تؤكد الدراسات التاريخية والسوسيولوجية أن مسألة التعليم، شكلت الفارق الكبير الذي كان حاسما في التطور الذي عرفته الأمم، حيث أن أكبر الثورات والتحولات التي عرفها العالم، ارتبطت، بدون شك، بالمستوى الذي عرفته معدلات التربية ومحاربة الأمية، وقد خصص الدارسون والباحثون لهذه النظرية كتبا ونظريات، بناء على معطيات إحصائية تجريبية، وليس على التصور النظري، فحسب.
وقد تمكنت هذه النظريات من الربط الواضح بين مستويات التعليم، بخروج أغلبية الشعب من دائرة الأمية، وبين الانتقال إلى الديمقراطية والحداثة، كنتيجة حتمية لتطور تاريخي، لايمكن لأية قوة أن تواجهه، لأن تعلم الشعب للكتابة والقراءة والحساب، يعني أنها بداية للتحكم في مصيره، وفي تجاوز مخلفات الماضي، رغم أن هذه الصيرورة تأخذ عقوداً طويلة، لكنها تؤدي في نهاية المطاف، إلى التحرر التدريجي، السياسي والثقافي، من النموذج الرجعي والسلطوي.
لذلك فإن الجدل الذي يحصل اليوم حول التربية والتعليم، في بلادنا، لا يخرج عن هذا السياق الكوني، لأن قراءة خريطة التخلف والجهل في العالم، تفيدنا في إدراك التلازم بين التربية والتقدم، وليس هناك أي طريق آخر للشعوب، من أجل الخروج من شرنقة الظلام، سوى العلم والمعرفة، وهو التحدي الذي يُطرح على المغرب، خارج كل الحسابات الصغيرة.
لأن قضية التعليم، ينبغي أن تكون فوق أي اعتبار ضيق الأفق، خاصة الاعتبارات الإيديولوجية أو الطبقية، التي ترهن مستقبل الوطن، في تمثلات ميتافيزيقية، أورهانات سياسية/اجتماعية، لا تؤدي في نهاية المطاف، إلا لتأبيد الجهل والتخلف، والبقاء خارج مسار تطور الحضارة الإنسانية، التي تسير نحو سيادة العلم والابتكار، وليس نحو التقليد والتكلس الفكري.
وفي جميع الأحوال، إن الطريق للدخول في الحضارة الإنسانية، من بابها الواسع، لم يكن أبداً هو مراكمة الثروات المادية، بل هو مراكمة الثروة المعرفية والعلمية، التي هي نتاج تعميم التربية والتعليم، والارتقاء بالفكر والمعرفة والثقافة، وليس بإعادة إنتاج الخرافة وتقديس الأوهام.
الكاتب : يونس مجاهد
تعليقات الزوار ( 0 )