من بين أهم المحاور التي تضمنها الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الجديدة، دعوته إلى ضرورة تغيير النموذج التنموي، بما يعني ذلك من تغيير جذري في مقاربة كل النماذج التي سادت لحد الآن على المستوى الاقتصادي والمالي والاجتماعي والثقافي…
ويمكن القول إن الأمر يتعلق بالدعوة إلى إحداث قطيعة مع المسلّمات التي لم تتغير، إلا بشكل جزئي، في النموذج الذي تحكم في بنية الميزانيات والاستثمارات والنظام الضريبي والقروض وتعامل الأبناك مع محيطها والشركات العمومية والخاصة، وكذا العلاقات مع الموارد البشرية من تربية وتكوين وتأطير، والعدالة في توزيع الثروة بين الأفراد والجهات، وغيرها من أسس التغيير الجذري الذي ينبغي أن يشمل كل المذاهب الاقتصادية والاجتماعية التي سادت في الدولة المغربية.
من الممكن تصور الحاجة إلى هذا النموذج التنموي الجديد، من عدة منطلقات، من أهمها التوجه العام نحو ازدياد الفوارق الطبقية والمجالية، وانسداد الآفاق بالنسبة للشباب، في ظل اقتصاد لا ينتج ماهو كافٍ من مناصب الشغل وأنظمة تكوين وتأطير لا تسد الخصاص، غير أن هناك معطى آخر، لابد من أخذه بعين الاعتبار، وهو أن النموذج التنموي الذي ساد في المغرب، منذ سنوات طويلة، من ستينيات القرن الماضي، رغم بعض التعديلات التي طرأت عليه، ظل متشبثا بثوابت لم يتجرأ أحد على المساس بها، يحتاج اليوم إلى مراجعة جذرية، نظراً للمتغيرات الكبرى التي طرأت على البنية الاجتماعية في المغرب، مما أحدث تحولات وحاجيات جديدة، فليست مدن الأمس هي مدن اليوم، وليس تعداد السكان هو نفسه، وليست نسبة الشباب فيه هي نفسها، كما تغيرت العلاقة بين الحواضر والبوادي وتغيرت العقليات، في ظل نظام انفتاح عالمي، مصاب بكل العوارض السلبية التي أنتجتها العولمة.
لذلك يجد المغرب نفسه أمام تحديات جديدة، بعد أن قام بتشخيص مشاكل متعددة في تقرير الخمسينية، وعدة تقارير أخرى تنتجها مؤسسات وطنية ودولية، لكن التشخيص، وإن كان مهما، إلا أنه ليس هو العلاج، الذي يتطلب في مجال التنمية، عبقرية خاصة والتزاما جماعيا وتغييرا شاملا في منهجية تحمل المسؤولية، وهي الإشارات الواضحة التي وردت في الخطاب الملكي.