من البديهيات التي أصبحت معروفة في الدبلوماسية الناجحة، هي أنها ليست مجرد تعبيرعن حسن النية والصداقة والكلام الطيب، بل هي أساساً تبادل المصالح، حيث إن علاقات الود والتفاهم وحدها لا تكفي، وهو ما تفاداه المغرب تجاه البلدان الإفريقية.
من البلادة أَن يتصور أحد، أن تقوية وجود المغرب في القارة الإفريقية، كان سيتم، فقط، بالخطاب الطيب والسلام والعناق، لأن العلاقات التي تصمد وتتطور، بين البلدان، هي تلك التي تبنى على المصالح، خاصة إذا تعلق الأمر بقارة تحتاج إلى الاستثمارات وتمنح، في نفس الآن، فرصاً كبيرة.
فالقارة الإفريقية تعيش خصاصاً مهولاً في حجم الاستثمارات، مقارنة مع القارات الأخرى، رغم ما تتوفر عليه من إمكانات ضخمة، من ثروات معدنية، وأراض صالحة للزراعة، لكنها غير مستغلة، وحاجيات متزايدة في البنيات التحتية والسكن، وفي الخدمات والنقل والتكنولوجيات الحديثة والأبناك، وفي العديد من القطاعات الأخرى…
ولا يمكن هنا إلا أن نسجل التوجه الإيجابي للمغرب، الذي عمل على تقوية الدبلوماسية الاقتصادية في إفريقيا، حيث سار على الرجلين، الأولى، هي تحسين علاقات التفاهم. والثانية، هي تطوير مشاريع التعاون المشترك على المستوى الثنائي، والسعي إلى الاندماج في المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا.
ليس هناك إلا الرابحون في هذه العلاقات، على مختلف المستويات، فهناك التبادل والتكامل، على المستويين الثنائي والجماعي، وهناك ما هو أعمق وأشمل، ويتعلق بتطوير مفهوم التعاون الاقتصادي جنوب- جنوب، الذي يحاول أن يتجاوز الهيمنة المطلقة لما يسمى بدول الشمال، التي مازالت قبضتها قوية على دول الجنوب، بقوتها الاقتصادية، ومؤسساتها المالية، وبذلك تفرض توجهها وتضاعف من خدمة مصالحها، على حساب الآخر.
بفضل هذا الجمع بين الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي، أصبح المغرب ثاني مستثمر في القارة، بعد دولة جنوب إفريقيا، لكن الإيقاع الذي يسير به تطور مشاريعه في عدد من بلدانها، قد يجعل منه قوة أولى، بما لذلك من تداعيات إيجابية على المستويين الاقتصادي والسياسي.