وحده، إحداث التحولات الفارقة في حياة الإنسان والمجتمع المغربيين.
وفي ظل هذا السياق البالغ التعقيد، لابد من طرح تساؤلات مُلِحَّة، تستدعي من الحزب بلورة أجوبة سياسية ثقافية، على أساس عقلاني من قبيل:
•كيف نجعل من الثقافة عنصرا مركزيا يحرك الفعل السياسي ويوجه استراتيجية النضال الديمقراطي؟ وكيف تساهم المؤسسات المجتمعية في القيام بالوظيفة الثقافية، على مستوى التربية والتكوين والتأطير وتشكيل الوعي الجماعي؟
•ما هي العلاقة التي يجب أن تربط بين الفعل السياسي والفعل الثقافي؟ وما هي حدود الترابط والتأثير بينهما؟ وهل يستقيم العمل السياسي من دون مرجعية ثقافية محددة أو موجهة ومتجددة؟
•ما الأدوار الجديدة التي يمكن أن ينهض بها المثقف اليوم أمام اتساع مساحات سطوة الرقمي، وبروز الفاعل الافتراضي كبديل للتأثير والاستقطاب؟ ونزوع التكنوقراطي إلى إلغاء الفاعل السياسي والمثقف؟
•لماذا ظلت الثقافة في السياسات العمومية شأنا ثانويا على هامش الأجندات الحكومية المتعاقبة، خاصة بعد التنصيص الدستوري عليها؟
•كيف يمكن تفعيل الحقوق الثقافية واللغوية المنصوص عليها في الدستور المغربي لسنة 2011، وتحقيق عدالة ثقافية مجالية جهوية ومحلية تنتصر للتعدد الثقافي؟
•أية استراتيجيات لضمان إصلاح ثقافي جذري يستجيب لتطلعات المغاربة، في ظل فشل السياسات العمومية لبلورة فعل ثقافي مستدام؟
•ما هي العوامل الذاتية والموضوعية التي أدت إلى تراجع منسوب النخب السياسية المثقفة داخل الإطارات المدنية والأحزاب الوطنية والتقدمية ذات المرجعية الحداثية؟
• ما هي أدوار كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية خاصة المدرسة والجامعة والإعلام، في بناء وعي ثقافي جماعي يناهض الرداءة ويواجه استراتيجيات التتفيه والتسطيح وتسليع الفن والمعرفة؟
•ما موقع الثورة الرقمية اليوم في المشروع الثقافي الاتحادي؟ وكيف يمكن إدماج هذا البعد المستجد، في تصريف مواقف الحزب وتشكيل الوعي السياسي والحقوقي ببلادنا؟
•ما هي آليات بلورة فكر اتحادي ثقافي ينهل من إرثه المذهبي، ويتفاعل مع متطلبات التحرر والتنوير والتغيير اليوم؟
•كيف نجعل من التعدد الثقافي واللغوي رافدا أساسا لتشكيل الهوية المغربية المطبوعة بالغنى والتعدد، وبناء الشخصية المغربية المنفتحة؟
إن هذه الأسئلة المشروعة، في واقع يعرف اختلالات بنيوية ووظيفية، تطول المشهد الثقافي المغربي منذ الاستقلال، على مستوى التنظير والممارسة والتأطير، طيلة عقود من التدبير الحكومي المفتقد للرؤية الثقافية، تضعنا اليوم ونحن في محطة المؤتمر الوطني 12 لحزبنا، أمام ضرورة التفكير في بلورة تصور حزبي ثقافي، جديد، متجدد، يُؤسس لمقاربة شمولية تجعل من الثقافة عنصراً بنيوياً في النموذج التنموي الديمقراطي، وتربط بين الحقوق الثقافية والحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتجعل من التنوع الثقافي واللغوي عنصرا حيويا لتعزيز الهوية المغربية المتعددة، وتقوية أواصر التماسك المجتمعي بمقومات المواطنة والمعرفة والعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان المغربي.

المحور الثاني:
الثقافة رافعة للتحول الديموقراطي وبناء الإنسان

يعيش المغرب اليوم، على وقع تحولات جارفة عالمية ومحلية، تطول منظومة القيم وأنماط العيش والعلاقات داخل المجتمع الواحد، بفعل تداعيات العولمة، واستفحال الليبرالية المتوحشة، وهيمنة الفردية، والانفجار الرقمي، وتنامي النزوعات المحافظة بشتى مرجعياتها وتلاوينها، التي تزيد من مساحات الالتباس وانحسار حقوق الإنسان والديموقراطية على المستوى العالمي… وهو ما يستدعي منا كحزب اشتراكي، ضرورة التفكير الجدي في الثقافة، والانطلاق من اشتراطاتها الموضوعية، بوصفها أداة التغيير المُفْضِي للتحول الديموقراطي، وإعادة بناء الذات الجماعية، وتشكيل الوعي النقدي المُؤَهَّلِ وحده، لمقارعة استراتيجيات الاستلاب الفكري وإلغاء كينونة الإنسان.

• الثقافة والمواطنة:

يضع المشروع المجتمعي الديموقراطي الحداثي للاتحاد الاشتراكي، الثقافة في صلب النضال من أجل الديموقراطية والمواطنة الكاملة، إِذْ لا يمكن بناء مجتمع ديمقراطي في غياب مواطن/ة، لا ينعم بالحقوق والحريات، فلا مواطنة حرة دون شرط ثقافي نقدي، يتيح مساءلة السلطة، وخلق المعنى، والتأثير في مجرى التاريخ وتحولاته، لأن الثقافة تتجسد في منظومة القيم والمعارف والتصورات التي تؤطر حياة الأفراد والجماعات، وتبني المشترك الذي يؤطر البعد الإنساني والوجداني في تعدديته وثرائه، وهي بهذا المعنى، أداة للتحرر من الجهل والتبعية والإقصاء وممارسة كافة أشكال التمييز، وكذلك؛ وسيلة لإعادة بناء الذات الجماعية على أسس تعددية عقلانية، تقطع مع الانغلاق وتنبذ التعصب بكل أطيافه، والخرافة والتحريض على الكراهية… وتعد هذه الاشتراطات، من مقومات المجتمع الحداثي المُرْتَكِز إلى الثقافة وأدوارها ومهامها المنوطة بها في تنمية المجتمع والأفراد، وهو ما يعزز تصورنا في الاتحاد الاشتراكي لإحداث التحولات من خلال الثقافة وبواسطتها، وعيا منا بأن رسم خرائط ديموقراطية فعلية تأخذ أبعادًا جهوية وإقليمية، بما يستجيب لقيم المساواة وتكافؤ الفرص فئويا ومجاليا، ويساهم في التفعيل الملموس للعدالة الاجتماعية والتماسك المجتمعي، وفي الرفع من منسوب الوعي السياسي والديموقراطي… هو التجسيد الواقعي للاستثمار في الثقافة، وتحديدا، في الانسان المغربي الحامل لهذه الثقافة، والناقل لها عبر مؤسسات التنشئة الاجتماعية، لأنه مهما بلغنا من تطور في مجال تحديث البنيات التحتية، فإن الاستثمار الفعلي، يتجلى في الإنسان والمدارك والأفكار، بوصفها تمثل صمام أمان للتنمية البشرية والتطور الشامل.
إن الحاجة للثقافة اليوم، سواء في شقها المعرفي والفكري، أو في تعبيراتها الإبداعية والفنية والجمالية، لفئات اجتماعية عديدة، هي ضرورة في زمن يعرف تحولات كبرى، والاستثمار في التنمية الثقافية، هو استثمار متجدد في الزمن المغربي، مرتبط بسؤال الهوية، والانتماء المتعدد للتربة المغربية في أبعادها اللغوية والثقافية والتعبيرية المختلفة.
وبناءً عليه، يتوجب علينا:
•وضع المسألة الثقافية في سلم الأولويات الديموقراطية والتنموية، لأنها شرط جدلي موضوعي للتحول الديموقراطي في جميع أبعاده، وهو ما يعني أن المرتكز الثقافي هو مدخل استراتيجي لأي إصلاح ممكن.
•ترجمة الإصلاح إلى واقع ملموس، لن يتحقق إلا عبر بناء الإنسان؛ لأن الثقافة تؤدي أدوارا مجتمعية، ووظائف رمزية مؤثرة في اللغة، وأنساق القيم السائدة، والعلاقات، والمخيال والوجدان، ونظام الوعي واللاوعي الجمعيين، لذلك يجب التبئيرعلى هذا البعد الحيوي، حتى لا نكرس منطق إعادة إنتاج الأعطاب وإدامتها وإهدار الفرص الممكنة للإقلاع.
•التركيز في البعد الثقافي على بناء الشخصية المغربية المنخرطة في قلب هذه التحولات، والفاعلة في توجيه بوصلتها، من منطلق الإسهام الإيجابي النابع من وعي سياسي وحس تنويري وفكر نقدي متحرر لمواجهة أشكال العنف الوثوقي المحافظ.
•النظر إلى الثقافة بوصفها موردا خصبا لاستنبات قيم التحرر الفكري والمعرفي والإبداعي، الكفيلة وحدها بتأهيل الإنسان المغربي، وموضعته في قلب الفعل الديموقراطي الهادف إلى التغيير.
•تجسيد المنظور الثقافي وترجمته إلى سياسات عمومية ضامنة لدمقرطة الدولة والمجتمع، والارتقاء بالإنسان المغربي، وإشاعة قيم الأمن الروحي والوجداني، وانفتاح الذات المغربية على المنجز الحضاري الإنساني، والوعي بالغيرية والاختلاف واستضافة الآخر.
•الانفتاح الواعي المسلح بأدوات فكرية تُحَاوِرُ الفكر المعاصر، وتُنَاظِرُهُ بآليات نقدية، وتستثمر مُمْكِنَاتِه في تطوير وسائل العمل الحزبي، والقطع مع طابعها التقليداني، ومسلماتها المُعِيقَة أحيانا للتفكير، وللوظيفة النقدية للمثقف الذي لا يجب أن يتحول إلى بوق حزبي يرتهن إلى الحسابات الظرفية الضيقة، المدفوعة بمنطق تبرير ما لا يُبَرَّر… بل إلى جَرَسٍ يُنَبِّهُ إلى الأفخاخ والمزالق التي يمكن أن يسقط فيها السياسي.

•الثقافة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية:

تُعَدُّ العلاقة بين الثقافة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية في ظل التحولات المجتمعية، من القضايا الملحة في مساءلة علاقة الثقافي بالتربوي والاجتماعي، وعلى الخصوص الوظيفة الثقافية لهذه المؤسسات، فهل مازال في الإمكان الحديث عن دورها، كقنوات حاملة للثقافة في أبعادها الروحية والأخلاقية والقيمية والإبداعية والفنية؟ أم إن واقع الإكراهات والاختلالات التي تعيشها على مستوى مهامها تجعل من وظائفها الثقافية، وظائف تعرف أعطابا واختلالات وهل يعني ذلك أننا أمام انحسار أو توقف للوظيفة الثقافية لمؤسسات التنشئة؟ ونعني بذلك الأسرة والمدرسة والجامعة… ماهي تأثيرات اكتساح العالم الرقمي على أدائها لوظيفتها الثقافية، وقدرتها على تنشئة الأجيال، وتأهيل النخب بما يساهم في تقدم المجتمع، وتقوية البناء المؤسساتي برمته؟
ثم هل هناك إنتاج لثقافة خارج حدود مؤسسات لم تكتمل بعد ملامحها، خصوصا مع التماهي الحاصل اليوم بفعل المحتوى الرقمي، وسلطته العابرة للحدود والمسيطرة على أنماط السلوك والعلاقات والشعور بالانتماء؟
إننا، كحزب وطني حامل لمشروع سياسي اشتراكي ديموقراطي، وفاعل ثقافي فكري حداثي، ظل طيلة مساره النضالي الطويل يعتبر أن النهوض بالمدرسة والجامعة، يقع في قلب التطور المجتمعي، وإنجاز التغيير المنشود، إذ يؤكد في هذا الباب، على ضرورة ردم الفجوة القائمة بين الثقافة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية، وذلك من منطلق إسهامنا الفعال في إصلاح حقيقي للمنظومة التعليمية والتربويّة، بمنطق الحرص الدائم، وفي كل محطات الإصلاح، على المراجعة الجذرية لمضامين التعليم ومناهجه، برؤى ثقافية معرفية تساهم في تشكيل الوعي الثقافي، وإذكاء الفكر النقدي، واستنبات أسس التفكير العلمي في ذهنيات المتعلمات والمتعلمين، التي ترى الحقيقة بمنظور نسبي، وتعيد بناء علاقة الخصوصي بالكوني، انطلاقا من حمولة إنسانية وقيمية منفتحة على المشترك والإبداع والابتكار الإنساني، بما يضمن إرساء قواعد التنوير والتحرر والتعايش المشترك وفلسفة الاختلاف واستضافة الآخر، وهو ما يستدعي منا:
•وضع المدرسة في قلب الرؤية الثقافية للإصلاح، للإسهام في إنجاز مهام التحول الديموقراطي وترسيخ المواطنة الكاملة، بكل ما يتطلبه ذلك، من توفير الإمكانات المادية والبشرية، والضمانات القانونية للخروج من المفارقة الصارخة المُسَجَّلَة على مستوى غياب أي أثر ملموس عَاكِسٍ لمجتمع المعرفة والحداثة والديموقراطية، ومستجيب لتطلعات أبنائه إلى بيئة مدرسية مُفْعَمَةٍ بالحياة والأجواء الفنية والجمالية والعقلانية.
•إدماج قيم الفكر المعاصر في المناهج التربوية والبرامج المقررة والمضامين والمحتويات المعرفية، للخروج من وضعية تعطيل الوظيفة الثقافية، التي من المفروض والمنطقي أن تكون مُشَكِّلَةً للإطار الحاكم لنسق المنظومة التربوية والتعليمية؛ من مراحل التعليم الأولي إلى مستويات التحصيل الجامعي.
•إعادة بناء المتخيل الثقافي الرائج في المدرسة المغربية بما ينحاز إلى مرجعيات ترى الحقيقة من منظور نسبي، والقطع مع جملة الأعطاب التي تكرست نتيجة التردد الذي يطبع برامج الإصلاح، والعمل وفق رؤية استراتيجية لسد الفجوة بين التعليمي والثقافي، والخروج من دوامة ضعف المردودية وانحسار الحس النقدي.
•استرجاع المدرسة والجامعة لدورها الريادي في إنتاج النخب القادرة على تأطير المجتمع، والاشتباك مع إشكالاته بوعي نقدي، ومسؤولية فكرية، وحس وطني، يعلي من شأن الاستثمار في العنصر البشري، من خلال خلق فرص الارتقاء الاجتماعي والاقتصادي، وتمكينه منها.
•التأكيد على أن تعزيز قيم السلوك المدني للأفراد والمواطنين، يمر لِزَامًا عبر آليات التنشئة الاجتماعية للمدرسة والجامعة؛ الكفيلة وحدها بتحصين المجتمع وتمنيعه من نزوعات العنف والخطابات المعادية للحياة.
•الانفتاح المتبادل بين المدرسة والجامعة مع محيطهما السوسيوثقافي، بغاية إغناء البعد الثقافي، وتعزيز قيم التعدد والاختلاف والحرية، مما يفرض مسؤوليات جسيمة على كل مكونات النسيج الاجتماعي والاقتصادي للنهوض بهذه المهمة، والإسهام الإيجابي فيها، خدمة للصالح الوطني وتطلعات المغرب إلى مجتمع العلم والمعرفة والمواطنة الحرة والمسؤولة.

•الثقافة وتحديات الرقمنة والذكاء الاصطناعي:

جعلت التحولات الكبرى للثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي من مفهوم الثقافة بضاعة معولمة قابلة للإنتاج والتسويق، بعدما اكتسح مفهوم السوق والإنتاج والثروة عالم اليوم مع انتشار المد النيو ليبرالي، كل ذلك أدى إلى تراجع أدوار المثقفين، وإمكانات التأطير السياسي والمدني في المجتمع، وبطبيعة الحال، إذا كانت لهذا الوضع أسبابه الذاتية ودواعيه الموضوعية، فإن سؤال التأطير الحزبي في ظل ما هو رقمي، يطرح نفسه بإلحاح شديد، خاصة أن هذه الثورة الرقمية، وفرت إمكانات جديدة لظهور أطياف مختلفة لمتدخلين آخرين بقبعات متباينة النوازع، في سوء تدبير لمجال الحرية والحق في التعبير، وفي تداول مبتذل للقيم الديموقراطية، وتبخيس للحس الإنساني الوجداني والإبداعي، حيث اختزلت الهوية الوطنية في كل غناها المتعدد إلى دائرة مفترضة للاستهلاك توارى فيها مفهوم المواطن المتفاعل مع العصر وتحولاته، والمتملك للمعرفة العلمية والثقافة الكونية، وتحول إلى كائن افتراضي جديد يقع تحت رحمة الخوارزميات والبرمجيات المحددة سلفا، هذا الوضع كرس واقع الانفصال عن الذات والمجتمع، وأصبح الإبحار في الفضاء الأزرق بديلا عن الاهتمام بالحياة الفعلية بكل تعقيداتها وتجاذباتها، وهذا بالطبع كانت له آثاره البالغة على مستوى قيام المؤسسات الاجتماعية بوظائفها في إنتاج النماذج الثقافية وضبط مساراتها، فكانت النتيجة تراجع فعالية الأسرة والمدرسة والأحزاب وجمعيات المجتمع المدني، التي حل محلها الفاعل الافتراضي بكل سلطته التأثيرية في التوجيه وتشكيل الرؤى وأنماط السلوك والقيم والوجدان العام.
إن اختيار الاحتماء بالفضاء الأزرق، ساهم لا محالة في برمجة أنماط من السلوك والفكر، إضافة إلى التحكم في الأذواق والميولات والرغبات والآراء المختلفة والمتباينة، لأن عين الرقيب الإلكتروني تتسلل إلى كل فضاء كيفما كانت طبيعته.
إن هذه التحديات على ضرورتها تفرض علينا كحزب يعقد مؤتمره الوطني 12 عشر، في ظل تقلبات عالمية وإقليمية، لا تحمل يقينا في مخرجاتها، خاصة على مستوى آثارها في الجانب الثقافي بحمولته وتنوع تركيبته وتعدد أبعاده، أن يكون في قلب هذه المعادلة الرقمية، وخوض غمار التجربة بما لها وما عليها، من منطلق رؤية علمية استشرافية تنخرط في هذه الثورة بوعي مُتَّقِد مُتَفَكِّر، يوظف مقدراتها لخدمة القيم الإنسانية، ويُطَوِّعُ تطورها الجارف، الذي غير بشكل جذري أساليب الإنتاج، وأنماط الحياة، وأشكال التواصل، بل وحتى مفاهيم السيادة والهوية، وتُعد الثورة الرقمية اليوم، ومن معالمها الذكاء الاصطناعي، من أبرز عناوين هذه المرحلة، التي تعرف موجة جديدة من التقدم العلمي والاقتصادي والتكنولوجي، غير أنها تطرح في الآن ذاته، تحديات بالغة الخطورة على مستوى الوعي الإنساني، وسؤال المعنى والكينونة والمصير والإنسان؛ هذا الواقع، يفرض علينا اليوم، كحزب يواكب هذه التحولات ويسائل مآلاتها، من منطلق تطوير أدواته التحليلية، وشحذ قوته الافتراضية، وإنتاج مفاهيم تجيب عن مجموع هذه التحولات، وآثارها على الفعل الإنساني في شتى مجالات الفكر والمعرفة والإبداع والتربية والتكوين… أن نقدم أجوبة تحمل روح عصرها، انطلاقا من الآتي:
•الانخراط في الثورة الرقمية بوعي متقد متفكر، يوظف مقدراتها لخدمة القيم الإنسانية، ويُطَوِّعُ تطورها الجارف في التأطير، والرفع من منسوب الوعي، وإبداع الحلول، ويستثمر إيجابياتها في تحسين الأداء الحزبي على مستوى التعبئة والإقناع وخوض غمار الاستحقاقات الانتخابية.
•استثمار الإمكانات الرقمية في إغناء الوجدان الوطني، وإرساء ثقافة تحررية عقلانية تُفَجِّرُ قدرات الذكاء المغربي، وتُحَصِّنُهُ ضد قيم الاستلاب والاغتراب والتشييئ.
•التفكير في نوع جديد من أشكال الاستثمار يرتكز إلى عقلانية جديدة؛ لا ترفض الذكاء الاصطناعي والعقل الآلي، بل تتعامل معه بمنطق إيجابي، دون التفريط في كينونة الإنسان وماهيته، وما يصون الهوية والذات من كل تنميط أو احتواء.
•أهمية تسطير استراتيجية ثقافية تقوم على التنوير الرقمي، لتعبئة الطاقات الفكرية والإبداعية، درءا لمخاطر شبكة المؤثرين، وخطاباتها الفارغة المحتوى، العابرة للحدود، التي تزج بمستعملي المواقع والشبكات الافتراضية في غياهب الاستلاب واللامعنى ونفي الإنسان.
•الضرورة الملحة للوظيفة النقدية للمثقف، لكبح جماح المخاطر التي أضحت تصدرها شبكات المؤثرين الذين حولوا الفضاء الأزرق إلى حلبة لصراع وهمي تقوده خطابات هدامة، تستوجب التصدي لهذه المعرفة السائلة العارية من القيم الإنسانية والمنجز الفكري والروحي والأخلاقي الصانع لإنسانية الإنسان.

المحور الثالث: 
التعدد الثقافي واللغوي رافعة لمغرب التماسك وتفعيل الحقوق الثقافية والعدالة المجالية

يشكل التنوع الثقافي سمة مركزية من سمات الهوية المغربية المتعددة، وإحدى أبرز رهانات الدولة والمجتمع في سعيهما نحو بناء نموذج تنموي ديمقراطي حداثي، وهو  ما يتقاطع مع المشروع المجتمعي لحزب الاتحاد الاشتراكي في تأكيده على الدور المحوري للثقافة بوصفها رافعة للتحرر، ووسيلة من وسائل مقاومة الإقصاء والتهميش، وهي أيضا مجال للصراع الظاهر والخفي بين توجه حداثي تنويري؛ يقوم على الحوار وقبول الاختلاف والنقد والمساءلة والاجتهاد العقلي، وبين فكر أصولي محافظ ومنغلق؛ مثقل بالتوجه الأيديولوجي الذي يغذي التعصب والانغلاق، وإذا كانت الثقافة بوجه عام، تحتل موقعا حيويا في تصليب التماسك المجتمعي، فإن من شأن الاستثمار في التعدد الثقافي واللغوي، العمل على إحداث التحولات الاجتماعية والسياسية من منطلق بناء الشخصية  المغربية، وصهرها في هوية وطنية مؤثرة، وفاعلة في هذه التحولات .
وبناءً عليه، فإن الاتحاد الاشتراكي، إذ يعد فاعلا تاريخيا في المسألة الثقافية من خلال تأكيده على البعد الحداثي والديموقراطي، وضرورة التفعيل الإجرائي للدستور الذي نص على الحقوق الثقافية، وعلى تعددية الرأسمال الثقافي واللغوي- يؤكد على:
•أهمية إبراز أدوار التعدد الثقافي واللغوي في مختلف الأبعاد الحضارية والتاريخية والبيئية للإنسية المغربية، من روافد عربية وأمازيغية وأندلسية ومتوسطية وإفريقية وعبرية، لها إسهامها الأكيد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
•التأكيد على أن التعدد الثقافي واللغوي يمثل ركيزة صلبة لحياة فكرية ووجدانية وروحية، تتأسس على قيم العيش المشترك ومد أواصر التعاون والتضامن والتواصل وتبادل الخبرات والتجارب، والتأثير الإيجابي في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بما يسهم في تطويرها وتصليبها، وتقوية النسيج المجتمعي وإثراء بعده الهوياتي.
•التعدد الثقافي واللغوي يكسب المجتمع الحاضن لها، مرونة وقدرة على التفاعل مع معطيات العالم وتحولاته، مما يساهم في تعزيز الإبداع والابتكار وتنمية قيم الانفتاح على الغير، والإفادة من خبراته، وإثراء الحياة الفنية العاكسة لغنى التجربة الإنسانية وتعدديتها محليا وجهويا.
•تكثيف الجهود المؤسساتية لتطوير أشكال الاستثمار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والديبلوماسي في التعدد الثقافي واللغوي، والإفادة من إمكاناته، مما يتطلب تأطيره بتشريعات وقوانين وسياسات عمومية لحمايته وتثمينه وإزالة الفوارق المجالية، وتنزيل البعد التنموي على هذا المستوى.
•تسطير استراتيجيات ترتكز إلى اقتصاديات الثقافة، تستهدف الشباب وتحتضن إنتاجاته الإبداعية، وتُوَفِّرُ بنيات داعمة له، وتجعلها شرطا لحركية ثقافية إبداعية تحررية، قادرة على مواجهة تحديات العولمة واقتصاد السوق.
•القطع مع السياسة الإعلامية المتبعة في التعاطي مع الشأن الثقافي، وإبراز جوانبه التعددية، وهو ما يتطلب الانطلاق من رؤية إعلامية ديموقراطية تساهم في التنمية الثقافية، وتُغْنِي أدوارها في الرفع من منسوب الوعي بالحقوق الثقافية.
•توظيف الإمكانات الرقمية لخدمة اقتصاديات الثقافة، وتفعيل ذلك على مستوى البعد التنموي، وتوفير وسائل الدعم المؤسساتي لهذا النمط من الاقتصادي.
•بلورة استراتيجية متكاملة تكون مرجعية للسياسات الثقافية، لكون الثقافة واللغات تنتمي إلى الحقل الاجتماعي، وتشكل منطلقا محوريا لصيانة الحقوق الثقافية وتكريس العدالة المجالية.
•مأسسة الحقوق الثقافية (الولوج السلس إلى الفضاءات والموارد الثقافية – حرية التعبير- حماية التراث الثقافي – الإفادة من من المنجزات العلمية…) على مستوى سياسات تنموية جهوية لتثبيت هذه الحقوق، بشكل يتوازى مع إرساء أسس العدالة المجالية الضامنة لحق المشاركة في الحياة الثقافية.
•حق استفادة الجهات من عائدات الاستثمار في مقدراتها المادية واللامادية ومواردها وثرواتها الرمزية بشكل يقطع مع الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية.
•اعتبار التعدد الثقافي واللغوي تجسيدا للمشترك الثقافي، وعنصرا لتعزيز الوحدة الوطنية والهوية المتعددة، المنصهرة ضمن سيرورة الكينونة المغربية في أبعادها الفردية والجماعية، التي أضحى يصطلح عليها اليوم بسؤال تمغربيت، المرتبط بالسلوك العام للمغربي والمغربية، وهو ما يعني أنه سؤال وجودي موصول بسيرورة الإنسان المغربي ومآلاته.
•إقرار العدالة اللغوية للقضاء على كل مظاهر التفاوت التي يعرفها المشهد اللغوي بالمغرب، وتجاوز منطق الازدواجية بين المنصوص عليه رسميا في الدستور، والواقع الفعلي الذي يكرس أفضلية اللسان الأجنبي إداريا ومؤسساتيا.
•التأهيل المستمر للغات الوطنية وتحيينها الدائم لمواكبة مجال التطور العلمي، والاستجابة لروح العصر واشتراطاتها المعرفية واللسانية الناظمة لأي رؤية تتغيا النهوض بواقع اللغات المحلية بالمغرب.

الآفاق المستقبلية:
نحو تعاقد ثقافي بِنَفَسٍ نقدي متجدد (خلاصات وتوصيات)

يدعو الاتحاد الاشتراكي من منطلق تأكيده على أدوار الثقافة ومهامها، بوصفها أداة للتغيير وصنع البدائل الممكنة، إلى إرساء وعي إبستيمي ينهل من خبرته التاريخية، ومرجعيته الغنية في تجذير العلاقة بين الثقافة والديموقراطية وحقوق الإنسان والتنمية، إيمانا منه، بضرورة الاستثمار في المستجدات التي يعرفها عالم المعرفة والاقتصاد والتطور العلمي، وحاجات المجتمع إلى خرائط جديدة، تؤسس لتنمية ثقافية مستوعبة لأسئلة المرحلة ومستشرفة لآفاق المستقبل، وتجعل من الرأسمال الثقافي في تعدده وغناه المادي والرمزي، دعامة قوية لبناء الشخصية المغربية، المنفتحة والمؤمنة ببعدها الإنساني، وذلك بما يعزز روح التماسك، ويحفز إمكانات الإبداع والابتكار، ويغني قيم الاختلاف والغيرية والعيش المشترك، ومقاومة أشكال الجمود والتخلف… وهو ما يستدعي منا، كحزب حامل لمشروع مجتمعي ديموقراطي، الانطلاق من منظور نقدي متحرر لتسطير تعاقد ثقافي بنفس حداثي متجدد؛ تتحدد أسسه ومرتكزاته وفق الآتي:
•وضع المسألة الثقافية في سلم الأولويات الديموقراطية والتنموية، لأنها شرط جدلي موضوعي للتحول الديموقراطي في جميع أبعاده، وهو ما يعني أن المرتكز الثقافي هو مدخل استراتيجي لأي إصلاح ممكن.
•النظر إلى الثقافة بوصفها الموجه الأساس للسياسة، لكونها ليست ترفا أو مصفوفة من الكماليات ذات أدوار ثانوية هدفها تأثيث المشهد العام، وأن العمل السياسي في غياب ثقافة مؤطرة وموجهة، يظل عملا أجوف مجردا من الوظيفة النقدية للثقافة التي تملك وحدها مفاتيح تطوير آلياته على مستوى الوعي والممارسة، وتخصيب مساهمته في تأطير المجتمع، ونشر قيم الحرية والاختلاف والغيرية.
•التوفر على إرادة سياسية بِنَفَسٍ استراتيجي مؤمن بالضرورة الملحة لإصلاح ثقافي شامل، تتمفصل عبره كل المداخل المؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية.
•وضع قانون إطار لتفعيل الاستراتيجية الشاملة للإصلاح الثقافي، تعتمد مقاربة تشاركية دامجة لكل المتدخلين والفاعلين، وتنزيلها أفقيا وعموديا.
•اعتبار الثقافة موردا خصبا لاستنبات قيم التحرر الفكري والمعرفي والإبداعي، الكفيلة وحدها بتأهيل الإنسان المغربي، وموضعته في قلب الفعل الديموقراطي الهادف إلى التغيير.
•الانفتاح المتبادل بين المدرسة والجامعة مع محيطهما السوسيوثقافي، بغاية إغناء البعد الثقافي، وتعزيز قيم التعدد والاختلاف والحرية، مما يفرض مسؤوليات جسيمة على كل مكونات النسيج الاجتماعي والاقتصادي للنهوض بهذه المهمة، والإسهام الإيجابي فيها، خدمة للصالح الوطني وتطلعات المغرب إلى مجتمع العلم والمعرفة والمواطنة الحرة والمسؤولة.
•التفكير في نوع جديد من أشكال الاستثمار يرتكز إلى عقلانية جديدة؛ لا ترفض الذكاء الاصطناعي والعقل الآلي، بل تتعامل معه بمنطق إيجابي، دون التفريط في كينونة الإنسان وماهيته، وما يصون الهوية والذات من كل تنميط أو احتواء.
•أهمية تسطير استراتيجية ثقافية تقوم على التنوير الرقمي، لتعبئة الطاقات الفكرية والإبداعية، درءا لمخاطر شبكة المؤثرين، وخطاباتها الفارغة المحتوى، العابرة للحدود، التي تزج بمستعملي المواقع والشبكات الافتراضية في غياهب الاستلاب واللامعنى ونفي الإنسان.
•حماية التنوع الثقافي واللغوي في إطار الوحدة الوطنية، وفسح المجال أمام مساهمات أقوى وأنجع لمختلف التعبيرات واللغات المحلية في الثقافة الوطنية، وتعزيز الوضعية الاعتبارية للغتين العربية والأمازيغية، مع الانفتاح على اللغات الحية.
•إقرار العدالة اللغوية للقضاء على كل مظاهر التفاوت التي يعرفها المشهد اللغوي بالمغرب، وتجاوز منطق الازدواجية بين المنصوص عليه رسميا في الدستور، والواقع الفعلي الذي يكرس أفضلية اللسان الأجنبي إداريا ومؤسساتيا.
•التفعيل الفوري لدستور 2011، الذي أكد على الحقوق الثقافية والتأطير المؤسساتي، وكيفية تدبير التعدد في الفصل الخامس منه، والمتعلق بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافات.
•تكثيف الجهود المؤسساتية لتطوير أشكال الاستثمار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والديبلوماسي في التعدد الثقافي واللغوي، والإفادة من إمكاناته، مما يتطلب تأطيره بتشريعات وقوانين وسياسات عمومية لحمايته وتثمينه وإزالة الفوارق المجالية، وتنزيل البعد التنموي على هذا المستوى.
•مأسسة الحقوق الثقافية (الولوج السلس إلى الفضاءات والموارد الثقافية – حرية التعبير- حماية التراث الثقافي – الإفادة من المنجزات العلمية…) على مستوى سياسات تنموية جهوية لتثبيت هذه الحقوق، بشكل يتوازى مع إرساء أسس العدالة المجالية الضامنة لحق المشاركة في الحياة الثقافية.
•الدعوة إلى المحافظة على الموروث الوطني والذاكرة الجماعية وتثمينها، وتعزيز إشعاع التاريخ والثقافة المغربية على المستوى الدولي.
•القطع مع السياسة الإعلامية المتبعة في التعاطي مع الشأن الثقافي، وإبراز جوانبه التعددية، وهو ما يتطلب الانطلاق من رؤية إعلامية ديموقراطية تساهم في التنمية الثقافية، وتُغْنِي أدوارها في الرفع من منسوب الوعي بالحقوق الثقافية.
•جعل الثقافة أداة لتحرير البيئة من قبضة النيو ليبرالية، القائمة على تشجيع الاستهلاك واستنزاف الموارد الطبيعية.
•الترافع من أجل عدالة بيئية تتأسس على منظور ثقافي، يقاوم عزل الإنسان عن حقه في التمتع ببيئة سليمة ومتوازنة ومستدامة.
•التأطير العقلاني للعلاقة التفاعلية والمعقدة بين البيئة والثقافة، إذ لا بيئة سليمة دون وعي ثقافي، ولا ثقافة من غير بيئة سليمة ومتوازنة.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

اللجنة  التحضيرية للمؤتمر الوطني الثاني عشر : بوزنيقة، 17 – 19 أكتوبر 2025 .. اللجنة السياسية .. مشروع الوثيقة السياسية

من الداخلة.. الكاتب الأول إدريس لشكر: الداخلة تجسد عبقرية النموذج المغربي في الوحدة والتنمية والانفتاح الإفريقي

اجتماع  اللجنة التحضيرية والمجلس الوطني للحزب يوم الجمعة 17 أكتوبر ببوزنيقة

من العيون إلى الداخلة … رسائل سياسية وديبلوماسية وطنية