أعاد القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، بخصوص البرنامج الديني، الذي تبثه المحطة الإذاعية، «شذى إف إم»، النقاش من جديد حول المضامين التي تبثها بعض المحطات الإذاعية المغربية، في المجال الديني، والتي سبق أَن أثارت ردود فعل قوية، نظرا لإمعانها في الظلامية الثقافية ونشر الشعوذة والخرافات، الأمر الذي يتناقض مع المبادئ الواردة في ديباجة قانون الاتصال السمعي البصري، والعديد من مقتضياته.
فمن الواضح أن تحرير هذا القطاع جاء في إطار الدفع بالتطور الديمقراطي لبلادنا، كما تعكسه ديباجة القانون السالف الذكر، والتي تتحدث بوضوح عن القيم الإنسانية الحضارية واحترام حرية الإبداع الفكري والفني والعلمي، كما يشير القانون أيضا إلى الابتعاد عن التخندق السياسي والإيديولوجي، من طرف كل وسائل الاتصال السمعي والبصري، عمومية كانت أو خاصة.
لذلك فإن ماحصل مع المحطة الإذاعية المذكورة، يفرض إعادة النظر في كيفية بلورة هذا القانون في دفاتر تحملات والتزامات وسائل الإعلام السمعية البصرية، على مختلف المستويات، خاصة ما يتعلق بإعادة نشر وترويج الفكر الخرافي والشعوذة، البعيدة كل البعد عن الثقافة الدينية. فإذا كان هناك مشعوذون يسعون للمتاجرة بالشعور الديني لبعض الناس، وبجهلهم أيضا، فإنه من غير الممكن أن يسمح للإذاعات بأن تتحول إلى فضاء لهذه التجارة، من أجل استجلاب المستمعين وما يدر ذلك من مداخيل.
و يمكن القول إن هناك تجارب إذاعية ناجحة، تمكنت من لعب دور كبير في الارتقاء بوعي وذوق الجمهور، بل إنها شكلت نافذة مهمة، خاصة لبعض الفئات من المواطنين، لتطوير ثقافتهم الصحية والاجتماعية والنفسية، بالإضافة إلى القضايا الأخرى، السياسية والثقافية، وأكدت هذه التجارب الأدوار الهامة التي ما زالت الإذاعات تلعبها، رغم المنافسة القوية للإعلام الرقمي.
بعد القرار الذي اتخذه المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، ينبغي تقييم الوضع واستخلاص النتائج، من أجل التصحيح الشامل للمسار الذي من الممكن أن يكون مغريا لبعض المحطات للمتاجرة عبر ترويج الشعوذة، في الوقت الذي تفرض عليها مسؤوليتها الاجتماعية المساهمة في تطوير الثقافة والفكر والوعي.