شقران امام
عديدة هي الاحداث و الوقائع التي لا يحق للمرء ، مطلقا ، أن يقف أمامها موقف المتفرج ، أو أن يتعاطى معها بالتركيز على عموميات لا يستشف منها وضوح الموقف ، و إن في بعده الإنساني كأضعف الايمان .. وقائع بقدر ما تؤثث المعيش اليومي ، بقدر ما أصبحت ، بسبب مواقع التواصل الاجتماعي ، فريسة إسهال في مواقف ملتبسة لا تستند على أي أساس أحيانا عديدة . الأمر الذي يدفع ، و إن بشكل محتشم ، إلى محاولة تناول بعض القضايا من زاوية شبه موضوعية ، بإحتساب حضور العاطفة كفاعل نفسي أساسي في أي قراءة ممكنة .. و لأن رفوف العقل ممتلئة بقضايا متعددة ، سيكون من المفيد الوقوف عند إثنين منها ، لآنيتها من جهة ، و أهمية النقاش المصاحب لها من جهة ثانية ، مع العزم على تناول أخرى في محطات لاحقة.

ـ الحسيمة … حراك و جمود

كنت محظوظا بزيارة هذه المدينة المتوسطية ، الجميلة بساكنتها و طبيعتها ، في مناسبات ثلاث . و رغم بعد المسافة ، و صعوبة الطريق الملتوية حد الإحساس بالدوخة ، تشدك المنطقة إليها بشواطئها الخلابة ، و أهلها الطيبين بأخلاقهم و تفاعلهم المتحفظ ، لكن المسؤول أيضا ، مع الزائر الغريب .. أتذكر ، كواقعة التقطتها و صديق لي ، بشاطئ كيمادو ، أن التحرش بالفتيات منعدم ، و الأجواء تضفي طابعا أسريا على السلوك بالمكان .. و أتذكر أيضا ، كيف أن الواجهة الجميلة لوسط المدينة و شريطها الساحلي ، تنتفي بمجرد المرور إلى شوارع و أزقة مجاورة … على أي حال ، الحسيمة ينقصها الشيء الكثير ، و إن كانت أفضل حالا بكثير ، من مدينتي الصغيرة و العزيزة وزان .. و لأن الشيء بالشيء يذكر ، فإن الحراك الذي تعيشه اليوم و الاحتقان المصاحب له منذ مدة ليست بقصيرة ، يحيل على ملاحظة لا جدوى من الهروب منها . ذلك أن الحراك ، بما هو تعابير احتجاجية شبه يومية ، بسلوك حضاري يوازن ما بين التعبير عن مطالب اجتماعية مشروعة ، و تصريف ذلك في طابع سلمي محكم التنظيم . يظل مصاحبا بجمود ، غير مفهوم ، في التعاطي مع جوهر الحوار و الأولويات الممكنة من جهة ، و محاولة البعض توجيه الحراك خدمة لمشروع آخر غير ذلك الذي يهم المنطقة و ساكنتها من جهة ثانية .. هنا ليس في الأمر تخوين لأي كان ، و لكن ، من باب المسؤولية ، هناك من يخدم أجندة لا علاقة للساكنة بها ، و وجب التنبيه لذلك … الواقع يتطلب تحركا سريعا ، و وعيا تاما بتغليب المصلحة العامة . و المسؤولية مشتركة في هذا الباب بين كافة الفاعلين بمختلف مشاربهم .. المسؤولية تقتضي الاعتراف بالخلل الكبير الذي طبع الانتخابات التشريعية الاخيرة بالمنطقة ، مثلما تقتضي إدراك خطورة تحييد و إقصاء الوسائط المجتمعية من احزاب وطنية و مجتمع مدني ، مع التعاطي المسؤول مع المطالب المشروعة بكثير من الإرادة و الصدق و التنزيل العملي على أرض الواقع لعدد من الاصلاحات الضرورية و الاساسية .. في الحسيمة هناك حراك و جمود ، مثلما هو الحال بكثير من مناطق البلاد ، و لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة .. وحده الحوار يؤسس للمستقبل … و لا مستقبل بعيدا عن مصلحة الوطن و المواطن.

ـ البرلمان .. الثروة و الثورة 

في مناقشة الفريق الاشتراكي بمجلس النواب ، سواء للبرنامج الحكومي أو مشروع قانون المالية ، كان العنوان الأبرز لمداخلة الفريق ، التأكيد على ضرورة مراقبة أوجه صرف المال العام ، و اعتماد إصلاحات تقوي تنافسية الاقتصاد الوطني ، بغاية خلق ثروة تكون في المدى المنظور في خدمة القضايا الاجتماعية .. كان من الضروري ، و الواجب أساسا ، الدفاع عن مواقف مرجعية في مجموعة من القطاعات ، مع الوعي التام بضرورة التنسيق مع الاغلبية ، و البحث عن المشترك عبر تقريب وجهات النظر بخصوص عدد من القضايا .. الثورة لحن جميل ، و العزف على العواطف لا شك يرفع الاسهم مرحليا ، لكن الأمر ، من باب المسؤولية ، اكبر من مجرد البحث عن فقاعات لا تكاد تصطدم بالواقع حتى تختفي دون صدى .. في هذا الباب ، الحديث عن مراقبة أوجه صرف المال العام لا شك يضعنا أمام أسئلة مشروعة بخصوص البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم كمثال .. أين صرفت الاعتمادات الضخمة المخصصة له ؟ كيف صرفت ؟ ما حجم الإهدار في هذا القطاع ؟ و كيف هو الحال بالنسبة لقطاعات أخرى ؟ .. احيانا كثيرة يكون الاشكال في صرف الميزانيات في غير ما خصصت له ، و ليس في ضعف الاعتمادات . و احيانا اخرى أيضا ، تصبح الاولويات مطية لمزيد من النزيف في المالية العمومية بسبب الارتجالية و اعتماد منطق اقتناص الفرص من قبل العديد من المسؤولين .. المطلوب ثورة ثقافية في التعاطي مع قضايا البلاد و العباد بمسؤولية و موضوعية ، لأن دون ذلك ، حتى و إن خصصنا كل الموارد المالية لقطاع ما ، سنظل ندور في حلقة مفرغة … ندور و ندور .. و في كل دورة أموال طائلة تضخ في حسابات مسؤولين لا يلتفتون مطلقا لما يروج في العالم الأزرق .على سبيل الختم :تعرفون ، و لا شك ، المثل القائل بأن كم من حاجة قضيناها بتركها ، لكن الفاعل السياسي ، من باب المسؤولية ، لا يحق له التعاطي مع الواقع المعيش من نفس الزاوية ، لأن في ذلك نوع من الانتهازية ، تماما مثلما هو الامر بالنسبة لمن يختار الطريق السهل من خلال العزف على العواطف بعيدا عن اي منطق في طرح المواقف .. في مدرسة الاتحاد تعلمت ، و مجموعة من المناضلين ، لغة الوضوح و الموضوعية ، مثلما تربيت على الايمان بالاختلاف و حسن تدبيره .. هل نفصل الحديث في الموضوع ؟ موعدنا بعد المؤتمر الوطني العاشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، من أجل مغرب الديمقراطية و الحداثة و التضامن .

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

رئيس الفريق الاشتراكي يوسف إيدي: غرف الصناعة التقليدية تعاني من استقلال أجوف

الكاتب الأول يترأس المؤتمر الإقليمي للحزب بالجديدة

الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية يضع مقترح قانون يهدف إلى إحداث هيئة قضايا الدولة أمام الحكومة والمشرعين

الكاتب الأول يترأس المؤتمر الإقليمي للجديدة وعين الشق وسطات