توفيت شقيقة الشهيد المهدي بنبركة، السيدة زبيدة، بعدما عاشت سنوات من العمر، يصعب على أي شخص، غير أسرتها، تصور المشاعر والانطباعات التي كانت ترافقها، وهي تتابع تطورات الوضع في المغرب، وقضية اختفاء الشهيد، بكل تداعياتها السياسية، على الصعيد الوطني والدولي، مازالت حاضرة بقوة.
في تلك اللحظات الممزوجة بمشاعر الحزن والوفاء، التي كان جثمان الفقيدة يوارى بمقبرة الشهداء، ساعات بعد دفن الوطني الكبير، عبد الكريم غلاب بنفس المقبرة، لم يكن ممكناً إلا أن ترفرف الروح، بسرعة ضوئية، في تاريخ المغرب الحديث، مستحضرة الأحداث الكبرى التي حصلت فيه، منذ دخول الاستعمار، وكفاح الحركة الوطنية، والصراع الدموي، الذي شهده مغرب ما بعد الاستقلال، والذي عرف أوجه في الفترة التي يطلق عليها سنوات الرصاص.
من المؤكد أن هذا الجيل الذي عاش كل هذه الأحداث، يختفي، لكن هل تختفي آثاره؟ هناك من يعتقد أن تاريخ الحركة الوطنية الديمقراطية، سينتهي مع موت نسائه ورجاله، معتبراً أن اندثار الجسد كفيل باندثار التاريخ والرمزية والحمولة السياسية والفكرية، غير أن قضية الشهيد المهدي بنبركة، تُكٓذّبُ هذا الاعتقاد.
لقد عمل قتلة المهدي على نظرية اندثار الجسد، لوضع حد نهائي للقضية التي يحملها، معتقدين أنهم بذلك يقتلون فكره ومواقفه وقضيته، لكن هذا لم يحصل، إذ حمل كل شرفاء العالم وأجيال من المناضلات والمناضلين، في المغرب، رسالته. لذلك لم يمت المهدي، رغم فناء جسده.
لقد أحيى المتشبثون بقضية النضال الوطني الديمقراطي، الذي يجسده الشهيد، عظام القضية، التي اعتقد المجرمون أنها أصبحت رميماً، فظلت حاضرة ومتقدة، وتوالى على المذبح عدد كبير من ضحايا القمع، مجسدين بذلك استمرار الروح، في حركيّة لا تكَلّ ولا تَمٓلّ، لأن الشهيد والشهداء، كانوا يحملون قضية شعب، وليس قضية شخصية.
للشعوب ذاكرة لا تنمحي، لأنها هي التي أنشأتها، وقادرة على أن تحيي عظامها وهي رميم.
الكاتب : يونس مجاهد
تعليقات الزوار ( 0 )