الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
بوزنيقة – 17 أكتوبر 2025
أيها الحضور الكريم،
ضيوفنا الأعزاء،
أيتها الأخوات والاخوة،
نكرس اليوم التزاما سياسيا وأخلاقيا دأبنا على الوفاء به، ألا وهو احترام الدورة التنظيمية التي يضبطها التعاقد الداخلي بيننا، والممارسة الفُضلى لمواعيدنا التي وضعنا أُسسها بأنفسنا وبقراراتنا المستقلة.
إن المؤتمر اليوم، تتويج لعمل دؤوب، أبدعتم، كاتحاديات واتحاديين، في ديناميته عبر الفروع والأقاليم والجهات، بعقد 72 مؤتمرا إقليما، كان انعقادها، لأول مرة في تاريخنا الحزبي شرطا من شروط الوصول لمحطة المؤتمر الوطني، ورافقت كل ذلك دينامية شبيبية ونسائية وسوسيومهنية عبر قطاعات الحزب المجتمعية، شكلت كلها لحظات انبعاث تنظيمي غير مسبوق.
لقد حافظ حزبنا على وجوده القوي، وسط محيط مطبوع بتراجع خطير للتيارات التقدمية، وأفول العديد من التجارب الاشتراكية. وتم تحصين تجربتنا الحزبية بفضل صمودكم، وتشبتكم بالثوابت التاريخية والأهداف السامية التي طبعت ميلاد حزبكم من جهة، وقدرتكم على التجدد والتدقيق في الاختيارات، التي تهتدون بها في تحديد المسار السياسي.
لقد حافظتم بذلك على الحضور المجالي للاتحاد على طول خارطة الوطن، مع الاخلاص في الارتباط بمكوناته المجتمعية، وامتداداته الجماهيرية.
لقد وصلنا الى محطتنا الوطنية، وفي محصلتنا نتائج نقاش مفتوح وصادق، جماعي ومتعدد الأبعاد، يحدونا في ذلك هدف أسمى هو تجديد استراتيجية حزبنا لخدمة بلادنا.
كما أننا حققنا الشرط الضروري لعمل أي تنظيم يحترم نفسه وتعاقداته ويقدم النموذج في التأطير السياسي، ألا وهو شرط الانتظام والانسجام والهدوء، بحيث أن التحضير لمؤتمرنا هذا تطبعه السلاسة والعلاقات المنتجة، بعيدا عن التصدعات التي طبعت العديد من محطاتنا السابقة.
نفتخر لأننا استطعنا الحفاظ على هوية الحزب الإصلاحية، وهو جوهر الرسالة التي توليناها، كإرث سياسي وطني باعتبارنا حركة اصلاح وطني بمضامين اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية تقدمية.
ولعل الامتحان المهم، الذي ربحنا رهانه يَكمُن بالذات في الحفاظ على هاته القدرة الاصلاحية للحزب، من خلال قدرته على بلورة المقترحات والمشاريع والحلول، كلما اقتضت الضرورة ذلك، سواءً في زمن الأوبئة أو في زمن التغيرات الدولية أوفي زمن التحولات المؤسساتية الكبرى ، بأفق اجتماعي ديموقراطي ، يستند الى ثلاثية قيمية هي العدالة والحداثة والديموقراطية.
أخواتي، إخواني،
ضيوفنا الأعزاء،
لقد شهدت الفترة الفاصلة بين المؤتمرين الحادي عشر والثاني عشر تحولات استراتيجية عميقة على الصعيدين الدولي والإقليمي، وشهد العالم خلالها تغيرات كبرى تعكس تحديات القرن الحادي والعشرين. على رأسها، تصاعد الحروب والنزاعات، التي أودت بحياة الملايين وأحيانًا وصلت إلى حدود الإبادة الجماعية، وسط صمت دولي مريب ودعايات مغرضة.
صمت أدمى قلوبنا أمام المأساة التي يعيشها أشقاؤنا الفلسطينيون في غزة، ضحايا حرب إبادة وحشية، وفي الضفة الغربية حيث تمارس سياسة استيطان عنيفة، تُعدّ تذكيراً صارخاً بفداحة المآسي التي يمكن أن تنجم عن ازدراء القوانين وانتهاك الشرعية الدولية. إننا نعتبر القضية الفلسطينية قضية تحرر وطني عادلة، ونؤكد دعمنا الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة الموحدة وعاصمتها القدس الشرقية. وقد ظل حزبنا وفيا لهذا الموقف في كل المحافل، متمسكا برؤية قائمة على الشرعية الدولية، ورافضا للانتهاكات المتكررة التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، من استيطان، وحصار، وسياسة العقاب الجماعي. هَمُنا، حشد الدعم الدولي ضد سياسة الإبادة الممنهجة، ولصالح احقاق دولة فلسطين الموحدة.
أخواتي، إخواني،
تواجه القوى التقدمية لحظة حرجة وصعبة، حيث تظهر عدة تحديات محورية نذكر منها:
- أزمة المناخ والاستنزاف البيئي، إذ يستمر استنزاف كوكبنا نتيجة نموذج اقتصادي جشع يضع الربح فوق الحياة والاستهلاك فوق الاستدامة، مما يهدد التوازن البيئي العالمي.
- تهديد الحريات والإبداع، إذ باتت حرية الإنسان وقدرته على الإبداع وبناء مجتمعات متضامنة مهددة من أنظمة تكنولوجية تعزز العزلة وتؤثر في وعي الأفراد خارج إرادتهم الحرة.
- تشكيك متزايد في النموذج الديمقراطي، الذي يقوم على دولة الحق والقانون ومبادئ الحرية والمساواة والتضامن، أمام صعود رؤى استبدادية تجذب البعض في أوقات أزمات الثقة واللايقين.
وفي هذا السياق، لا تفوتني الإشادة بنضال إخوتنا في حزب الشعب الجمهوري التركي الذي يواجه موجة قمع غير مسبوقة من قبل الحكومة إردوغان في محاولة لكتم صوت المعارضة ووأد كل أمل في التغيير. لذلك، نود أن نعبر عن دعمنا الثابت لأعضاء حزب الشعب الجمهوري ولقائده أوزغور أوزيل في نضالهم من أجل العدالة وسيادة القانون. إن الدفاع عن الديمقراطية معركة يجب أن نخوضها معًا، موحدي الصفوف ضد أي محاولة تقوض المؤسسات وتقيد الحريات.
إن هذه التحديات تتطلب منا وعياً عميقًا وفعلًا جماعيًا جريئًا، فهي تبدأ بأزمة المناخ التي تهدد مستقبل البشرية، خاصة في دول الجنوب، مرورًا بتحديات الهجرة ورفض الآخر، وانتهاءً بأزمة الأمن الغذائي الناتجة عن الحروب وسوء تدبير سلاسل التوريد، إلى جانب المعركة حول السيادة الرقمية والعدالة التكنولوجية وحق الإنسان في المعرفة والسيطرة على البيانات.
كما يشهد العالم تصاعد تيارات اليمين المتطرف، خاصة في أوروبا والغرب، حيث يرتبط صعود هذه التيارات بتراجع الثقة في المؤسسات الديمقراطية، وتغذية خطاب الكراهية والتمييز، ورفض المهاجرين، وتصاعد ظاهرة كراهية الإسلام، وهو ما أثر مباشرة في حقوق الإنسان والحريات الأساسية وعلى قيم الديمقراطية التعددية.
لذلك، تقع على عاتقنا مسؤولية إعادة بناء خطاب بديل يعيد الثقة في المؤسسات ويعزز قيم التضامن والمساواة، عبر فعل جماعي منظم لبناء نموذج اقتصادي جديد وعادل.
وستكون الندوة الدولية التي تنظمها لجنة العلاقات الخارجية غدا صباحا فرصة لتعميق الحوار والخروج بمقترحات عملية.
أخواتي، إخواني،
لقد اخترتم لمؤتمركم شهر أكتوبر، الذي يعد من أهم المواعيد الوطنية والدولية منذ نصف قرن، شهر القرارات الدولية حول وحدتنا الترابية. ولقد كان من حسن الطالع أننا بصمنا هذه الدينامية التنظيمية لمؤتمراتنا، بمحطتين إثنتين: في العيون كبرى حواضر الصحراء، والداخلة حاملة المستقبل الأفرو-أطلسي لبلادنا وللقارة الافريقية.
وأكتوبر هو أيضاً شهر الوفاء بالنسبة للاتحاديات والاتحاديين، الوفاء لشهدائنا وقادتنا، لكل مُناضلينا، الذين ضحوا من أجل التحرر والديموقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان.
ايتها الاخوات والاخوة
لقد شاء قدرنا الوطني، أن يتزامن انعقاد مؤتمرنا مع مرور نصف قرن على استرجاع اراضينا المغتصبة في الأقاليم الصحراوية. ويتزامن مؤتمرنا مع مرور 50 سنة على عقد المؤتمر الاستثنائي الاول، الذي شكل الولادة الفعلية للاتحاد الاشتراكي، من حيث توضيح خطه الأيديولوجي، وطبيعة تنظيمه، وشعاراته الاستراتيجية.
وهو مؤتمر ينعقد كذلك بعد 50 سنة، على ملحمة المسيرة الخضراء الذي قررها الملك الراحل الحسن الثاني، باعتبارها الترجمة الفعلية والميدانية لقرار تثبيت سيادة المغرب على اقاليمه الجنوبية.
ان هذا التزامن بين تجديد الاتحاد لنفسه وبين التعاقد الوطني من اجل تحرير الارض والانسان، يكفي لوحده لإقامة الدليل على الترابط العضوي بين تقدميتنا ووطنيتنا، نحن كاتحاد وطني ثم اتحاد اشتراكي تقدمي ووطني ديموقراطي. نحن جزء من هذا التعاقد الوطني الشامل، الذي قعَّد للفعل السياسي في المغرب ما بعد المسيرة الخضراء كما رسم أفق مطالبنا وثوابتها.
خمسون سنة، أثبتت فيها بلادنا قدرتها على الصمود، في وجه مؤامرة متعددة الاشكال والادوات:
حيث تحالف ضد بلادنا الفاشي العسكري واليميني الاستعماري، والجار المتآمر، وصمدنا.
وتكالبت علينا دول ومعسكرات ايديولوجية محكومة بموازين الحرب الباردة تارة، وبالمفاهيم التوسعية المغلفة بالتقدمية تارات أخرى… وصمدنا.
أخواتي، إخواني،
ضيوفنا الأعزاء،
لقد استطاع المغرب أن يُحصن وحدته الترابية، وتمكن من تغيير سردية العالم حول قضيته الوطنية بفضل النجاحات التنموية التي حققها في أقاليمه الجنوبية، وإدماج ساكنتها في الحياة السياسية والاقتصادية للبلاد في احترام لخصوصياتها الثقافية. كما ساهم الوعي المتنامي بالحاجة الملحة إلى الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء، وما لذلك من تأثير مباشر في أمن وازدهار المنطقة والجوار، في تعزيز مصداقية الطرح المغربي، باعتباره خيارًا جديًا وواقعيا لإنهاء النزاع المفتعل. إن هذا التقدم الدبلوماسي يمثل فرصة استراتيجية ينبغي ترسيخها وتوسيعها، عبر مواصلة الترافع الفعّال، وتقوية الجهود الدبلوماسية.
وننتظر من الدول الصديقة، الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أن تعمل باعتبارها من صناع القانون الدولي، على مناقشة قرار جديد يفضي الى اعتبار الحكم الذاتي مقترحا أمميا، هو المنطلق والنهاية في تسوية الملف. وسحب هذا الاخير من اللجنة الرابعة، ذلك أن المغرب هو الذي طلب تسجيل قضية تحرير صحرائه في اشغال هاته اللجنة، وقد انتفى سبب بقائه في أجندتها، علاوة على كون الملف يقع تحت طائلة مسطرة مزدوجة، فهو الملف الوحيد الذي يعالج من طرف هيئتين أمميتين هما اللجنة الرابعة ومجلس الامن.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مستلهمًا مواقف قياداته التاريخية، سيظل دائمًا في طليعة المدافعين عن المبادئ الوطنية، ولن يسمح لأي كان باستغلال القضايا الداخلية للإضرار بالمصالح الوطنية.
أخواتي، إخواني،
لن أعود للإرث الثقيل المتراكم منذ 2011 الى اليوم، ولكنني أطرح السؤال : هل الفعل السياسي يمكن ان يطيق مزيدا من التراخي و الاستمرار في البحث عن شركاء هامشيين يكتسبون قوتهم من الموقع و ليس من المشروعية الشعبية ؟ من القرابة و ليس من الكفاءة؟ هل يمكن التمادي في تجاهل حركات الشباب، ونبض الشارع.
إن مؤتمرنا هذا مطالب باعتماد مقاربة مبنية على المكاشفة والصراحة. وهذا هو فهمنا للخطاب الملكي عند افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة حين توجه للأحزاب لتتحمل مسؤوليتها. لقد أعاد جلالة الملك المؤسسات إلى صُلب الممارسة السياسية من حيث التشريع والمراقبة. ومن المؤكد أن ما تبقى من هذه المدة يتطلب التمهيد لمرحلة سياسية جديدة متحررة من الأساليب العنترية والتغول وإبراز الذات
أخواتي أخواني،
تعيش بلادنا منعطفا نعتبره تاريخيا، انها محطة دقيقة تتسم بتراكم الضغوط وتداخل الأزمات، داخلياً وتحولات جيوسياسية اقليمية ودولية تحتم إعادة ترتيب الأولويات، وذلك في مناخ متوتر تفرزه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، انها محطة مهمة في مسار وطننا حيث يجد المغرب نفسه أمام اختبارات حقيقية تمس أسس العقد الاجتماعي، ونجاعة الدولة، وتماسك المجتمع وتوطيد سيادته الوطنية الترابية والاقتصادية. نحن مطالبون بفهمها وليس تعليلها. لقد اظهرت تجربة الاتحاد الاشتراكي، خاصة في مرحلة التناوب، أن مجرد الاندماج في السلطة التنفيذية دون مصاحبة ذلك بإصلاح بنيوي عميق لا يكفي لمواجهة التحولات الكبرى. فتجاوز الأزمة يقتضي اليوم فهما عميقا لطبيعة المرحلة، وليس فقط التكيف الظرفي مع مستجداتها.
إن غياب الوضوح الفكري والجرأة السياسية في صياغة الأجوبة وبلورتها في خطط وأليات للمتابعة بتدبير عقلاني والتقاعس عن المحاسبة، يؤدي حتما إلى تآكل علاقات الثقة بين الفاعل الحكومي و المواطنين. وهذا هو ما حصل!
فمن أزمة الثقة في المؤسسات، إلى ارتفاع الاحتقان المجتمعي، والتفاوتات المجالية، تتعدد مؤشرات التوتر، وتظهر أدوات التدبير التقليدية محدودةً في استيعاب عمق التحولات الجارية. لم يعد كافيا بسط حلول تقنية أو مقاربات ظرفية، بل بات من الضروري التوجه نحو قراءة معمقة، ناقدة، ومتعددة الأبعاد للواقع المغربي.
الاخوات والاخوة،
لا ننكر ان مجهودات تمت في شتى الميادين. لكن السؤال المطروح هل تمكنت هذه الجهود من توجيه الدينامية الاقتصادية والاجتماعية لخلق قطيعة مع أساليب الارتجال التي أعاقت العمل المنتج؟
قد يتخيل البعض ان الاحتجاجات الاخيرة لا تعدو أن تكون إلا مجرد صرخة عابرة للشباب وأنها من طبيعتهم كما كان حال السابقين!
إنها صرخة من حيث الشكل، لكنها تعبر عن قلق المجتمع برمته الذي يسائل آليات اشتغال الدولة، ومعضلة تمركز القرار والثروة في أيدي الأقلية. ويتسع القلق الى مسألة تعثر قنوات الوساطة السياسية والاجتماعية ومعيقات الدور الوظيفي للأحزاب والنخب و المجتمع المدني. إن الدرس الأساسي هنا هو أن الخروج من الأزمة يتطلب إعادة بناء المشروع السياسي والاقتصادي على أساس ارتباط عضوي مع المجتمع لا على توافقات نخب معزولة.
لا أخفي عليكم أنني اتخذ كلمتي هذه نداءً، لا لتقديم وصفات أو تحاليل جاهزة، بل أريدها خطابا بدون مجاملة، على طرفي نقيض مع خطابات النخبة التكنوقراطية أو السياسية المتطفلة على الشأن العام. إنها محاولة لطرح أسئلة موجعة، بأسلوب صريح، ولغة غير مترددة وللحث على التفكير الرزين في فتح السبل التي من شأنها ان تعيد الأمل للطبقات الشعبية وللشباب وتحفز كل ذوي النيات الحسنة وتوطد دعائم الالتزام الوطني والقيم الثابتة للملكية الدستورية الديمقراطية والاجتماعية. ليس المطلوب تجميل الواقع، بل الكشف عنه ولو كان مرا. وليس القصد هو البحث عن سبل إدارة الأزمة، بل الخروج منها.
اننا في الاتحاد الاشتراكي لا ننخرط في الخطاب المغلوط الرامي الى “تسويق المغرب” بل نطرق باب المستقبل من أجل الإصلاح الجدري وتدشين مسار جديد يثق في قدرات أبنائه على أسس المساواة والكرامة والسيادة.
أخواتي، اخواني،
منذ أكثر من عقدين، دخل المغرب في سلسلة من الإصلاحات، والإستراتيجيات القطاعية، والرؤى الاستشرافية التي قُدمت كلها على أنها واعدة ومُبَشرة بالغد الأفضل. لكن، مع مرور الوقت، تركت الوثوقية المطلقة المجال للايقين. ولعل المؤشر الأول الدال على الحيرة هو تفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتلاشي الأمل لدى الشباب واتساع رقعة الهشاشة ومأسسة الريع. نعم، لقد تم بناء طرق سريعة، وتشييد موانئ ضخمة، وتطوير مناطق حرة. لكن، ما الجدوى من هذا المجهود الضخم إذا كانت الأغلبية لا تجد مدرسة عمومية ذات جودة، ولا مستشفى دون اكتظاظ، ولا سكن دون استدانة مُنهكة؟
أخواتي، إخواني،
ما الذي حدث حتى أصبحنا نبحث عن نموذج تنموي جديد و نحتفل بالمشروع المعد من طرف اللجنة المختصة و كأننا اخترعنا العجلة؟ في حين أن اخفاق منظومة التربية والتكوين مستمر ومحدودية سوق الشغل تزداد ديقاً.
منذ بداية الألفية، قرر المغرب التحديث عبر الدولة: تُخطط، تُنفّذ، وتَقود الرؤية. من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى المشاريع الكبرى والدبلوماسية الاقتصادية، صارت الدولة الفاعل المركزي. لكن هذا التمركز لم يأتِ بلا ثمن: المقاربة فوقية وبيروقراطية، تغفل الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني.
فما هي النتائج؟ بنى تحتية وطاقة متجددة وصناعات صاعدة فعلاً. ولكن مع ذلك، الفوارق لا تزال فاحشة، وثقة المجتمع في تراجع مستمر. الإدارة تحولت إلى آلة تُغذّي مؤشرات الأداء لصندوق النقد، لا لحاجيات المواطنين. التنمية صارت أرقاماً وحسابات، لا مشروعاً تحررياً يُنقذ المواطن.
المغرب ليس بلا طموح، لكن هذا الطموح غالباً ما يُصاغ بلغة التسويق السياسي والتصنيفات الدولية، بعيداً عن رؤية وطنية حقيقية. نَغرق في الأرقام، وننجرف وراء صور تبهر الإعلام، بينما تذبل الفلاحة، ويتقلص النسيج الصناعي، ويبقى النمو الاقتصادي دون المستوى المطلوب للإقلاع الحقيقي.
منذ الستينات، اختار المغرب الليبرالية التنافسية: خوصصة، مناطق حرة، جذب الاستثمار الأجنبي. الا ان هذا النموذج أنتج نمواً هشاً، معتمداً على عوامل خارجية، وغير قادر على الإدماج الشامل. فالاستثمار العمومي يفتقر للفعالية والتكامل، والريع تفشى كنموذج للاغتناء السريع. فمن الريع العقاري إلى الامتيازات القطاعية، ومن الاحتكار المقاولاتي إلى الامتيازات اللوجستيكية، استطاعت أقلية من الفاعلين تحويل الدولة إلى آلة لإعادة توزيع الثروة لصالحها. ومن أهم تجليات الريع في المغرب:
- الزبونية التعاقدية: حيث يربط ضعف الشفافية الشركات بأصحاب النفوذ السياسي، مما يضعف المنافسة الفعلية ويعتمد على الامتيازات.
- المنافسة المبتورة: حيث تقلل السلوكيات الزبونية فرص المنافسة النظيفة، وتَعوق روح الريادة والابتكار.
ونطرح السؤال: عن اية ليبرالية يتحدثون إذا كانت المبادرة الحرة تقابل بكل هذه المعيقات؟
إن عالم الأعمال في المغرب يفتقر إلى مقومات التماسك الرأسمالي الضرورية للحد من التبعية الاقتصادية للأسواق العالمية التجارية والمالية. وهذا هو المنطق ذاته الذي يجعل الاغتناء الخاص يفضي إلى أولوية اغتناء الأسر الميسورة على حساب ثروة الوطن. إن التغيير الجذري في هذا النهج ليس مجرد خيار، بل ضرورة ملحة لتحقيق استقلال اقتصادي حقيقي وازدهار مستدام.
لقد حان الوقت لاتخاذ خطوات جريئة نحو مستقبل أكثر استدامة. لا يمكننا الانتظار أكثر؛ يجب أن نبدأ الآن في بناء اقتصاد قوي يضمن ادماج كل الفئات ويعيد الأمل في الازدهار للأجيال القادمة.
بالنسبة لنا في الاتحاد الاشتراكي انه المدخل الكبير لتخليق الحياة العامة وللمصالحة بين التوجهات والممارسة الاقتصادية وبناء الدولة الاجتماعية على أرضية متينة.
أخواتي، إخواني،
لقد ظل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، منذ تأسيسه، يعتبر أن العدالة الاجتماعية ليست خيارا سياسيًا من بين خيارات أخرى، بل شرطا تأسيسيًا لأي مشروع وطني ديمقراطي. غير أن تجربته في تدبير الشأن العام، خاصة منذ حكومة التناوب، كشفت عن هشاشة التوازن بين القيم المرجعية للحزب ومتطلبات التسيير داخل نموذج اقتصادي ليبرالي. الدرس الأساسي هنا هو أن الدولة الاجتماعية لا تُبنى من داخل منطق التكيف مع سياسات تقوم على تفضيل الرأسمال على القوى الإنتاجية الأخرى ، بل تبنى عبر مسار طويل من أجل إعادة توزيع الثروة وتوسيع الحقوق.
تجارب مثل تجربة اليسار في أمريكا اللاتينية تظهر أن بناء دولة اجتماعية عادلة لا يتم فقط من خلال البرامج الاجتماعية، بل كذلك من خلال إعادة النظر في العلاقة بين الدولة والسوق والمجتمع، وتأسيس قاعدة ضريبية عادلة وآليات فعالة لاستثمار الادخار.
ولا مفر من إصلاح جذري للسياسات العمومية. حيث يجب إدماج المواطن في التشخيص، وفي التنفيذ، وفي التقييم. لا يكفي الاستماع إليه في الحملات، ثم تجاهله عند اتخاذ القرار. فالديمقراطية الاجتماعية تبدأ من الميدان.
لقد آن الأوان للانتقال من دولة مسعفة إلى دولة محفّزة، تضمن تكافؤ الفرص في الوصول الى المعرفة، والبنية الرقمية، والدعم المؤسساتي. تفسح المجال للمبادرات، تشجع التجريب، وتراهن على الذكاء الجماعي. كما تتحرر من الوصاية التقنية للممولين الدوليين، وتستعيد سيادتها في تحديد أولوياتها الاجتماعية.
المواطن شريك لا مستفيد، والتضامن المجالي انصاف، والعدالة التوزيعية حق. فالديمقراطية المجالية الفعلية، تعترف بالجماعات الترابية كفاعلين، لا كمنفذين. والعدالة التوزيعية لا تقتصر على الضرائب. إنها تشمل الحق في الأرض، وفي الولوج إلى الخدمات، والمشاركة في القرار.
إن الميثاق الاجتماعي الجديد يجب أن يقوم على أساس الحقوق، لا على هواجس الاستهداف والتصنيف. والدولة الاجتماعية التي نطمح إليها ليست أداة لتعويض الفقر، بل لبناء شروط التحرر منه. إنها دولة استباقية، لا تُرقع، بل تُؤسس.
أخواتي، إخواني،
إننا إزاء لحظة المكاشفة المسؤولة والبناءة ولا ننظر لواقع بلادنا من باب المعاينة والانتظار. إن أهم ما يميز بلادنا هو نظامها الملكي بوصفه منبثقا من الإرادة الشعبية التي تفجرت قواها في وجه المستعمر حين تجرأ للمس بالملك، حيث أبدى الشعب المغربي تعلقه بالعرش وبالعائلة الملكية.
إنها خاصية فريدة في العالم، كون الملكية في المغرب نظام مواكب لعصره وقريب من هموم الحاضر ومستشرف لتطورات المستقبل. فبلادنا قائمة على تاريخ متين وعريق، اجتازت خلاله عدة عقبات ومحن لم تنهك قواها. فالملكية هي الإطار المنظم للدولة وتواصلها مع المجتمع وهي مصدر الاستمرارية والاستقرار. وإذا كان دستور 2011 قد رتب هرمية السلط، فقد اضفى صفة جديدة على مؤسسة الملك معتبراً إياها السلطة الفصل التي يلجأ اليها المغاربة لتصويب مسار السياسة التنفيذية.
إلا أن بعض المسؤولين الحكوميين أصبح يختبئ وراء المؤسسة الملكية بهدف التصدي للأصوات المخالفة أو المنتقدة وتهميش المعارضة المؤسسية. وهذا الأمر عائق خطير للسير الطبيعي والناجع لدواليب الدولة.
والملك لم يعبر يوما في سلوكه ولا خطاباته عن نية الانفراد بالسلطة أو تهميش المؤسسات والفاعلين السياسيين بل على العكس، لا يتغاضى عن الممارسات المخلة بالصالح العام. وكم من مرة دق ناقوس الخطر ونبه الى الانزلاقات وأطلق الأوراش البنيوية وفتح افاقا مشرقة داخليا وخارجيا. لذلك لا يمكن لعاقل أن يعتبر أن هناك من يضع الملك والملكية في الميزان. و حين نتوجه اليه بمطالب الإصلاح فإن الهدف الأول و الأخير هو منح الدولة فعالية أكثر و تناسقا أوسع مع تطلعات المجتمع.
ان حركية المجتمع تفرض دوما البحث عن السبل التي تمكن الدولة من مسايرة ايقاع التغيير الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وهو أمر لم يعد يطيق التأجيل. فكيف ذلك؟
لقد كشفت تجربة ما بعد دستور 2011 عن محدوديات عميقة طالت جوهر العملية السياسية المغربية، بحيث لم تُترجم المكتسبات الدستورية إلى دينامية ديمقراطية فعلية. بل يمكن القول إن المرحلة أتت على كثير من المكتسبات الفعلية والرمزية التي راكمها المجتمع المغربي لعقود، مما جعل البلاد تدخل في مرحلة من الشك، ليس فقط تجاه نجاعة المؤسسات، بل تجاه مصداقية الخيار الديمقراطي ذاته.
ان نضالنا خلال سنوات الرصاص يشهد على أننا كنا نضع استقلالية القضاء في مقدمة الإجراءات التي تدشن فعلياً للانتقال الديمقراطي وليس فقط لأننا أول من كان يكتوي بنار القضاء التابع، بل لان المجتمع برمته كان يقع تحت وطأته.
يُفترض نظرياً أن استقلال القضاء ضمانة للعدالة، بحيث يكون القاضي حراً خاضعاً فقط للقانون والضمير المهني. لكن في التجربة المغربية، نشأت سلطة قضائية مستقلة عن الحكومة لكنها غير خاضعة للمساءلة المجتمعية، مما جعلها تتمتع بـ ‘استقلال سلبي’ لا يُوازيه ‘حساب ديمقراطي’. وبذلك تحّول الاستقلال القضائي إلى استقلال عن الرقابة وليس استقلالا من أجل العدالة.
وبقدر ما تُراقَب المؤسسات المنتخبة من طرف الناخبين فإن غيرها من المؤسسات لا يخضع لأية مراقبة على الرغم من الصلاحيات الاستراتيجية الممنوحة لها. فمؤسسات الحكامة على سبيل المثال حدد لها المشرع إطاراً واضحاً يَفترض أنها مؤسسات تداولية واستشارية ليس إلا، وأن التشريع والتنفيذ يعود للمؤسسة البرلمانية والحكومة. لكن وبعد مرور أكثر من عقد على ممارسة هذه المجالس لمهامها يبدو من الضروري أن نقوم بتقييم أدائها خاصة من وجهة التناسق المؤسسي العام حتى نجتنب أي اختلال في تناسق الخطط الاستراتيجية وحتى لا تكتسح هذه المؤسسات مجالات التخطيط والتدبير المنوط بالحكومة أو ان نسقط في هندسة ازدواجية أو تهريب القرار الى دوائر غير خاضعة للمساءلة. ففي غياب الانسجام بين المؤسسات المنتخبة والأجهزة التنفيذية والمجالس المعينة قد ينشأ تضارب في الصلاحيات، خصوصاً فيما يتعلق بتنفيذ السياسات العمومية القطاعية والترابية. وهذا يُضعف الحكامة.
صحيح أن هذه المؤسسات تشكل ممراً لإشراك فاعلين وخبراء وأخصائيين، لكن المطلوب ان تجد مقترحاتها الطريق الى المؤسسات المنتخبة والتنفيذية كلما تعلق الامر بالتنبيه والنصيحة والاقتراح البناء. من أجل ذلك نعتقد في الاتحاد الاشتراكي بانه من المفيد فحص أدائها وتقدير مدى تناسقها مع هرمية القرار.
أخواتي، إخواني،
يقف المغرب اليوم على أعتاب تحول سريع يعتريه تجادب بين ايقاعين: من جهة ايقاع مجتمع يتطلع بشغف نحو المستقبل ومن جهة أخرى أجهزة الدولة التي لا تستوعب ضرورة الرفع من إيقاعها في تدبير الشأن العام. في صميم هذا التناقض، ينبض مجتمع حيوي ومبتكر: الشباب يبدعون في مجالات الاقتصاد التضامني والرقمنة والثقافة الإبداعية، والرياضة. والنساء يناضلن بشجاعة من أجل المساواة والمشاركة. والفاعلون المحليون يعيدون صياغة التضامن في المناطق المهمشة.
هل يمكن تجاهل هذا الزخم المجتمعي؟ كلا، يجب أن يكون ذلك دافعا قوياً لتحديث الممارسة العمومية لتواكب هذا الحراك الدينامي وتدعم مسيرة البناء المتجدد.
إن ما تحقق من إصلاحات خصوصا بعد دستور 2011 يمثل تقدماً ومكسباً تاريخيا في مسار بناء الدولة الحديثة. لسنا من المشككين في ما أنجز، إن هناك منجزات مؤسساتية وقانونية لا يمكن إنكارها: من توسيع هامش الحريات، إلى حقوق المرأة و مكانة اللغة و الثقافة الأمازيغية، إلى تعميم الحماية الاجتماعية و محاربة الفقر المطلق.
غير أن هذه الإصلاحات – رغم أهميتها – لم تفض في مجال تنظيم السلط إلى انتقال ديمقراطي حقيقي بالمعنى الذي تتطلبه السياسة المعاصرة، على أن الديمقراطية ليست فقط مؤسسات، بل نظاماً للحكم قائم على توزيع فعلي للسُلط وترتيب لدواليب الدولة بحيث لا تطغى أجهزتها على مؤسساتها ولا تحل هيآتها الموازية محل الهيآت الخاضعة للمساءلة والمراقبة.
ومما لا شك فيه أن عوامل النكوص ليست مؤسسية فقط بل انها كذلك مرتبطة بمدى تجدر الفكر الديمقراطي داخل المجتمع و مدى تعامل كل الفاعلين السياسيين مع الاختلاف و حقوق المرأة و الحداثة و التمييز بين السياسي و المالي، و الأيديولوجي الديني و الوضعي والفقهي، و الانفتاح الثقافي مقابل الانزواء التقليدي …الخ .
وكما يقال كي تقوم الديمقراطية يجب ان يحملها ديمقراطيون. ومن هذا الإيمان العميق بالديمقراطية، جاء التزام حزبنا العملي بالإصلاح، لا بالشعارات، بل بالمبادرات الملموسة.
أيّتها الأخوات والإخوة، لقد كان حزبكم أول من تقدّم إلى وزير الداخلية بمذكرة شاملة ومفصّلة حول الإصلاحات الانتخابية يوم الجمعة 22 غشت 2025، مقدّماً مجموعة من التوجهات والمبادئ والقواعد التي يراها ضرورية لإصلاح المنظومة الانتخابية، أهمها:
- وضع لوائح انتخابية عامة جديدة، مع التسجيل التلقائي والآلي للشباب، وتخفيض سن الترشح الى 18 سنة.
- تصحيح اختلالات التقسيم الانتخابي.
- انتخاب أعضاء مجلس النواب في إطار الاقتراع باللائحة، باعتماد دوائر محلية ودوائر مخصصة للنساء، ودائرة مغاربة العالم.
- الرفع من التمثيلية النسائية إلى نسبة الثلث (132 مقعدا) دون الزيادة في عدد مقاعد مجلس النواب.
- الرفع من التمثيلية السياسية للنساء والشباب في المؤسسات الانتخابية بالرفع من نسبة الدعم المخصص لهاتين الفئتين.
- محاربة الفساد من خلال اتخاذ تدابير ملموسة للحد من مختلف أشكال الفساد الانتخابي، مع تشديد العقوبات على الجرائم واعتبارها كالتزوير في محرر رسمي.
- إعداد قانون إطار وطني ينظم استعمال الذكاء الاصطناعي في المجال السياسي، مع تحديد ضوابط الحملات الانتخابية الرقمية.
- إحداث هيئة وطنية للرقابة الرقمية، مستقلة عن الحكومة، تعنى بتتبع استعمال الذكاء الاصطناعي في مختلف العمليات الانتخابية.
- إطلاق منصة وطنية للتمويل الرقمي للحملات، بما يسمح بتتبع تدفق الأموال وتفادي استغلال الذكاء الاصطناعي في الإشهار السياسي غير المعلن.
أخواتي، إخواني،
لقد اشتغلت مختلف اللجان الموضوعاتية بجدية ومسؤولية، فعقدت لقاءات متعددة، حضورياً وعن بُعد، وأنجزت مشاريع الوثائق المعروضة عليكم اليوم ثمرةَ نقاشٍ وتفكيرٍ جماعي.
- أكدت اللجنة السياسية على ضرورة مواصلة الإصلاحات السياسية والمؤسساتية الضرورية في إطار من التوافق.
- أما اللجنة الاقتصادية والاجتماعية، فقد دعت إلى تبنّي نموذجٍ تنمويٍّ جديد، عادلٍ ومنصف، يقوم على سياساتٍ عموميةٍ جريئة، أساسها التوزيع العادل للثروة، وإرساء العدالة الجبائية، وضمان الأمنين الغذائي والمائي، وتعزيز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
- وأكدت لجنة قضايا المرأة ضرورة اعتماد مقاربةٍ شاملة ومندمجة، تضع النساء في صلب السياسات العمومية، من أجل مساواة منصفة.
- ودعت لجنة قضايا الشباب والرياضة إلى تمكينٍ ديمقراطيٍّ حقيقيٍّ للشباب، بما يضمن اندماجهم الفعلي في الحياة السياسية والاقتصادية، ويمنحهم موقعاً فاعلاً في صناعة القرار.
- أما اللجنة الثقافية، فقد شددت على ضرورة بلورة عقدٍ ثقافيٍّ جديد، يُعيد للثقافة مكانتها كركيزةٍ للديمقراطية والتنمية، وأداةٍ للتحديث والانفتاح ومواجهة الانغلاق.
- ودعت لجنة مغاربة العالم إلى مقاربةٍ أعمق لإدماجهم مؤسساتياً واقتصادياً واجتماعياً، من خلال إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج، وإحداث آلياتٍ لتتبع الكفاءات، وفتح آفاقٍ جديدةٍ للاستثمار والمشاركة.
- أما لجنة الإعلام الحزبي، فقد أكدت على أهمية تأهيل الصحافة الاتحادية وإعادة تنظيمها وفق دفتر تحملاتٍ جديد، مع ضرورة حفظ الذاكرة الاتحادية برقمنة الأرشيف الحزبي وتيسير الوصول إليه.
- وشددت لجنة العلاقات الدولية على وجوب التحلي باليقظة إزاء التحديات المتزايدة، وتطوير استراتيجيةٍ فعّالةٍ تؤطّر علاقات الحزب الخارجية، دفاعاً عن القضايا الوطنية ومبادرات الدبلوماسية الشعبية.
- وفي المقابل، عملت لجنة القوانين والأنظمة على تحديث وثائق الحزب الأساسية، بما ينسجم مع التحولات السياسية والتنظيمية الراهنة، وأكدت ضرورة إدماج الرقمنة كأداةٍ لتطوير العمل الحزبي وتحديث منظومته التنظيمية.
وهنا لا بد أن أنبه لما أحدثته الثورة الرقمية من تحول عميق في ملامح المجال العام. فلم تعد الساحات ولا الصحف ولا الجامعات وحدها فضاءات للنقاش، بل حلت وسائل التواصل الاجتماعي محلها كمنابر جديدة للحوار والجدل السياسي، أكثر تأثيراً من القنوات التقليدية. ومن هنا، يتعين علينا أن نتعامل مع هذا التحول كفرصة لتوسيع قاعدتنا التواصلية، واستقطاب الشباب والنساء والطبقات الوسطى، واستخدام الرقمنة كوسيلةٍ للتربية السياسية والتعبئة الاجتماعية.
إن الرقمنة ليست مجرد أداة تكنولوجية، بل فضاءٌ جديد للديمقراطية المباشرة، يتيح تكوين رأي عام نقدي خارج المؤسسات التقليدية. لذا وجب علينا تبنّي أساليب تنظيمٍ جديدة؛ فالنموذج الهرمي لم يعد كافياً لمواكبة ديناميات المجتمع. ينبغي الانتقال نحو شبكاتٍ أفقية تضم جمعياتٍ ومبادراتٍ مدنية تشاركية.
كل هذا يدعونا إلى إعادة التفكير في عملنا كحزبٍ تقدّمي، منفتحٍ ومتفاعلٍ مع المجتمع. يجب أن نوسّع آفاق العمل الأفقي كضرورةٍ لتحقيق التغيير الحقيقي، عبر بناء جسورٍ رقميةٍ حيةٍ مع الجماهير، وإعادة تعريف العضوية الحزبية لتكون أكثر مرونة وانفتاحاً، تتيح مشاركة أوسع تتجاوز الأطر التقليدية.
إن المزج بين التنظيم العمودي والأفقي سيُمكّننا من بناء نموذجٍ حزبيٍّ جديد، يجعل من الحزب مدرسةً للقيادة الجماعية، ومنبراً للأفكار الخلاقة، وفضاءً دائماً للتفكير والإبداع.
وفي الختام، لا يفوتني أخواتي، إخواني، أن أنوّه بالجهود الكبيرة التي بذلتها كل من لجنة الإدارة، ولجنة المالية واللوجستيك، من أجل ضمان انعقاد مؤتمرنا في أفضل الظروف التنظيمية والفكرية، بما يليق بتاريخ حزبنا ومساره النضالي.
ضيوفنا الأعزاء،
من ممثلي الأحزاب السياسية الوطنية، والمنظمات النقابية والحقوقية، وهيئات المجتمع المدني، وكذا مندوبي وممثلي الهيئات والوفود الدولية الصديقة، وممثلي وسائل الاعلام، اسمحوا لي أن اعبر لكم باسم كل الاتحاديات والاتحاديين، عن خالص تقديرنا وامتناننا لتشريفكم لنا.
إن حضوركم اليوم، ومساندتكم لمسارنا الديمقراطي، يعكسان عمق الروابط التي تجمعنا، وإيماننا المشترك بقيم الحرية، والعدالة، والتضامن. فشكراً لكم جميعاً على دعمكم، وتقديرنا الكبير لكل من شاركنا هذه اللحظة التاريخية في مسار حزبنا ووطننا.
تعليقات الزوار ( 0 )