رسالة الاتحاد
يشعر المغاربة، قيادة وشعبا، كما يشعر أصدقاؤهم وأصدقاء وطنهم من كل الجهات في العالم، أن عيد العرش لهذه السنة له طابع خاص، ويسكنه تطلع كبير بأن يطوي المغرب، في نهاية هذه السنة، الملفَ المركزي في الحياة الوطنية: ملف قضية الوحدة الترابية.
وهو، إلى ذلك، لحظة للترصيد، والوقوف عند ما تحقق في البلاد على كل المستويات، بخصوص مقومات الدولة المغربية: الشعب، وجغرافيا التراب، والسيادة.
في القضية الأولى، قضية الإنسان، جعل محمد السادس بناء الدولة الاجتماعية، والحد من الفوارق الاجتماعية، وتوفير أسباب العيش الكريم، واقتسام الثروة وتوزيعها، محركا واعيا وإراديا في تدبير الخصاص الاجتماعي المهول الذي وجد عليه المغرب في بداية حكمه.
واستطاع أن يبلور نموذجا مغربيا، من خلال توافق واسع داخل الشعب وقواه الحية، وبناء على مجهود وطني مزج بين معطيات الواقع وتطلعات طموحه الوطني، أعطى في النهاية نموذجا تنمويا جديدا، بعد أن استنفد النموذج السابق كل مقومات وجوده.
وبالنسبة لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي كانت له مساهمته المركزية في مسار العهد الجديد، فقد وجد ذاته وتراثه في المنجز الوطني الاجتماعي لجلالة الملك، من خلال كون جزء من برامجه ومطالبه وتطلعاته قد أصبح من صميم القناعات المركزية لدى الدولة المغربية، سواء في بُعدها الاجتماعي أو في بُعدها الديمقراطي.
إنها ست وعشرون سنة من تسييد الإصلاح وتثبيته في التربة الوطنية، بشكل لا رجعة فيه.
ودائما في ما يخص مكاسب الشعب المغربي الاجتماعية والديمقراطية، فقد نجح جلالة الملك في خلق توافق واسع، ينبع من صميم التطلع إلى المستقبل والسير نحوه، حول القضايا المركزية للبلاد، خاصة تلك ذات البعد الإصلاحي، سواء في ما يتعلق بالدستور، أو بتجويد مسلسل اتخاذ القرار، أو بتغيير طبيعة الدولة، وتطوير آليات المشاركة الواسعة للقوى الحية في البلاد.
واستطاعت ملكية محمد السادس أن تجند مختلف المقومات الوطنية لصناعة نموذج في التطور والإصلاح، وتدبير النقط الخلافية، من الرياضة إلى الصناعات الكبرى، مرورا ببناء الدولة الاجتماعية، واعتماد معايير التنمية العادلة والعدالة المجالية، وتبني الحقيقة في اتخاذ السياسات، مع استحضار الأفق الزمني المتوسط والبعيد المدى.
وعلى مستوى القضية الترابية للمغرب، قطعت بلادنا أشواطا جبارة بخصوص تحصين الوحدة الترابية، ويدل على ذلك التوافق الدولي الواسع للقوى السياسية في صناعة الشرعية الدولية حول الوحدة الوطنية، واسترجاع مناطق أساسية من قارة إفريقيا لصالح الوطن، وتغيير معادلة الحل، بما يخدم الحق والشرعية ويتجاوز التزييف الطويل الذي تعرضت له حقائق التاريخ والجغرافيا في ملف الوحدة الترابية، وكان للشعار الملكي بجعل الصحراء «نظارات المغرب» في قاعدة بناء العلاقات، تأثير حاسم في تحويل المواقف وخلق الفرق في تدبير الملف، الذي عمل جلالته، بدبلوماسية هادئة وواثقة وعميقة، على تحقيق تحالف دولي واسع حوله.
ولم تكن معارك المغرب ذريعة لتعطيل الفعل التنموي ولا تعطيل التطور الديموقراطي ولا تأجيل أسئلة البناء الداخلي، بل كانت الصحراء محركا وحافزا بشريا وسياسيا وتاريخيا للتوجه نحو المستقبل، وطرح مقترحات لاقتسام التطور الحاصل مع الشركاء الأفارقة وغير الأفارقة.
وكان للجدران التي بناها المغرب، الجدار الأمني والجدار الدبلوماسي والجدار التنموي، أثر أساسي في بلورة نموذج مغربي، استراتيجي وتفاعلي، لممارسة السيادة، كعنصر ثالث في تحديد مفهوم الدولة المغربية الحديثة.
لقد كانت ست وعشرون سنة، في تقدير الاتحاد، مرحلة حاسمة في تعزيز السيادة على قاعدة الحكم الذاتي، الذي سيشكل ولا محالة أكثر من مجرد مقترح دبلوماسي لحل نزاع مفتعل، بل عتبة لثورة ترابية وسياسية وجيوستراتيجية في المنطقة كلها
تعليقات الزوار ( 0 )