تتوجه أصابع الاتهام، في الكثير من الأحيان، للبلدان ومواطنيها، بسبب ارتكاب أحدهم أو بعضهم أفعال إرهابية في بلدان أخرى، وكأن المسؤولية جماعية يتقاسمها البلد والشعب والأمة، حيث يتم التأكيد على جنسية الإرهابي، وكأنها هي المتهمة الأولى بالأعمال الأجرامية التي ارتكبها أشخاص، بل أكثر من ذلك فإن شعوراً مكتوماً بالذنب ينتاب المواطنين، كما أنهم يصبحون متوجسين من ردود الفعل العنصرية والإقصائية، ويضعون أنفسهم في موقع الدفاع.
والحقيقة هي أن الإرهاب لا جنسية له، فهو منتوج مشترك، تتحمل المسؤولية فيه قوى وجهات متعددة، ابتداء من الذين نشروا الفكر المتشدد، الذين صرفوا عليه مداخيل البترودولار، والذي لخص جوهره ابن تيمية في لازمته الشهيرة، «يُستتاب وإلا القتل»، مروراً بكل التنظيمات الدينية المتطرفة، التي تتبنى هذا الفكر والتي نسجت خيوط الشبكات في كل العالم، بفضل الدعم والمال الذي حصلت عَلَيْه مِدراراً، وانتهاء بأجهزة المخابرات، وخاصة البريطانية والأمريكية والإسرائيلية، التي وظفت هذه الظاهرة في إطار استراتيجياتها المتعددة الأبعاد، في مختلف بقاع العالم، وبالخصوص في العالم العربي.
لذلك، يمكن القول إن الإرهاب ظاهرة عابرة للقارات، تتجاوز مواطني كل البلدان، الذين يسقط البعض منهم ضحية أفعال إجرامية، يرتكبها المنتمي لنفس جنسيتهم، ويمكن لكل الدول أن تكون كذلك ضحية للإرهاب، الذي لا يعترف إلا بجنسية واحدة هي القتل والفتك والترويع.
لذلك نجد التجمعات البشرية الإرهابية، مثل «داعش» و»القاعدة»، وغيرهما، متعددة الجنسيات، حيث تضم أشخاصاً من العديد من البلدان، الآسيوية والإفريقية والأوروبية والأمريكية، ما يوحد بينها أمر آخر، لا علاقة له بالإنتماء لوطن، بل إيديولوجية فوق الوطن، تعتمد التحريم والتكفير، وتعتبر أن القتل هو الطريق السالك، نحو بناء دولة الله في الأرض، وأن الموت ليس سوى وسيلة لذلك.
مسؤولية الدول ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والدراسات والجامعات والمنظمات السياسية والحقوقية، هي الاشتغال على أصل الداء، دون تابوهات أو تواطؤ، ومن المؤكد أن النتائج ستكون مذهلة ومرعبة، لأنها ستكشف حقيقة من يحرك الخيوط ومن أيقظ الوحش.