السعدية بنسهلي: الاتحاد الاشتراكي ظل ولا يزال يناضل من أجل تطوير المدرسة العمومية
ويؤكد على تمكين الأساتذة المتعاقدين من حقهم في الاستقرار المهني
جمال صباني: التعليم العالي مرّ بمراحل انطلاقا من فترة التأسيس فمرحلة التهميش
ثم مرحلة محاولة الإصلاح وصولا إلى مرحلة وأد الجامعة

نظمت النساء الاتحاديات بالدارالبيضاء، ندوة حول مشروع قانون إطار التربية والتكوين، مساء السبت 2 فبراير 2019، استضفن لها عضو المكتب السياسي للحزب السعدية بنسهلي، البرلمانية بمجلس النواب وعضو لجنة التعليم والثقافة والاتصال، ومحمد جمال الدين صباني، المنسق الوطني لقطاع التعليم العالي الاتحادي والكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي.

الأزمة المركبة
ندوة أدارتها خديجة راجي، عضو الكتابة الجهوية للحزب، وأوضحت في مستهلها سياقات تنظيمها وأسباب اختيار هذا الموضوع، تزامنا وطرح مشروع القانون للنقاش في البرلمان، فكان من المهم الاطلاع على إيجابياته وسلبياته وتقديم الملاحظات حوله، مؤكدة على دور الاتحاديين والقوى الديمقراطية في الدفاع عن منظومة التربية والتكوين والنهوض بها. بعد ذلك تناولت الكلمة سعاد شاغل باسم الكتابة الوطنية للنساء الاتحاديات، التي قدمت ورقة تقديمية، أشارت من خلالها إلى أنه رغم الإصلاحات المتتالية التي عرفتها المنظومة التربوية ومنذ الميثاق الوطني للتربية والتعليم إلى البرنامج الاستعجالي وانتهاء بالرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015 – 2030 فقد تواصلت الأزمة المركبة التي تتجلى مظاهرها على مستوى المناهج والبرامج والكتب المدرسية، وعدم قدرة منظومة التربية والتكوين على خلق مدرسة مغربية قادرة على التربية والتكوين والتأطير، وعلى مواكبة المستجدات العلمية والمعرفية وخلق أجيال تؤمن باستعمال العقل بدل الانغلاق والتطرف.
وأشارت المتحدثة إلى أن إصلاح المنظومة التربوية هو قضية مركزية تعد إحدى الأولويات على مستوى الدولة والمجتمع، وبأن المصادقة على القانون الإطار الذي يعتبر تحويلا للاختيارات الكبرى التي جاءت في الرؤية الاستراتيجية للإصلاح باعتبارها تعاقدا وطنيا يلزم الجميع، ويلتزم الكل بتفعيل مقتضياته، والتي تحدد المبادئ والأهداف الأساسية لسياسة الدولة واختياراتها الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، على أساس تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص والجودة، والارتقاء بالفرد والمجتمع، ووضع قواعد إطار قانون تعاقدي وطني ملزم للدولة وباقي الفاعلين والشركاء المعنيين. ووقفت شاغل عند عدد من النقاط كما هو الحال بالنسبة لضمان مجانية التعليم الإلزامي، وعدم حرمان أي شخص من متابعة الدراسة بعد التعليم الإلزامي لأسباب مادية محضة، إذا ما استوفى الكفايات والمكتسبات اللازمة، وأشارت إلى أن مشروع القانون ينص كذلك على إحداث صندوق خاص لدعم عمليات تعميم التعليم الإلزامي وتحسين جودته بموجب قانون المالية، يتم تمويله من طرف الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية ومساهمة القطاع الخاص وباقي الشركاء، إلى جانب التنصيص على ضرورة مساهمة الأسر الميسورة في أداء رسوم التسجيل في أسلاك التعليم الثانوي والتعليم العالي والجامعي، الأمر الذي يعتبره المتتبعون التربويون آخر مسمار يدق في نعش مجانية التعليم في المغرب.

في قلب التطور
السعدية بنسهلي، عضو المكتب السياسي، أكدت في مداخلتها أن التعليم هو قضية مركزية ضمن أولويات المغاربة جميعا، وبأن الأسر كانت تحرص على منح تعليم جيد لأبنائها، وأشارت المتحدثة إلى أن الاتحاد الاشتراكي ساهم في النضال من أجل الارتقاء بالمدرسة العمومية دائما وجعلها من الأولويات التي ناضل لأجلها، إذ اعتبر أن إرساء دولة ديمقراطية ودولة الحريات لا يستقيم دون مدرسة عمومية ديمقراطية تحرص على المساواة وتضمن الحق في التربية والتكوين لجميع المغاربة من مختلف الطبقات، مبرزة أن المدرسة العمومية هي الجسر الأساسي لإرساء النظام الديمقراطي.
وشددت بنسهلي على أن بناء أي مشروع مجتمعي وتحقيق التنمية والتطور في كل المجتمعات لا يمكن أن يتم إذا لم تكن المدرسة العمومية في قلب هذا التطور، مبرزة كيف أن الحزب والقوى الديمقراطية دخلت في صراع مع الدولة من أجل مجتمع ديمقراطي ومجتمع الحريات وكانت هناك نضالات وتضحيات لأجل ذلك، وأوضحت كيف أن الأساتذة لم يكونوا يدافعون عن مطالبهم الاجتماعية والمادية فقط وإنما كان هناك وعي حاضر بأهمية الارتقاء بالمدرسة العمومية وتطويرها لأنها دعامة لتطوير المجتمع في جميع المجالات. وأشارت المتحدثة إلى أن مجتمع اليوم ومجتمع التطور في كل المجالات راهن على المنظومات التربوية والاستثمار في الرأسمال البشري في مقدراته الفكرية والمعرفية لتعبيد الطريق أمام هذا التطور، مؤكدة على أن التخلف في إصلاح التعليم هو تخلف إلى الوراء في عجلة التنمية والتطور. وذكرت عضو المكتب السياسي بالإصلاحات التي عرفها النظام التعليمي في وقت سابق والتي اعتبرها الحزب فوقية وترقيعية خاصة في الثمانينيات انطلاقا من الإملاءات الخارجية حيث سعت الدولة لرفع يدها عن التعليم والصحة وكان هذا خطأ قاتلا لأن القضايا الاجتماعية يجب أن تحظى بالأولوية.
النائبة البرلمانية وعضو الفريق الاشتراكي أكدت كذلك أن دستور 2011 ومن خلال مجموعة من المواد حقق ضمانة دستورية لتأمين الحق في التعليم وتمتيع المواطن به، مشيرة بالمقابل إلى أن سؤال الإصلاح ظل معلقا، لأن المدرسة العمومية عانت من اختلالات عديدة بنيوية ووظيفية، طالت البرامج والمناهج والتجهيزات في ظل خصاص مهول في المؤسسات وتراجع وتردي كبير في المناطق القروية وشبه القروية وهو ما أدى إلى تمايز بين المناطق وجعل عددا منها لا تأخذ حصتها في التعليم. ووقفت بنسهلي عند إحداث المجلس الأعلى للتربية والتكوين والآمال التي علقت عليه، والسعي نحو الخروج من دوامة الإصلاح، ثم عرجت على التجاء عدد كبير من المغاربة بحثا عن مردودية وتحصيل ونجاح إلى التعليم الخاص والساعات الإضافية وكأنها بديل عن المدرسة العمومية التي كان يجب الدفاع عنها، مبرزة كيف أن القطاع الخاص قدم نفسه كنموذج للجودة واستفاد من عدد من الامتيازات وأعفي من الضرائب، في حين انه كان ينتقي أجود الأساتذة وأجود التلاميذ من المدرسة العمومية، التي يعد إصلاحها ضروريا ومطلبا مجتمعيا، وفق رؤية الاتحاد الاشتراكي، موضحة كيف أن الحزب قدم مذكرة شاملة للمجلس الأعلى للتربية والتكوين للخروج من الإصلاحات الترقيعية نحو إصلاح ملزم، واقترح مدونة قانونية ملزمة في هذا الإطار، وأشارت كيف أن الرؤية الاستراتيجية للمجلس جاءت بهذا المنحى على مستويات التعليم من أجل مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة للجميع والارتقاء وريادة الإصلاح.

تشريع ملزم
واعتبرت بنسهلي أن المشكلة كانت دوما في الحكامة في تطبيق الإصلاح واستحضرت في هذا الصدد الخطوات التي قطعتها حكومة التناوب، وفي أعطاب البرنامج الاستعجالي، مؤكدة أنه كان من الضروري لتجاوز كل هذا التوفر على رؤية استراتيجية، فجاء مشروع قانون الإطار 51.17 بحيث أنه لأول مرة سيكون المغاربة أمام تشريع ملزم يخص المنظومة التربوية ويلزم الحكومات بتطبيقه، وهو مايعني الخروج من الإصلاحات الترقيعية التي كانت تتناول جانبا فقط دونا عن باقي الجوانب، وتساءلت كيف أن الاستراتيجية أحيلت على الملك من طرف المجلس الأعلى الذي قدمها لرئيس الحكومة آنذاك في 2015 لكنه لم يأخذ على عاتقه تطبيقها، وانتظر الجميع إلى غاية اليوم حيث تناقش في لجنة التعليم والثقافة والاتصال لإغنائها.
وشددت عضو لجنة التعليم والثقافة والاتصال على أن الفريق الاشتراكي يدافع عن هذا القانون انطلاقا من قناعة قوية واستحضارا لحرقة المغاربة بخصوص التعليم وانتظارات الأسر المغربية في هذا الصدد، كما وقفت عند عدد من الملاحظات من قبيل اختلال وظائف المدرسة المغربية التي كانت تقوم بالتربية والتنشئة واستنبات القيم والتي لم تعد فضاء إيجابيا بالنسبة للتلاميذ ولا تقنع الأسر في مردوديتها ولا يجد المتخرجون منها شغلا مما أدى إلى زخم كبير في البطالة، مشيرة إلى أنه من خلال مشروع القانون الإطار فإن التعليم الأولي سيكون جزءا من التعليم الأساسي لأول مرة انطلاقا من أهمية الاستثمار في الطفولة للمستقبل، مبرزة أن الرؤية الاستراتيجية ركزت على التكوين البيداغوجي، ووقفت عند إشكالية اللغات ودسترة اللغة العربية والأمازيغية، لكي يتم قطع الباب أمام بعض المزايدات، مع ضرورة الانفتاح على اللغات الأجنبية تفاديا لأي تجاوز، وهو ما صرح به مشروع القانون من خلال التناوب اللغوي، وأكدت على ضرورة إعادة النظر في البرامج والمناهج والمقاربات بسبب تطور المجتمعات التي تعتمد مقاربات إبداعية جديدة. وأشارت بنسهلي إلى أن هناك إشكالا آخر يتمثل في الموارد البشرية التي هي ركيزة أساسية في أي إصلاح كما يرى ذلك الاتحاد الاشتراكي، والتي هي في حاجة إلى تكوين أساسي ومستمر وإعادة النظر في التحفيزات التي تقدم لها، كما وقفت عند مسألة التعاقد مؤكدة أن الاتحاد الاشتراكي يصر على موقفه الدائم في أن الاستقرار المهني هو ضروري ولن يتنازل الحزب عن الدفاع في أن ينعم هؤلاء الأساتذة باستقرار مهني وأن ينعموا بالتحفيزات، وهو ما يحرص عليه الفريق الاشتراكي، الذي يؤمن بأن الاستثمار في العقول والشخصيات ومواطني الغد هو مسألة أساسية.

مصادر التمويل
وتطرقت بنسهلي إلى إشكالية أخرى تتعلق بتنويع مصادر التمويل إذ أن الرؤية الاستراتيجية للقانون الإطار تعتبر لأول مرة أن الدولة يجب أن تقدم الضمانات لكي يكون أبناء المغاربة جميعا في المدرسة لا خارجها، مؤكدة أنه على الدولة تحمل مسؤوليتها كاملة في تمدرس المواطنين منذ التعليم الأولي إلى الجامعة، وهو الأمر الذي يدافع عنه الحزب، الذي له موقف مبدئي من مسألة مجانية التعليم ويؤكد أن المدرسة يجب أن تنهض بوظائفها وتحقق الجودة، ويتعين على القطاع الخاص والشركات الكبرى التي تنتظر الأطر والكفاءات أن يساهموا في صندوق تضامني لدعم المتمدرسين وكذلك الجهات والجماعات الترابية التي يجب أن تنفق على التعليم وأن تساعد أبناء الفقراء.
بدوره جمال صباني، أكد أن الجميع ومنذ عشرات السنين وهم ينتظرون الإصلاح متسائلا إلى أي مدى يجيب القانون الإطار عن الإصلاح المنشود والمنتظر. وتطرق المتحدث إلى إشكالية التعليم العالي مؤكدا أن نضالات الحزب كانت دوما من أجل دمقرطة المؤسسات وبناء مجتمع حداثي تسود فيه العدالة الاجتماعية ويستجيب لانتظارات وتطلعات الشعب المغربي، وأوضح أن الوصول إلى هذه الأهداف مرتبط بقيم تقوم على أن تكون المعرفة ملكا عموميا، وبديمقراطية وحداثة تتجسدان في استقلالية المعرفة، التي يختلف بشأنها اليمين الذي يختصرها في جانب التمويل، في حين أن الحزب كتنظيم يساري حداثي وديمقراطي يرى بأنه يجب أن تتحكم فيها الشروط الأكاديمية الحقة نظرا لأن بناء المجتمع الحداثي مبني على ربط التكوين بالبحث ومن خلال الفكر النقدي ومساءلة اليقينيات، ثم عنصر العدالة الاجتماعية المتمثل في ولوج جميع المغاربة وبكيفية متساوية للمعرفة.

شمولية الإصلاح
ووقف صباني عند مهام التعليم العالي من خلال أزمنة ثلاثة والتي تتمثل في جمع معرفة الماضي، تلقين معرفة الحاضر وإنتاج معرفة المستقبل، مستعرضا وبلغة الأرقام عددا من الاختلالات في هذا الصدد مقارنة بدول مغاربية وبفرنسا، وإلى عناوين دمقرطة التعليم من عدمه. وأشار صباني إلى محطات رئيسية تاريخية لمنظومة التعليم العالي وهي مرحلة 1959 ما بعد الاستقلال خلال حكومة عبد الله إبراهيم، التي أسست لتنظيم التعليم العالي ثم مرحلة 1975 الفترة المعروفة بالمسلسل الديمقراطي والمرور من سنوات الرصاص، ثم مرحلة 2000 وحكومة التناوب التوافقي والسعي لمراجعة القانون المنظم للتعليم العالي، ففترة ما بعد الربيع العربي في 2012 التي يمكن تسميتها بمرحلة وأد الجامعة. وأشار المتحدث إلى أن المراحل الأولى سعت للتأسيس والإصلاح وساهمت فيها حكومات اتحادية، حيث مرت الجامعة من مرحلة التأسيس ما بين57 و 59 التي كانت فيها جامعة موحدة المعايير والمقاييس ومتعددة الاختصاصات، إلى مرحلة التهميش ما بين 1965 و 1975 من خلال إحداث مؤسسات تكوين الأطر حيث خرجت المؤسسات التكوينية خارج الجامعة، وأشار في هذا الصدد إلى عدد من الازدواجيات المتجسدة في مؤسسات غير تابعة للجامعة مقابل مؤسسات جامعية، ثم التكوينات الممهننة والأساسية، وتكوين النخب وإنتاج المعرفة، فاستيراد المعرفة وتصديرها وأخيرا الاستقطاب المفتوح مقابل الاستقطاب المحدود لطبيعة المؤسسات المتحدث عنها. واستعرض المنسق الوطني لقطاع التعليم العالي الاتحادي، خلاصات مؤتمرات النقابة الوطنية للتعليم العالي في 1979 و 1981 وغيرها التي نبهت آنذاك إلى الوضعية التي تعيشها الجامعة اليوم، كما سلّط الضوء على مرحلة محاولة الإصلاح مابين 1993
و2000 من خلال اللجنة الوطنية المختصة لقضايا التعليم ومسألة المجانية في 1994 وكذا تقرير البنك الدولي ومراجعة هذا المبدأ في 1995، ثم الميثاق الوطني في 1999 وتجميع مختلف مكونات التعليم بعد الباكلوريا في 2000 من خلال القانون 01.00 ، وإشكالية استمرارية البلقنة وتبعية مؤسسات للجامعة مقابل أخرى غير تابعة لها، ثم مرحلة وأد الجامعة بعد الربيع العربي في 2011، وأشار في هذا الصدد إلى تصريح بنكيران في 2014 الذي قال إنه «حان الوقت لترفع الدولة يدها عن مجموعة من القطاعات الخدماتية مثل الصحة والتعليم …».
واختتم صباني مداخلته بالتطرق إلى إشكالية التمويل وشمولية الإصلاح، واعتبر أن المدخل الوحيد لذلك يكمن في توحيد التعليم العالي من خلال جامعة موحدة المقاييس ومتعددة الاختصاصات، هذا التوحيد الذي أكد أنه لم يعد مطلبا نقابيا، مشيرا كذلك إلى عدد من النقاط التي استحضرها القانون الإطار والمتعلقة بالمجانية والتوظيف بالتعاقد والمهننة المفرطة للتكوينات الأساسية وكذا التمييز الإيجابي للقطاع الخاص وغيرها.

عن جريدة الاتحاد الاشتراكي

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

اهم ما جاء في كلمة الكاتب الاول خلال المؤتمر الاقليمي السادس للحزب بعين الشق

الاتحاد والقضية الوطنية، لا مجال للمزايدة السياسية..

خلال المؤتمر الاقليمي السادس للحزب بالجديدة

هذا ما قاله الكاتب الاول خلال المؤتمر الإقليمي السادس للحزب بالجديدة