في كلمة بمناسبة فاتح ماي
أهنئكم بعيدنا السعيد الذي نعتبره وقفة نتأمل فيها واقع حالنا، ونعبر من خلالها عن تطلعنا لغد أفضل.
باسم المشترك الإنساني الذي يجمعنا، وباسم القيم النبيلة والسامية التي آمنا بها نحن وشرفاء هذا الوطن، وباسم النضال الذي انخرطنا فيه جميعا، متوخين منه بناء وطن تسوده الحرية والمساواة، ويضمن العيش الكريم للجميع دونما تمييز، نحييكم، ونرفع معكم شارة النصر، كتعبير رمزي عن تحدي كل من أراد الرهان على استعباد الإنسان، وحرمانه من حقوقه الأساسية.
إن ماوصلت إليه أوضاع الفئات الشعبية الكادحة، من عاملات وعمال في كل المجالات، سواء تعلق الأمر بالقطاع الصناعي أو الفلاحي أو التجاري، ينبئ بتحول عميق وخطير، شعاره هيمنة الاحتكار والاستغلال، وأدواته التفقير والحرمان من أبسط الحقوق، ولا أدل على ذلك من أن الكثير ممن كانوا يحسبون على الطبقة الوسطى، جرتهم الهشاشة نحو الفقر، وباتوا في أمس الحاجة إلى الكثير من الحاجيات الأساسية، التي بدونها لاتستقيم حياة الإنسان، وتصبح فيها قيم الكرامة والعيش الكريم أقرب إلى الوهم منها إلى الحقيقة، ويستحيل معها بناء المجتمع المتضامن، الذي يسوده العدل والأمن والأمان.
إن ما نشعر به، وما نقوله، ليس خطابا أجوف، يتوخى زرع اليأس والتيئيس، بل هو نابع من شعورنا جميعا بمسؤوليتنا إزاء هذا الوطن والمواطنين، إننا ننشد كغيرنا من المتفائلين، وطنا تسود فيه العدالة الاجتماعية، وتتقوى فيه قيم النبل والعطاء، وتمنح فيه الفرص للجميع بشكل متساو، فتتعزز فيه قيم المواطنة الحقة، وتنتشر روح العطاء والإيخاء، وهذا بطبيعة الحال غير ممكن التحقيق، دونما أن يكون هناك استعداد للفئات، التي تعودت أن تستغل الضعفاء، وتغتني من حاجياتهم، وتوظف فقرهم وعوزهم في بناء الثروات، عليها أن تشعر بأن استقرار الوطن وأمنه وأمانه، رهين بإيماننا جميعا بأهمية العيش المشترك، وما يمليه علينا من قيم سامية، تتغيى تحقيق التضامن الحقيقي، الذي لايشعر فيه أحد بالغبن واليأس. فهل يا ترى ستنقص الزيادة في أجور الفئات الكادحة شيئا من الخيرات التي ينعمون فيها؟
وهل سيتضررون من تمتيع فقرائنا بحقوقهم الأساسية؟
إن الزيادة في الأجور باتت أمرا ملحا لايمكن تأجيله، ومشروعية ذلك مستمدة من واقع الحال، فهل توقفت الأسعار في لحظة 2011؟
أم أن نار الأسواق التي يكوي لهيبها جيوب ضعفاء المواطنات والمواطنين قد خمدت إلى الابد؟
كيف يمكن أن نطلب من الناس المزيد من التحمل، وقدرتهم الشرائية تتراجع يوما بعد آخر؟
إن من يشعر بما يعاني منه المواطنات والمواطنون، الذي يعانون من الفقر والهشاشة، هم التجار الصغار، الذين يتحملون في صمت جشع المحتكرين والضغط الضريبي، ويبصرون في كل وقت وحين تراجع القدرة الشرائية لعموم المواطنين، ولذلك فالتجار الصغار لايختلفون في شيء عن الكادحين، لقد عملوا، بل ضمنوا تكافلا اجتماعيا حقيقيا، وساهموا من موقعهم ومعايشتهم اليومية لهموم الناس، في تحقيق الأمان والسلم الاجتماعي، ففي الوقت الذي تشترط فيه المؤسسات البنكية ضمانات حقيقية من أجل إقراض الناس، مهما كان المبلغ المطلوب، يتطوع التاجر الصغير للقيام بذلك، دونما طلب فائدة أو زيادة أو أي شيء، إنما يحركه هو شعوره بمعاناة المواطنين، ومؤازرته الدائمة لهم، من أجل تحمل الفقر ومعاناة العيش مع الغلاء، وتراجع القدرة الشرائية. وفي المقابل، وانطلاقا من كونه يحمل صفة تاجر، تفرض عليه معاملة مجحفة تذهب بأبسط حقوقه.
إن التجار الصغار فرض عليهم حرمان ممنهج، فهم لايسفيدون من فرص السكن الاجتماعي، والكثير منهم إن لم نقل الأغلبية الساحقة لاتتوفر على الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية الضرورية للعيش الكريم، فلا تغطية صحية لهم، ولاتأمينا للتقاعد، وهم متروكون لمواجهة مصيرهم في صمت، عندما تتقدم بهم السنون، ويصبحون عاجزين عن العمل، بل الأكثر من هذا، إن ترويج خطاب خاطئ حول المنافسة، شجع المساحات التجارية الكبرى والمتوسطة على غزو الأحياء، وحكم ذلك على التجار الصغار بالفقر والتهميش دونما أن ينتبه لمعاناتهم أحد.
أما حالة الفوضى التي تعرفها التجارة غير المهيكلة، التي تروج سلعا تهدد المواطنين في صحتهم، فقد استفحل أمرها، وفرضت على الكثير من التجار الصغار مصيرا مجحفا، هدد البعض منهم حتى في سلامتهم الجسدية، وقضت على أرزاق الكثيرين منهم وحرمتهم بذلك من تحقيق العيش الكريم.
إن المستقبل الذي ننشدده لبلادنا، يفرض علينا جميعا أن نهتم بفئة التجار الصغار، التي عبرت باستمرار عن تضحيتها، وانخرطت في بناء مجتمع متضامن يحقق فيه كل فرد ذاته، ويعيش فيه الناس بشكل يسود فيه الإيخاء والسلم الاجتماعي.
إن هذا اليوم الذي نعتبره عيدنا جميعا، بقدرما هو مناسبة نحيي فيها أولئك الذين وقفوا باستمرار إلى جانب العمال والمستضعفين، بقدر مانعتبره مناسبة ننبه فيها مختلف المتدخلين، من أجل تغيير مواقفهم الجامدة الرافضة لكل حوار اجتماعي جاد ومسؤول، من شأنه أن يمنح لبلادنا فرصة التقدم والتطلع لغد أفضل .
تعليقات الزوار ( 0 )