رسالة الاتحاد
ما إن أُسدل الستار على المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بتلك الصورة الراقية التي عكست تنظيمًا محكمًا ووحدة داخلية غير مسبوقة، حتى انطلقت حملات التشويش والتضليل من كل صوب، في مشهد يعكس حجم الارتباك الذي أصاب خصوم الحزب. فقد تجاوزت هذه الحملات حدود المقبول، لما رافقها من افتراءات ومغالطات استهدفت الحزب وقيادته، محاولةً التشكيك في نجاح مؤتمرٍ شكل محطة تنظيمية وسياسية فارقة في مسار الاتحاد.
سارع بعض الخصوم إلى نبش أرشيف الفيديوهات القديمة بحثًا عمّا يمكن توظيفه ضد الاتحاد، فيما خرجت جهات مغرضة لتكتب مقالات وتعليقات تفتقر إلى المصداقية والمهنية. وتم الترويج لأسطورة «غضبة ملكية» مزعومة، سرعان ما كذّبتها رسالة ملكية تشيد « بما يتحلى به الكاتب الأول ومناضلات ومناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من غيرة وطنية صادقة»، لتسقط بذلك كل محاولات الاصطياد في الماء العكر. أما الأكثر استغرابًا، فهو الطريقة التي تم بها تحوير الوقائع وبتر التصريحات وتحريف السياقات، في مسعى واضح لتشويه صورة الحزب والنيل من رموزه وتاريخه النضالي العريق.
غير أن هذه الحملات لم تزد الاتحاديين إلا إصرارًا ووحدة. فقد دفعتهم إلى صحوة تنظيمية وفكرية، أكدوا من خلالها أن حزبهم ما زال يشكل مصدر إزعاج لخصومه، وأن نجاحه التنظيمي والسياسي المتجدد يعكس عمق جذوره في الساحة الوطنية. فبدل أن تُحدث هذه الهجمات شرخًا في الصفوف، تحولت إلى وقود لتقوية اللحمة الداخلية وإعادة الثقة في المشروع الاتحادي.
والمفارقة أن بعض المنتقدين يوزّعون الدروس حول كيفية تدبير الاتحاد، متجاهلين ما يعصف بأحزابهم من انقسامات وصراعات، في مفارقة تكشف أن ما يبدونه من «غيرة» على الحزب ليس سوى ستار لهجومٍ غير مبرر يفضح نواياهم الحقيقية.
أما سر هذا الانزعاج الكبير، فليس خفيًا: لقد أفرز المؤتمر الوطني الثاني عشر وحدة داخلية وانسجامًا تنظيميًا غير مسبوق، أعطى للحزب نفسًا جديدًا وثقة متجددة في مستقبله. فانعقاد 72 مؤتمرًا إقليميًا – بعضها شهد نقاشات حادة لكنها انتهت بتوافقات ديمقراطية – شكّل ثمرة عمل دؤوب قاده الكاتب الأول إدريس لشكر بحكمة، عبر وساطات ومجهودات ميدانية أعادت للحزب قوته وفعاليته. وهنا يكمن جوهر الانزعاج لدى خصوم الاتحاد الذين لم يتوقعوا أن يخرج بهذه القوة والتماسك.
لقد فهم الجميع أن ما صرّح به إدريس لشكر في الندوة الصحفية حول رغبة الحزب في تصدّر المشهد السياسي، لم يكن شعارًا أو مبالغة، بل خلاصة لمسار تنظيمي متين ودينامية سياسية حقيقية. لذلك اتحد خصوم الاتحاد في هدفٍ واحد: التشويش على نجاحه ومحاولة النيل من صورته. إلا أن كثرة هذه المحاولات جعلت الاتحاديين أكثر وعيًا، فانطلقت ردود الفعل القوية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحولت إلى تعبئة ميدانية جديدة لإعادة هيكلة الفروع والاستعداد للاستحقاقات المقبلة بعزيمة ووحدة.
عرفت مواقع التواصل الاجتماعي انتفاضة اتحادية قوية ردًا على ما يُنشر من افتراءات، مما أجبر كل المسخرين لهذه الحملات على الانسحاب من النقاشات الحادة التي استندت إلى الحجة والدليل. وقد أحدث هؤلاء نقاشًا عامًا استغله الاتحاديون والاتحاديات بذكاء لإيصال صوتهم وموقفهم بشكل واضح وموضوعي.
أما الجدل المفتعل حول «الولاية الرابعة» فما هو إلا محاولة أخرى للتسلل إلى الشأن الداخلي للحزب بغرض تأزيمه وخلق تيارات متصارعة. غير أن الاتحاديين باتوا واعين بهذه المناورات، وقيادتهم نجحت في تجاوز كل العقبات وعقد مؤتمرات في أقاليم كانت مجمّدة لسنوات، لتؤكد أن إرادة الإصلاح والوحدة أقوى من كل محاولات التشويش.
دائمًا ما يكون التراجع الانتخابي ناتجًا عن الانقسامات والصراعات الداخلية، وهو ما شهدناه للاتحاد الاشتراكي في محطات سابقة. غير أن نتائج المؤتمر الوطني الثاني عشر تؤكد اليوم أن الحزب استعاد عافيته بالكامل، وأصبح قادرًا على المنافسة بقوة لتصدر المشهد السياسي الوطني.
كثيرون ممن يسمعون ادعاءات الخصوم، والطريقة التي تُقدّم بها، قد يظنون في البداية أن هناك فعلًا عملًا مضراً بالسياسة عمومًا وبالحزب التاريخي خصوصًا. غير أن قراءة ما يكتبه الاتحاديون والاتحاديات تكشف لهم الحقيقة كاملة، وتوضح الواقع كما هو، إذ لا يصح إلا الصحيح كما يقال.
هذا النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل ثمرة عمل دؤوب ورؤية واضحة قادتها القيادة الاتحادية بحكمة ومسؤولية.
وهكذا، أصبح الاتحاد الاشتراكي اليوم حزبًا يُربك خصومه لا بالإشاعات المغرضة، بل بقوته التنظيمية، ووحدته الداخلية، وثقته الراسخة في نفسه، وإيمانه العميق بدوره التاريخي في خدمة الوطن وبناء مغرب ديمقراطي حداثي قوي.


تعليقات الزوار ( 0 )