تعكس التشكيلة الجديدة للمكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية توجهاً واضحاً نحو تعزيز البعد الوظيفي في تدبير الحزب، من خلال إسناد مهام دقيقة للكتاب الوطنيين، بما يجعلهم حلقة مركزية في مرافقة الكاتب الأول في قيادة المرحلة المقبلة، ليس فقط على المستوى السياسي، بل كذلك على مستوى التأطير والتنظيم والتنزيل العملي للخيارات الكبرى.
فالكاتب الأول، إدريس لشكر، لا يراهن في هذه المرحلة على قيادة فردية أو مركزية مغلقة، بقدر ما يعمل على بناء قيادة جماعية متخصصة، قوامها توزيع واضح للاختصاصات، وربط المسؤولية بالملف، بما يتيح تحويل المكتب السياسي من هيئة تقريرية عامة إلى جهاز اشتغال دائم، قادر على مواكبة تعقيدات السياق السياسي والتنظيمي المقبل.
ويبرز من خلال لائحة الكتاب الوطنيين حضورٌ مقصود ومُحكَم لقطاعات تُعد اليوم مفاتيح أساسية في العمل الحزبي الحديث، بما يعكس انتقال الحزب من منطق التدبير العام إلى منطق الاشتغال القطاعي المتخصص. فقد شملت هذه اللائحة مجالات المجتمع المدني والثقافة، باعتبارهما رافعتين للتأطير القيمي وبناء الامتداد المجتمعي، إلى جانب الإعلام الحزبي بشقيه الفرنسي والعربي، والتواصل الرقمي، بما يؤشر على وعي بأهمية معركة الصورة والخطاب في الفضاء العمومي.
كما حظيت قطاعات المالية، القضايا الاقتصادية، الغرف المهنية، والمؤسسات المنتخبة بمكانة واضحة، في انسجام مع متطلبات الفعالية التدبيرية وربط العمل الحزبي بالرهانات الاقتصادية والتمثيلية.
وإلى جانب ذلك، برز اهتمام خاص بملفات التربية والتعليم والبحث العلمي، الصحة والحماية الاجتماعية، الماء والبيئة والتنمية المستدامة، والتكوين وتعزيز القدرات، وهي مجالات ترتبط مباشرة بالسياسات العمومية وجودة الحياة.
ولم تُغفل التشكيلة قضايا العدالة والحريات وحقوق الإنسان، التنظيم، قضايا الشباب، قضايا النساء، العمل النقابي والقطاعات المهنية، ومغاربة العالم، ما يعكس حرصاً على شمولية المقاربة وربط القيادة الحزبية بتحولات المجتمع المغربي داخلياً وخارجياً، في أفق بناء عمل سياسي أكثر نجاعة وتأثيراً.
كما أن إفراد ملفات بعينها بكتاب وطنيين مستقلين، مثل قضايا الشباب، النساء، مغاربة العالم، الصحة والحماية الاجتماعية، والبيئة والتنمية المستدامة، يعكس وعياً تنظيمياً بضرورة الانتقال من الخطاب العام إلى الاشتغال الموضوعاتي، وربط العمل الحزبي بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع المغربي.
وفي هذا السياق، يُنتظر من الكتاب الوطنيين أن يشكلوا الرافعة التقنية والسياسية للكاتب الأول، عبر إعداد التصورات القطاعية، واقتراح المبادرات، وتأطير النقاش الداخلي، وربط الحزب بشبكاته المهنية والمجتمعية، بما يسمح للقيادة السياسية باتخاذ قرارات مبنية على معطيات دقيقة، لا على الانطباع أو الارتجال.
من جهة أخرى، تُظهر هذه التشكيلة حرصاً على التوازن بين التجربة والاستمرارية من جهة، والتجديد والانفتاح على كفاءات جديدة من جهة ثانية، وهو ما يمنح المكتب السياسي قدرة أكبر على الجمع بين الذاكرة التنظيمية للحزب ومتطلبات المرحلة المقبلة، خاصة في أفق الاستحقاقات الانتخابية القادمة.
وخلاصة القول، فإن الكتاب الوطنيين في هذه الصيغة التنظيمية لا يُنظر إليهم كمجرد مساعدين أو مواقع بروتوكولية، بل كأدوات تنفيذ ومرافقة سياسية مباشرة للكاتب الأول، في أفق إعادة تموقع الاتحاد الاشتراكي كقوة اقتراحية وتنظيمية فاعلة، قادرة على الجمع بين الوضوح السياسي والنجاعة التنظيمية.
15 ديسمبر 2025
مواضيع ذات صلة

كلمة الكاتب الأول الأستاذ ادريس لشكر، ونتائج التصويت خلال الدورة الأولى للمجلس الوطني

مأساة فاس: تشريح انهيار منظومة قبل انهيار البنايات

الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين يمتنع عن التصويت على القوانين الانتخابية

تعليقات الزوار ( 0 )