بعد نصف قرن من العطاء والنضال، يحق لنا أن نسائل اللحظة : هل استطاعت الشبيبة الاتحادية أن تحافظ على جوهر رسالتها، وأن تظلّ مدرسةً للوعي والتجديد في زمنٍ فقد فيه كثيرون الإيمان بالسياسة؟
ففي مغربٍ يعيد ترتيب أولوياته الاجتماعية والسياسية، ويبحث عن توازنٍ بين التنمية والديمقراطية، تبقى الشبيبة الاتحادية أحد أعمدة المشروع الاتحادي التقدّمي، ورافعةً أساسية لإعادة الثقة بين الأجيال، بين السياسة والمجتمع. ذلك أنها منذ نشأتها، لم تكن ملحقا حزبيا أو إطارا تنظيميا محدود الأفق، بل كانت ضمير الاتحاد الاشتراكي وضمير اليسار المغربي. إذ حملت الاشتراكية في بعدها الإنساني، كفلسفة للحياة تقوم على الحرية والكرامة والمساواة.
لقد أعادت الشبيبة، في زمن التضييق والمنع، للسياسة معناها النبيل، وحولت المواجهة إلى فعل ثقافي وفكري يُحصّن الشباب ضد الاستسلام واليأس. كما ظلّت وفية لروح المهدي بنبركة وعمر بنجلون، إذ آمنت أن النضال لا يقاس بعمق الفكرة ونبل الموقف.
تميّزت الشبيبة الاتحادية، منذ عقود، بقدرتها على الجمع بين العمل الميداني والتكوين الفكري. ففي الجامعات والأحياء، في القرى والمدن، اشتغلت على تأطير الشباب وتأهيلهم للمواطنة المسؤولة، معتبرة أن السياسة ثقافة سلوكٍ وممارسة يومية للكرامة والوعي. وفي كل استحقاق انتخابي، انخرطت بمنطق المشاركة الواعية، دفاعا عن فكرة أن التصويت موقف من المشروع المجتمعي.
وبما أن التنظيمات الشبابية تواجه اليوم تحدياتٍ غير مسبوقة، من قبيل: 1) عزوف سياسي متزايد يجعل السياسة في نظر جزءٍ كبير من الشباب مرادفةً للعبث أو الفشل؛ 2) فقدان الثقة في الأحزاب والمؤسسات نتيجة غياب التواصل والمحاسبة؛ 3) نزوعٌ متنامٍ إلى التعبير الفردي غير المؤطَّر، حيث أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي بديلاً عن الأطر الجماعية. و كل ذلك يستدعي من الشبيبة الاتحادية مراجعة أدواتها وتجديد خطابها لتواكب هذه التحولات، وعلى رأسها بناء جسورها مع القطاعين التلاميذي والطلابي، والعودة إلى الجامعات والمدارس باعتبارها فضاءات لتكوين المواطن، لا ساحاتٍ للفراغ أو التطرف. كما أن عليها أن تستثمر التحوّل الرقمي لتجعل من التكنولوجيا وسيلة للتعبئة والتربية، لا أداة للعزلة والسطحية.
إن الشبيبة الاتحادية مدعوة اليوم، مع بلوغها نصف قرن من النضال، إلى ابتكار لغةٍ جديدة في التواصل، لغةٍ رقمية مبدعة تخاطب العقول لا الغرائز، وتعيد للسياسة جاذبيتها وللانخراط معناها. ذلك أن الاحتفال بهذه الذكرى ليس تمجيدًا لماضٍ مضى، بل تجديدٌ للعهد مع الحاضر والمستقبل. فالشبيبة التي وُلدت في قلب الصراع الوطني والاجتماعي مطالبة اليوم بأن تُسهم في بناء الدولة الاجتماعية التي دعا إليها جلالة الملك محمد السادس، وأن تكون شريكًا في بلورة سياساتٍ عمومية تُنصت للشباب وتُشركهم في القرار.
لقد لعبت الشبيبة الاتحادية دورا محوريا في نجاح المؤتمر الوطني الثاني عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من خلال مساهمتها التنظيمية، الفكرية، والتعبوية، إذ كانت حاضرة في كل اللجان التحضيرية، ومبادِرة إلى ضخّ روحٍ جديدة في النقاشات، وإلى الدفع في اتجاه جيلٍ اتحاديٍ جديدٍ يزاوج بين الوعي والانفتاح.
لقد أثبتت الشبيبة الاتحادية، خلال هذا المؤتمر، أنها قوة اقتراح ورافعة للتجديد، وأن مستقبل الاتحاد الاشتراكي يبدأ من انخراط شبابه في المعركة الديمقراطية، الفكرية والتنظيمية، بنفسٍ نقديٍّ وبروحٍ وحدوية. فكما كان الاتحاد طليعة الإصلاح السياسي، تبقى شبيبته اليوم طليعة الإصلاح التنظيمي والفكري الذي يُمهّد لمعركة انتخابية ومجتمعية مقبلة بحسٍّ تقدّميٍ ومسؤول.
لم تقتصر رسالة الشبيبة الاتحادية على الفعل الداخلي، بل امتدت إلى الفعل الدبلوماسي الموازي دفاعًا عن القضية الوطنية الأولى – الصحراء المغربية. إذ انخرطت في مختلف المبادرات الشبابية الإقليمية والدولية لتصحيح الصورة، وتوضيح حقيقة المشروع المغربي في الحكم الذاتي، والدفاع عن الوحدة الترابية في المنتديات والمؤتمرات العالمية. ذلك أنها أدركت أن الدبلوماسية اليوم أصبحت مجالًا من مجالات النضال المدني والفكري الذي يجب أن تنخرط فيه الأجيال الجديدة، لتحمل من خلال حضورها في شبكات الشباب العربي والإفريقي والاشتراكي الدولي، صوت المغرب الديمقراطي، الحداثي، الملتزم بالقيم الإنسانية، مؤكدة أن الدفاع عن الصحراء هو دفاع عن المشروع الديمقراطي المغربي برمّته، وعن سيادة وطنٍ يسير بثقة نحو المستقبل.
إن هذا الحضور الدبلوماسي الشبابي الاتحادي هو تعبير عن نضج سياسي وتنظيمي، وعن وعيٍ بأن معركة الوطن لا تُكسب فقط في الميدان العسكري أو الدبلوماسي الرسمي، بل أيضًا في ساحة الأفكار والوعي، حيث يصنع الشباب صورتهم وصوتهم في العالم.
وإذا كانت بلادنا مقبلة على محطات انتخابية حاسمة وذات بُعد استراتيجي، ستُحدد ملامح التوازن السياسي والاجتماعي في السنوات المقبله، فإن الأجهزة الشبابية للاتحاد الاشتراكي مدعوّة اليوم إلى إعادة هيكلتها محليًا وجهويًا ووطنيا، في أفق انخراطٍ فعليٍّ ومكثّف في هذه المحطات.
إنها لحظة لتجديد الدماء التنظيمية، ولتعبئة الطاقات الفكرية والميدانية للشباب الاتحادي بروحٍ عاليةٍ من المسؤولية والانتماء. كما أن المشاركة الفاعلة للشبيبة الاتحادية في الاستحقاقات المقبلة واجب سياسي وأخلاقي تجاه المشروع الاتحادي الكبير الذي ينتظره المغاربة كبديلٍ ديمقراطيٍّ اجتماعيٍّ في مواجهة تغوّل الحكومة الحالية وسياساتها النيوليبرالية التي أضعفت الثقة وأجهزت على آمال الفئات الوسطى والشابة.
إن الاتحاد الاشتراكي، بقوته الفكرية والتنظيمية، وبشبيبته التي تستعيد اليوم دورها الطليعي، قادر على قيادة التحول القادم، لأن التاريخ أثبت أن هذا الحزب لا يموت حين تُغلق الأبواب، بل يولد من جديد كلما استدعت الحاجة إلى البديل الوطني التقدمي. وكما قال عمر بنجلون: «المستقبل يُبنى بالإيمان والعقل، لا بالصمت والخوف».
بهذا الإيمان، إذن، تواصل الشبيبة الاتحادية مسيرتها ، لتُثبت أن اليسار المغربي يتجدد بقدرته على إنتاج الوعي، وبتشبثه الدائم بمشروع الكرامة والمساواة الذي ما زال المغاربة ينتظرونه كبديلٍ حقيقيٍّ عن التراجعات والتغوّل
مواضيع ذات صلة

ملتقى حافل في الذكرى الخمسين لتأسيس الشبيبة الاتحادية

خلال جلسة المناقشة العامة لمشروع قانون المالية

في جلسة بمجلس المستشارين .. صواب: الرهان الحقيقي ليس في ترميم الجدران بل في ترميم الثقة العالوي: مستقبل المغرب لن يُكتب بدون شبابه

تعليقات الزوار ( 0 )