يشهد المغرب أزمة إبداع فني واضحة، تتجلى في الإنتاج الغنائي والمسرحي والسينمائي، التلفزي على الخصوص، والذي تواجهه اليوم، حملات واسعة من الانتقادات، سواء من طرف الصحافة أو في شبكات التواصل الاجتماعي، آخر الأمثلة على ذلك، ماسمي ب»ملحمة» تشجيع الفريق الوطني في كأس العالم بروسيا.
ومن المعلوم أن حكاية الملاحم بدأت في عهد الملك الراحل، الحسن الثاني، وكانت تتم في إطار منظور معين للثقافة والفن، تغلب عليه فلسفة التعبئة والتجنيد، دون مراعاة المحتوى الفني والإبداعي، مما انعكس على المستوى، شكلاً ومضمونًا، وجعل من هذه المحاولات، مجرد تظاهرات سياسية/ثقافية، سرعان ما طواها النسيان، بمجرد عرضها على الجمهور.
وللتذكير، فإن ظاهرة الملاحم الغنائية، آنذاك، كانت مرتبطة بسياسة أخرى، كانت تسمى سهرة الأقاليم، والتي كانت تشرف عليها سلطات وزارة الداخلية، وتقدم في القناة الأولى، كل يوم سبت.
ويمكن القول، إن هذا المجهود الفني والثقافي، ظل محدوداً ولم يشكل أي تراكم إيجابي، في هذا المجال، مقارنة مع التراكم الذي كان قد تحقق في سنوات سابقة، خاصة في الغناء والمسرح، والذي كان نتيجة تطور أصيل نابع من المجتمع، برزت فيه طاقات من الممثلين والمخرجين والفنانين، مثل الطيبين؛ الصديقي والعلج، وغيرهما من كبار المسرحيين، وَالأساتذة المطربين مثل الدكالي وبلخياط والحياني وناس الغيوان وجيل جيلالة والمشاهب ونعيمة سميح… وسبقهم كبار مثل أحمد البيضاوي وإسماعيل أحمد وشقارة… وملحنين متميزين وشعراء عظام كتاب كلمات…
من المؤكد أن التحولات الثقافية، التي حصلت في كل المجتمعات تنعكس على الأذواق، غير أن الجودة لا يمكن أن تتغير، مهما كانت طبيعة هذه التحولات، لأن هناك معايير كونية تتحكم في المنتوج الإبداعي، خارج الزمان والمكان، لكنها ليست مجرد تراكم عفوي، بل إنها نتاج مجهود مدروس ومخطط، وهو ما ينقص اليوم في ما يقدم، خاصة في القنوات التلفزية وفي السهرات والمهرجانات، وهو مايستدعي ضرورة الدراسة والتخطيط والإعداد والتحضير، لأن الملاحم الموسيقية ليست هواية بل احتراف، وشغل يمتد لشهور وسنوات، بمشاركة جماعية لكبار الشعراء والمبدعين والفنانين، وهم موجودون في التربة المغربية، لكن ما ينقص هو المخطط على المدى الطويل والتنسيق الجيد بين الطاقات والاعتماد على الاحتراف الراقي.
الكاتب : يونس مجاهد
تعليقات الزوار ( 0 )