جواد شفيق

لم يسبق للبرلمان المغربي أن عاش عطالة كهذه الممتدة منذ 8 أكتوبر الماضي ، بل و تسجل حوليات السياسة المغربية بأنه حتى عند إعلان حالة الاستثناء سنة 1965 ، لم يتم حل البرلمان (برلمان 1963) و احتفظ به رغم تمثيليته المعيبة، و في ذلك كثير مغازي سياسية .

و ينص الفصل 59 من الدستور الحالي المملكة على أن “لا يحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية ..” و “تبقى الحريات و الحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة ” .

لقد خص المشرع الدستوري البرلمان المغربي بمكانة معتبرة في نظام الحكم بالمغرب (الفصل الأول من الدستور الذي ينص على أن نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية و اجتماعية ) ، و في النظام الدستوري للمملكة(الفصل الأول الذي ينص أيضا على فصل السلط أساسا، ثم توازنها. و تعاونها .و ليس تعطيلها كما هو جار الآن ، أو احتكارها و احتقارها كما جرى مع بنكيران خلال حكومتيه السابقتين ) ، بل و بوأه موقع ممارسة سيادة الأمة بصفة غير مباشرة عن طريق ممثليها المنتخبين “بالاقتراع الحر و النزيه و المنتظم “( الفصل الثاني من الدستور ).

في ديباجة الدستور المغربي كما في الفصول الأولى “المؤسسة” لا نكاد نعثر على ،و لو ، إشارة واحدة إلى أولوية أو سمو الحكومة أو السلطة التنفيذية على رمز سيادة الأمة الذي هو البرلمان..اللهم ما جاء في باب الحديث عن السلط و فصلها…. بل إن تبويب الدستور نفسه جعل السلطة التشريعية سابقة على السلطة التنفيذية ، و أفرد لهما على التوالي البابين الرابع ثم الخامس. بل إن الحكومة نفسها لا “تعتبر منصبة إلا بعد حصولها على ثقة مجلس النواب “(الفصل 88).
أما رئيسي مجلسي البرلمان فقد خصهما المشرع الدستوري بمواقع و أدوار جد متقدمة ، بحيث حظيا بعضوية مجلس الوصاية(الفصل 44) ، و بعضوية المجلس الأعلى للأمن(الفصل 54) ، كما يستشيرهما الملك قبل إعلان حالة الاستثناء ( الفصل 59).

و بطبيعة الحال ، و بعد أن فتح دستور يوليوز 2011 نافذة على الملكية البرلمانية…فقد توسع بشكل كبير مجال ممارسة السلطة التشريعية ، و التشريع من طرف البرلمان (الفصلين 70 و 71) ، ليشمل كل المجالات و القطاعات ،باستثناء تلك المخولة للملك حصريا ،بمقتضى الدستور….و هي محددة بدقة.

ينص الفصل 62 من دستور فاتح يوليوز 2011 على أن “ينتخب رئيس مجلس النواب و أعضاء المكتب و رؤساء اللجان الدائمة و مكاتبها في مستهل الفترة النيابة ” (انصرمت لحد الساعة أكثر من ثلاثة أشهر على مستهل الفترة النيابية )،

و ليس هناك، تصريحا أو تلميحا ، في القانون و لا في الدستور ما يلزم مجلس النواب يتعطيل هيكلة نفسه إلى ما بعد تشكيل الحكومة.

صحيح أن “الأعراف ” تقتضي أن تبحث كل حكومة عن أغلبيتها النيابية(الصديق قبل الطريق )، ، و لكن من غير المقبول أن تلجأ حكومة مفترضة إلى تعطيل مؤسسة بكاملها إلى أن ترشق لرئيسها و يعود إلى الكلام.

يتعدى عمل مجلس النواب ، مجالات التشريع و الرقابة ، و تقييم السياسات العمومية إلى فضاءات الديبلوماسية البرلمانية و الشراكات الاستراتيجية(الشريك من أجل الديمقراطية و الوضع المتقدم ) ، و هي مهمة حساسة و جسيمة سبق أن كانت موضوع خطابات ملكية، على الأقل عند افتتاح سنتين تشريعيتين (2013 و 2014) ، ، و بغية تعضيد الدور الخارجي/الدبلوماسي للبرلمان ، و تفعيل دوره كممارس لسيادة الأمة ، و تكريس التكامل المثمر بين الملكية و البرلمان في هذه الواجهة فقد حرص المشرع الدستوري في الفصل 55 من الدستور على أن “لا يصادق الملك على معاهدات السلم أو الاتحاد ، أو التي تهم رسم الحدود ، و معاهدات التجارة ، أو تلك التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة ، أو يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية ، أو تتعلق بحقوق و حريات المواطنات و المواطنين ، العامة و الخاصة ، إلا بعد الموافقة عليها بقانون “.

لقد عمدت حكومة تصريف الأمور الجارية(الفصل 51) إلى تجميد علاقتها بمجلس المستشارين رغم أنه في وضعية نظامية ، و هو ما كان موضوع نقاش لا زال ساريا ، و لم تمنع محاولة التعطيل هذه المجلس من استمرار مزاولة باقي مهامه الدستورية(لجان، مكتب، ديمقراطية تشاركية، دبلوماسية ، عمل إداري ، و مبادرات أخرى كثيرة )..

لقد تداخل في هذه الواقعة ، السياسي ، بالشخصي (سبق لبنكيران أن عبر صراحة عن موقف متشنج و غير لبق من رئيس مجلس المستشارين )، بالدستوري. و هي نفسها العوامل المتداخلة ، بصيغة أخرى ، التي تتحكم في محاولة تعطيل هيكلة مجلس النواب ، ، بدعوى أن الأغلبية البرلمانية هي بالضرورة أغلبية حكومية؛و العكس صحيح.، علما بأنه حتى الفصل 88 من الدستور ينص على أنه “بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة ، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين ، و يعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه…” ، و الحديث هنا واضح عن مجلسين للبرلمان يفترض أن يكونا مهيكلين ، قبل أن يجتمعا ، و إلا لكان المشرع قد تحدث عن نواب و مستشارين و ليس عن مجلسين، و لكان نص على “الأغلبية الحكومية المعدة و المعلنة سلفا هي التي تنصب الحكومة” ، عوضا عن “أغلبية مطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ” .

منذ بيان “انتهى الكلام “، و بلاغ المجلس الوزاري ، أطلق العنان لكثير تحاليل حول دستورية و قانونية الدعوة لهيكلة مجلس النواب بغاية التصديق على القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي داخل الآجال المحددة قانونا من طرف الاتحاد.

إننا نعتقد ، بأن الأمر يتجاوز بكثير هذه الحالة الطارئة ، إلى واجب وقف تعطيل مؤسسة مركزية بقيمة البرلمان ، لها من الأدوار و المهام ما هو في حكم الاستراتيجي داخليا و خارجيا ، و إعطاء معنى فعليا لممارسة الأمة لسيادتها بواسطة ممثليها (الفصل 2)،في تناغم مع رمز وحدتها(الفصل 42).

و أما قضية الأغلبية الحكومية ، و ما دامت أية دعوة رسمية لم تصدر بعد ، و مادامت الجهات التي قد تنخرط لم تعلن أبدا عن تخليها عن المنهجية الديمقراطية ، أو عن تشكيلها لأغلبية حكومية ؛ و لا رئيس الحكومة أنهى التكليف عوض أن ينهي الكلام.. فنعتقد صادقين بأن هيكلة مجلس النواب قد تكون عنصرا ميسرا لا معسرا …بعد أن أختار خصم بنكيران الأول موقعه منذ زمان و أنهى هو أيضا الكلام.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

رئيس الفريق الاشتراكي يوسف إيدي: غرف الصناعة التقليدية تعاني من استقلال أجوف

الكاتب الأول يترأس المؤتمر الإقليمي للحزب بالجديدة

الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية يضع مقترح قانون يهدف إلى إحداث هيئة قضايا الدولة أمام الحكومة والمشرعين

الكاتب الأول يترأس المؤتمر الإقليمي للجديدة وعين الشق وسطات