شقران أمام
طاب صباحكم ، أو مساؤكم لا فرق . المهم أنكم بخير ما دمتم تعتقدون أن الصراخ علامة نضال . و النضال عند الكبار منكم سحابة صيف عابرة . لا يهم إن أمطرت اليوم أو غدا ، المهم أن يرضى أصحاب السعادة عن ضعف اليد و الحيلة و الذاكرة . و كيفما كان الحال فإن المطر حين يهطل يبلل الجميع ، من الاغنياء حتى …. الاغبياء . يقال ، و الله أعلم ، بأن القاطرة تسير ، و يقال أيضا بأن الكلاب تنبح ، لكن السؤال الذي يشغل الاوطان في أزمنة البؤس هو في خطورة الكلام المباح ، أي عندما يستيقظ ضمير من سباته ليلعن الواقع بما حمل ، و يرتب أوراقه وفق طقوس خاصة ، بعضها هبة من السماء ، و بعضها الآخر من وجع البسطاء و السذج و الغارقين في حلم الفضيلة .. الآن تحضرني قصتها ، من لحظة الولادة إلى محطة الرقص تحت ألسنة تلوك الماضي بخبث الحاضر و المستقبل .. عذراء كانت بين أياد أمينة ، يحضنها الرجال بعرق السجون و سياط العابثين ، و يلهث وراء نهديها صبية من زمن التبعية العمياء .. يقول الحالم بنفسه ، و هو يرتشف من دمعها اليومي ، انها له وحده ما دامت العجينة غريبة عن بطنه ، و الأرض تدور بمشيئة قلقه ، و الافكار حكر على أناه دون غيره . يقسم بذلك ، بإسم كافة الآلهة التي لا يؤمن بها في السر قبل العلن ، و تصطف وراءه جوقة فتية تسبح بحمد فتواه … طاب يومكم ، و أنتم تبعثرون أوراق الحقيقة على مقصلة التاريخ ، تعبثون بذكرى الشهداء واحدا تلو الآخر ، تحترفون إشاعة السم في فلك الفعل ، لتنتصب المشانق فرحا بالكبت و المكبوت فيكم ، و تزحف ، بأمر من سلطة الحقد ، كتائب القذف صوب شرف إخوة في الانتماء .. الآن أرى جسمها يرتجف من البرد ، لا مواقف تحضنها ، لا فكرة واحدة تسند ضعفها ، و لا جسرا من الأمل يعيد البريق إليها في ظلمة وطن غارق في الضباب .. وحدها ، تائهة بلباسها الرث ، تبحث عن الجد في لعبة لصيقة بها ، تراقب شطحات مناضل برتبة جنرال ، و أهازيج مخزنية لحفنة وصولية مستعدة لكل شيء إلا …. الكرامة . طاب مساؤكم ، فالليل طويل جدا ما دمتم تعشقون السهر على لحمها ، و هي التي لا تنتهي عند حدود عجزكم و قدرتكم على النميمة . هي الفعل و الفاعل في صيرورة النضال ، و هي تضاد الفراغ و انتظار الفشل ، و أنتم ، كما أنتم ، لا تدركون أنكم إنما تحرثون ألف ميل من الصحراء بقلم حبر جاف … من المبادئ . و الآن ، أستسمحكم ، باسمها ، في سؤال بسيط مثلها : متى شيدت الأوطان بإرادة من الضغينة ؟ هي تعرف الجواب منذ رسمت على أكف كادحة ، و صارت أيقونة يعتز بحملها المرء صفة في دروب الخوف و المجهول ، و أيضا ، منذ اكتشفت أنها مجرد أصل تجاري لمن لا أصل له في ساحة النضال .. لكنها لم تكن يوما تعتقد أنكم حولتم الحقد عقيدة ، و سجلتم الحقيقة باسمكم في سجل الرسالة و المرسلة إليه ، و صرتم ، كما كنتم ، حفنة من الوعيد أمام جيش من فولاذ .. طاب صباحكم ، و أنتم تأمرون نادلا بسيطا بفطور ملكي ، لتتحدثوا عن معاناة الفقراء من شعبكم ، و طاب مساؤكم ، و أنتم ملتفون حول نبيذ معتق بضمائر من تراب أرض موحلة .. حديثكم ثورة معلبة منتهية الصلاحية ، لا فرق بينه و العدم في ساحة الفعل . فقط كلمات ، عبارات ، كتابات و صور من زمن الغدر و الخيانة ، و إرادة اللعب بواقع يفضح محدودية المبادرة عندكم ، و عند زمرة المتفائلين بموت الفكرة و المسار .. الآن أرى بعينيها كنه ما تريدون ، فأبتسم رغما عن الغضب ، و أدرك ببساطة حدسي أن الأمر ليس كما تظهرون . النضال مدرسة بأبواب مشرعة على الفعل ، و الفاعل في ساحة العطاء من يمد يده بمعول البناء ، يساعد قدر الامكان في صناعة المشترك ، يمد جسور العطاء في مجتمع الذات ، و يوجه بالنقد البناء انحراف المسار عن بوصلة الانتماء … النقد حين يتحول سما و كراهية يصبح غير ذي معنى ، شيئا آخر في جوهر المقولة الساخرة : القمل و الحلاقون و النقاد يعيشون من رؤوس الآخرين .. هل أحلم ، كما تحلم هي ، بنهاية سعيدة لاختلافات الامزجة ؟ و أي مزاج ذاك الذي يكتب مقاله على تبان رفيقته ، و ينشر بين القاصرين فاحشة الكراهية ؟ بل أي ثقافة تلك التي تشنق الكتاب حبا في الجهل و طمعا في غنيمة ظلام ؟ … المناضل اليوم من يكرس وقته حبا في المشروع ، لا من يختزل الأخير في تصفية حساب . المناضل من يمشي على جمر المجتمع ، لا من يبحث عن نار يحرق بها رفاق الامس . المناضل من يؤمن بها كما هي ، لا من يعانقها علنا و يخونها مع الخصوم وراء ستار المصلحة .. المناضل من تلد على حجره كل يوم ألف فكرة ، و تموت بحركاته سلطة اليأس في مخيلة البسطاء …. طابت حياتكم أيها الرفاق ، و الحياة هنا إمرأة ليست ككل النساء ، وردة ، سياسة ، ديمقراطية ، حداثة . اختاروا ما شئتم ، هنيئا لكم الاختيار .. طابت حياتكم ما دمتم تعطونها حقها ، و ما دمتم غير عابئين بالمرض …. مرضكم .. سننتهي قريبا منا ، لنقف عند دار تتسع للجميع ، و نبحث في قسمات اوجه شاحبة عن الحقيقة الغائبة . لا مفر من ذلك ، لا مفر . قد نكون لبعضنا البعض مصيبة ، لكننا نؤمن أن كل شيء يبدأ صغيرا ثم يكبر ، إلا المصيبة فإنها تبدأ كبيرة ثم تصغر . تلك هي الحكمة القديمة ، و حكمة اليوم أن ننظر إلى ما نقدم قبل محاكمة الآخرين ، و إذا ما منحنا لأنفسنا سلطة الحكم ، فل تكن محاكمتنا عادلة ..

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

رئيس الفريق الاشتراكي يوسف إيدي: غرف الصناعة التقليدية تعاني من استقلال أجوف

الكاتب الأول يترأس المؤتمر الإقليمي للحزب بالجديدة

الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية يضع مقترح قانون يهدف إلى إحداث هيئة قضايا الدولة أمام الحكومة والمشرعين

الكاتب الأول يترأس المؤتمر الإقليمي للجديدة وعين الشق وسطات