رسالة الاتحاد

يختتم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سلسلة مؤتمراته الإقليمية من مدينة الداخلة، في لحظة وطنية رمزية تؤكد عمق الارتباط بالأقاليم الجنوبية ووفاء الحزب لثوابته الوطنية الراسخة في الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة. فالداخلة ليست مجرد محطة تنظيمية عادية، بل هي رسالة سياسية قوية تحمل دلالات استراتيجية، باعتبارها بوابة المغرب نحو إفريقيا ومجاله الأطلسي، وتجسيدًا حيًّا للرؤية الملكية السامية التي جعلت من الصحراء المغربية مركز إشعاع للتعاون جنوب–جنوب، ومنصة للاندماج الاقتصادي الإفريقي المشترك.
وإذا كانت العيون قد شكلت منطلقًا لمسار التنظيم الحزبي بالأقاليم الجنوبية، فإن الداخلة تأتي كتتويج لهذا المسار، بما تحمله من رمزية جغرافية وسياسية ودبلوماسية تؤكد أن الصحراء ليست قضية حدود، بل قضية وجود ووحدة وطنية متجذرة في وجدان كل المغاربة.

من العيون إلى الداخلة.. دلالات سياسية ودبلوماسية وطنية

لم يكن انعقاد المؤتمر الإقليمي بالعيون ثم اختتام المؤتمرات من الداخلة صدفة تنظيمية، بل هو اختيار وطني عميق الدلالة يعكس انخراط الاتحاد الاشتراكي في الدبلوماسية الموازية الداعمة لسياسة الدولة في الدفاع عن القضية الوطنية الأولى.
فهذه اللقاءات الميدانية تندرج ضمن استراتيجية حزبية تؤمن بأن الدفاع عن الصحراء المغربية لا يتم فقط عبر المؤسسات الرسمية، بل أيضًا عبر حضور سياسي وتنظيمي دائم يُجسّد الالتزام الوطني في الميدان، ويترجم القناعات الوحدوية إلى فعل واقعي يلامس حياة المواطنين في الأقاليم الجنوبية.
لقد ظل الاتحاد الاشتراكي، عبر تاريخه، في طليعة القوى السياسية التي دافعت عن مغربية الصحراء في المحافل الدولية، من موقع الوعي والشرعية التاريخية لا المزايدة السياسية. واليوم، ومع الاعتراف الدولي المتزايد بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وافتتاح القنصليات بمدينة الداخلة والعيون، يجدد الحزب التزامه بمساندة الدبلوماسية الملكية التي جعلت من الصحراء المغربية ركيزة أساسية في التعاون الإفريقي–الأطلسي، ونقطة ارتكاز لبناء نموذج تنموي مندمج ومستدام.

مرافعة اتحادية قوية حول الأبعاد الجيوستراتيجية والتنموية

في هذا الإطار، سيقوم الكاتب الأول للحزب، الأخ إدريس لشكر، بمرافعة سياسية وتنموية قوية خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي بالداخلة، تتناول الموقع الجيوستراتيجي للإقليم وبُعده السياسي والاقتصادي في سياق الرؤية الوطنية لتنمية الأقطاب البحرية والمينائية الكبرى.
وسيؤكد لشكر، في كلمته المنتظرة، أن الداخلة تمثل اليوم نقطة التقاء بين الرؤية الملكية للتنمية المندمجة ومشروع المغرب البحري الجديد الذي يربط بين الشمال والجنوب، بين المتوسط والأطلسي، في إطار مقاربة شاملة تجعل من الموانئ الكبرى روافع أساسية للنمو الاقتصادي والمكانة الجيوستراتيجية للمملكة.
وسيبرز الكاتب الأول أن المناسبة ستكون ساحة لطرح رؤية الحزب حول تنمية الموانئ الكبرى في الشمال المتوسطي والمجال الأطلسي، من خلال تكامل الأدوار بين ميناء الناظور غرب المتوسط، وميناء طنجة المتوسط بالقصر الصغير، وميناء الدار البيضاء، وصولاً إلى ميناء الداخلة الأطلسي، بما يعكس وحدة الرؤية الاقتصادية والوطنية في خدمة المغرب كقوة بحرية وتجارية صاعدة تربط إفريقيا بأوروبا والعالم.
كما سيتوقف لشكر عند أهمية المشاريع المهيكلة التي أنجزت في الداخلة، من موانئ ومناطق لوجستية ومرافق اقتصادية وسياحية وطرق سريعة، حولت المدينة إلى مركز جذب استثماري ووجهة استراتيجية ضمن النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، في انسجام تام مع أهداف الدولة الاجتماعية والجهوية المتقدمة.

إشكالية التنظيم الحزبي بالأقاليم الجنوبية: نحو تأطير وتنمية مواطِنة

تؤكد التجربة التنظيمية للحزب في الأقاليم الجنوبية أن الرهان لا يقتصر على بناء الهياكل، بل يمتد إلى تجديد النخب وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، بما يعزز روح المواطنة والانتماء الوطني. فالمطلوب اليوم تنظيم حزبي فعّال قادر على استيعاب الدينامية السكانية والعمرانية والاقتصادية التي تعرفها مناطق الجنوب، عبر تكوين أطر شابة تمتلك الكفاءة والوعي، وتستوعب التحولات الاجتماعية الكبرى التي تشهدها الداخلة والعيون والسمارة ووادي الذهب.
إن الاتحاد الاشتراكي، وهو يعيد بناء تنظيماته بالأقاليم الجنوبية، يدرك أن معركة التأطير هي الوجه الآخر لمعركة الوحدة الترابية. فكلما تعززت البنيات الحزبية القوية والمتجذرة في الميدان، كلما ارتقى الفعل السياسي إلى مستوى مواكبة المشروع التنموي الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس في هذه الربوع.
ولهذا يعمل الحزب على تأهيل مناضليه ومنتخبيه في مجالات الحكامة المحلية، التنمية المستدامة، الاقتصاد التضامني، والدبلوماسية الموازية، بما يجعل العمل الحزبي أداة للنهوض بالمنطقة لا مجرد واجهة سياسية.

من الداخلة إلى بوزنيقة .. نحو مرحلة جديدة في المسار الاتحادي

ومن الداخلة إلى بوزنيقة، يفتح الحزب صفحة جديدة في مساره التنظيمي والفكري، إذ يمثل هذا اللقاء الختامي تمهيدًا لعقد المؤتمر الوطني الثاني عشر للحزب، الذي سيصادق خلاله على الأوراق الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتنظيمية التي ستوجه عمل الحزب في المرحلة المقبلة.
ويُعدّ هذا المؤتمر الوطني محطة فاصلة لتجديد الرؤية الاتحادية وبناء أفق يساري جديد ينسجم مع التحولات الوطنية والدولية، ويعبّر عن طموحات الشعب المغربي في العدالة الاجتماعية، والمجالية، والكرامة الإنسانية.
إن الاتحاد الاشتراكي، من خلال هذا المسار المتدرج، يؤكد عزمه على خوض غمار التغيير الديمقراطي الحقيقي، وتجديد مشروعه المجتمعي بما يترجم انتظارات الشباب المغربي، ويعيد الثقة في العمل الحزبي كوسيلة نبيلة لخدمة الوطن والمواطن.
وهو بذلك يلتقي مع التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش الأخير، الذي جعل من الكفاءة، والمساءلة، والإنصاف الاجتماعي مرتكزات أساسية لإقلاع وطني شامل

الدبلوماسية الحزبية في خدمة الدولة الوطنية

إن هذه اللقاءات الاتحادية في الأقاليم الجنوبية تندرج في إطار رؤية الحزب لتعزيز الدبلوماسية الحزبية المواكبة للدبلوماسية الرسمية، من خلال التواصل الدائم مع الفاعلين المحليين والمنتخبين والشباب، وإبراز النموذج المغربي في تدبير الخلافات بالوسائل السلمية والديمقراطية.
فالسياسة الخارجية ليست شأنًا حكوميًا فحسب، بل هي مسؤولية وطنية يتقاسمها الجميع، والحزب بدوره يساهم في الدفاع عن الموقف المغربي من داخل المنتديات الأممية والإفريقية والعربية، وفي توطيد علاقات التعاون جنوب–جنوب، بما يرسخ حضور المغرب كقوة إقليمية وفاعلة في القارة الإفريقية.
وفي هذا الإطار، تأتي المؤتمرات الاتحادية بالعيون والداخلة كتعبير عن رؤية سياسية واعية تربط بين الدفاع عن الوحدة الترابية، وبناء نموذج تنموي مندمج، وإحياء الفكر الاتحادي القائم على التقدم والمواطنة والمسؤولية.

اليسار الوطني وتجديد الأمل في مغرب العدالة الاجتماعية

إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو يسدل الستار على مؤتمراته الإقليمية من قلب الصحراء المغربية، يعلن جاهزيته الكاملة للانتقال إلى مرحلة جديدة من الفعل السياسي الوطني، قائمة على الإصغاء لنبض المجتمع وتجديد النخب وتوسيع المشاركة.
فالحزب، بتاريخه النضالي ورصيده الوطني، يواصل اليوم التزامه بخدمة الوطن والمواطن، مؤمنًا بأن المغرب في حاجة إلى يسار قوي وبديل تقدمي مسؤول، يضع الإنسان في صلب التنمية، ويربط بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمجالية كأفق لمغرب الغد.
لقد كان الاتحاد الاشتراكي دائمًا في صف الدولة حين يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية الكبرى، ودائمًا في صف الشعب حين يتعلق الأمر بالعدالة الاجتماعية، وها هو اليوم يجدد العهد من الداخلة، مدينة المستقبل الأطلسي، ليؤكد أن النضال من أجل الوحدة الترابية لا ينفصل عن النضال من أجل الكرامة والمساواة والحرية.

خاتمة

من الداخلة إلى بوزنيقة، ومن الجنوب إلى الشمال، يرسم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خريطة طريق جديدة لحزب وطني تقدمي يضع الإنسان والوطن في قلب مشروعه.
إنه الختام التنظيمي وبداية سياسية جديدة تؤكد أن الديمقراطية الحزبية هي الوجه الآخر للوطنية الصادقة، وأن كل خطوة في عمق الصحراء هي خطوة في عمق المغرب الديمقراطي والاجتماعي.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

من الداخلة.. الكاتب الأول إدريس لشكر: الداخلة تجسد عبقرية النموذج المغربي في الوحدة والتنمية والانفتاح الإفريقي

اجتماع  اللجنة التحضيرية والمجلس الوطني للحزب يوم الجمعة 17 أكتوبر ببوزنيقة

خلال المؤتمرين الإقليميين الثاني باليوسفية والخامس بالحوز 

من بنسليمان.. المهدي المزواري: أتمنى ألا تكون بنسليمان عالمية بكرة القدم فقط… نريدها عالمية بتجهيزات وبنيات تحترم كرامة المواطنين وتضمن لهم الحق في الشغل والصحة والتعليم